صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب/ قمة مجموعة البريكس: العالم أمام فرصة تحوّل تاريخية

slama
كتب: نوفل سلامة

انعقدت منذ أيام قليلة بـ مدينة ‘جوهانزبورغ’ بدولة جنوب أفريقيا القمة التاسعة لمجموعة دول البريكس في أجواء قلقة، والعالم يشهد صراعا حادا من أجل ميلاد نظام عالمي جديد يحاول من يقف وراءه من قوى صاعدة كسر الهيمنة الغربية والتخلص من القيود التي وضعت للتحكم في العالم واستغلال هذه الفرصة لتغيير النظام العالمي ومنظومته للعولمة التي صممت بعد الحرب العالمية الثانية و تهيمن عليها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها.

فك الارتباط

حيث يبحث قادة هذه المنظمة التي تأسست سنة 2009 وتتشكل من خمس دول أساسية وهي روسيا والبرازيل والهند والصين وجنوب إفريقيا موضوع الآليات الممكنة و المتاحة لفك الارتباط عن هيمنة النظام الاقتصادي العالمي القائم الذي تقوده أمريكا ومسألة تجاوز استخدام الدولار العملة العالمية المقررة في المبادلات التجارية بين الدول نحو إقرار نظام مالي جديد يقوم على عملة عالمية بديلة وإتاحة الفرصة والإمكانية للدول المنضوية تحت هذه المنظمة للتعامل فيما بينها من خلال عملتها المحلية ومن دون حاجة إلى المرور عبر الدولار…

23 دولة تطلب الانضمام…

كما ينتظر أن يبحث هذا المؤتمر في المطالب الرسمية التي تقدمت بها 23 دولة للانضمام إلى عضوية البريكس نجد من بينها دول عربية كـ الجزائر والمغرب ومصر والسعودية والإمارات والبحرين وفلسطين ويتوقع بحلول سنة 2050 أن تتوسع هذه المنظمة ليصبح عدد أعضائها قرابة 52 دولة مع الإشارة إلى أن ما يزيد عن 60 دولة لها نوايا في الانضمام إلى البريكس من بينها تونس التي تشارك في هذا المؤتمر كضيف ملاحظ.
القضية المركزية التي سوف تأخذ حيزا كبيرا من النقاش والحوار فضلا عن الحسم في مطالب العضوية والانضمام الجديد للكثير من الدول التي تبحث عن طريق للخلاص من الهيمنة الغربية، قضية بناء نظام مالي عالمي جديد يكون أكثر عدلا ويكون في صف الدول الفقيرة ويضمن للدول الحفاظ على سيادتها وحرية سياساتها وخياراتها في بناء شراكات وعلاقات اقتصادية وتجارية بينية حرة من دون تدخل من أي طرف خارجي و لا قيود مجحفة ومذلة للسيادة الوطنية للدول.
يحاول هذا المؤتمر الذي يأتي في ظرفية خاصة والعالم يشهد أوضاعا متشنجة ومتوترة بعد حركة التمرد التي تقودها بعض الدول الافريقية للتخلص من الهيمنة الفرنسية ورغبتها في إنهاء التبعية الاقتصادية والمالية لمستعمرها القديم وإعلانها الصريح والخفي التواصل مع روسيا والانضمام إلى صفها وربط علاقات تجارية مع الصين وإصرارها على تقرير مصيرها من خارج الهيمنة الأطلسية وقوى الاستعمار القديم ..

حرب مدمرة

وبعد استمرار الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها الخطيرة على الاستقرار العالمي وأمن الشعوب وما خلفته هذه الحرب من أزمة في التزود بالطاقة من غاز وبترول وأزمة أخرى تتعلق بتعثر إمدادات الغذاء المتعلقة أساسا بمادة الحبوب والزيوت والأعلاف والكثير من المواد الأساسية لعيش الشعوب، يحاول هذا المؤتمر إيجاد آليات جديدة لتنمية العلاقات الاقتصادية بين الدول بما يقلل من تحكم الدولار ويقلل من الاعتماد على هذه العملة في العلاقات والمبادلات التجارية.
الفكرة الأساسية التي تقوم عليها منظمة البريكس هي إيجاد آليات مالية جديدة ونظام عالمي جديد يحقق التوازن الاقتصادي المفقود مع منظومة العولمة الحالية ومؤسساتها المالية المتحكمة والتي تهيمن عليها أمريكا وإيجاد عملة جديدة بديلة من شأنها أن تقلل من تأثير الدولار العملة التي تتحكم في مصير الشعوب والدول وتمنع من التعامل الاقتصادي البيني…

