صالون الصريح

عيسى البكوش يكتب/ الشاعر محمد الغزي (1949-2024)…عندما يلتحق العاشق بالمعشوق

ISSA BACCOUCH ce
كتب: عيسى البكوش

سأل العبد:
لم استأثرت بهذا الخلد حبيبي الخالق
وكتبت الموت على المخلوق
فأجابه الله:
إذا كان العبد حبيبي العاشق
فعلام يخاف لقاء المعشوق؟

هكذا رتّل محمد الغزّي الذي غادرنا يوم الخميس 18 جانفي في قصيد اختار له من الأسماء ‘سؤال’ وضمّنه ديوانه الصادر سنة 2003 ‘سليل الماء’ وقد أهدانيه إبّان لقاء جمعني وإيّاه في ندوة فكرية بسيدي ثابت منذ عقدين وقد كان يتحمّل آنذاك وزر مستشار لوزير الثقافة.

محمد الغزّي هو شاعر قال في شأنه الدكتور عبد العزيز المقالح: ” كلّ بيت من قصائده يحمل نسخة عميقة ومكثفة من الدلالات الصوفيّة “.
وقال فيه ابن بلده المنعّم صلاح الدين بوجاه في تقديمه للديوان المذكور: ” تتحرّك أعمال الغزّي في المهاد الأوّل للشعر أي مهاد الشعيرة والترتيل”.
في ديوان ” للفرح القادم” الصادر سنة 1982 عن دار ديميتر سبق لشاعرنا أن باح بالوجد في قصيد حمل عنوان ” العاشق الفرد” : أنا سيّد العشّاق أنّة توجهوا
وحادي مطاياهم إلى آخر العهد
ورغم الذي ألقى من الحب لم أزل
فقيرا على بوّابته الله أستجدي
فطوبى لمن يغشى طقوس تولّهي.”
إنّ محمد الغزّي فارس الشعر القيرواني أمّ العواصم وفي غيرها من بلاد العرب وإن ترجّل وارتحل نحو معشوقه راضيا مرْضَيّا فإنّه سيبقى خالدا على لائحة شعراء مدينة الأغالبة التي قدّت من سحر الشعر والبيان.
ولقد شهد لها بذلك شاهد من أهل الشعر قدم إليها سنة 1995 من الشام، نزار قباني وهو حامل على جبينه (وردة وكتاب):
” يا أهل القيروان تحبّون الشعر وتحبّون الشعراء ولن يتهمكم أحد بشرائنا. يكفينا منكم أن تهدونا وردة أو حبّة زيتون.
إذا وجدتم أنّ حبّنا ينثر من حولكم الفضائح فلا تقنطوا من رحمة الحب لأنّ كلّ عاشق مفضوح يا ولدي… مفضوح !؟
لقد كتبت ذات يوم في ” شذرات ” :
” يا قيروان المجد يبلى البلى
مع الليالي ويشيب الزمان
وتهرم الدنيا ويذوي الصبى
وأنت دوما غضّة العنفوان”.
هكذا تغنّى الشاعر أحمد اللغماني بالقيروان في أوّل مهرجان للشعر بها سنة 1967 وهي لعمري مملكة الشعر والشعراء، أليست موطن ابن رشيق والحصري ثمّ الشاذلي عطاء الله والناصر الصدّام وجعفر ماجد وجميلة الماجري ومحمد الغزّي والمنصف الوهايبي؟.
والغزّي وإنْ عدّ من الشعراء الافذاذ فإنّ له نبوغا موسوعيا فهو الأستاذ الجامعي وهو الناقد وهو الباحث في الأدب وهو القاص والمؤلف المسرحي حيث أصدر مسرحيتي “المحطة” و”ابن رشد.”.
ولقد تحصّل في قائم حياته على عدد من الجوائز والتكريمات في تونس وخارجها : جائزة أبي القاسم الشابي للشعر سنة 1999 وجائزة أدب الطفل في أبو قير وجائزة الإبداع العربي في الشارقة سنة 2000.
ولقد تحيلنا عناوين دواوينه ” كتاب الماء، كتاب الجمر ما أكثر ما أعطي .. ما أقلّ ما أخذت” إلى ما كتبه بوجاه عن رفيقه : ” يجب أن نتحسّس أنساق مختلف هذه العلامات الحاملة لشتى المداليل عسى أن نتمكن من استقراء مباشر لمادة الشاعر:
ولكن هل يمكن سبر أغوار شاعر متصوّف كتب عنه الشاعر المصري عبد المعطي حجازي: ” يتكلم محمد الغزّي بلهجة طفل لغته تصطاد من الخواطر العميقة ما يدهشنا”.
والآن وقد رفع القلم وسكتّ أيّها الشاعر عن الكلام