تحد تاريخي كبير

وهذا يعني أن منظمة البريكس وهي تعقد مؤتمرها تجد نفسها أمام تحد تاريخي كبير وأمام فرصة تاريخية قد تحول مجرى التاريخ المعاصر وتغير من صورة العالم و أمام منعرج قد يكون حاسما في إضعاف النظام العالمي الحالي ومنظومته للعولمة من خلال وضع قواعد تعامل جديدة ومبادئ يحتكم إليها العالم من خارج الهيمنة الغربية والتحكم الأمريكي ومؤسساته المالية وفي مقدمتها البنك العالمي وصندوق النقد الدولي.

من المؤكد أن مجموعة البريكس كانت منذ البدء منظمة سياسية تعمل على اعادة تشكيل العالم وفق رؤية جديدة من دون الولايات المتحدة الأمريكية القوة المهيمنة على العالم، وإيجاد توازن اقتصادي جديد ونظام مالي جديد وإنهاء هيمنة الدولار على المعاملات التجارية .. ومن المؤكد كذلك أن هذه المنظمة الصاعدة تسعى إلى التخلص من النظام العالمي الحالي ومنظومته للعولمة وكل المؤسسات المتحكمة المرتبطة بها.. ومن المؤكد أن مجموعة البريكس قد أصبحت اليوم قوة ضاربة لا يستهان بها ولها وزنها وثقلها بعد أن أصبح الدول الأعضاء فيها يشكلون 3.2 مليار ساكن أي أكثر من 40 % من سكان الكرة الأرضية وبها 3 قوى نووية وعضوان قاران في مجلس الأمن هما الصين وروسيا وهي قوة بإمكانها مزاحمة القوى السبع الاقتصادية ولكن هذه القوة المرشحة إلى أن تتحول بحلول سنة 2050 إلى قوة وازنة على المستوى السياسي والاقتصادي والمالي بما يسمح لها بإعادة صياغة نظام عالمي جديد بقواعد لعبة جديدة تشكو من نقاط ضعف مؤثرة منها أن الدول المؤسسة لها لا تشكل وحدة متجانسة وليس لديها نفس الموقف في مواجهة الغرب ونفس طبيعة العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية وتشقها خلافات في موضوع توسيع هذا الحلف في علاقة بانضمام دول جديدة خاصة موقف الهند التي تطالب بالتريث قبل الموافقة على انضمام دول جديدة وموقف البرازيل الرافض لأي إنضمام لا يضيف قوة للبريكس بل إنها ترى أن الكثير من مطالب الإنضمام سوف يستفيد أصحابها من وراء هذه العضوية ويصبح لها قوة لم تكن لها بفصل البريكس.

هل تحتاج تونس ‘البريكس’؟

وبعيدا عن هذا التردد و هذه المخاوف في موضوع توسيع عضوية هذه المنظمة وموقف بعض الدول المؤسسين من التحاق أعضاء جدد ، فإن المهم والذي يعنينا هو الموقف التونسي من موضوع الانضمام الرسمي لمجموعة البريكس، والإجابة على سؤال هل أن تحتاج تونس تغييرا في خياراتها الاستراتيجية و قطع العلاقة مع حلفاء الماضي التقليديين والذهاب نحو شركات جديدة مع دول وقوى أخرى ؟ هل من مصلحة تونس أن تتخلى عن الشراكة الأوروبية الأطلسية وتغيير تحالفاتها السياسية والاقتصادية؟
هل نحن في وضع يسمح لنا بخوض تجربة جديدة في عالم لا مكان فيه إلا للأقوياء؟
هل نحتاج إلى مزيد التفكير قبل القطع مع القديم والذهاب إلى عالم جديد وتحمل تبعات هذا الخيار المصيري؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى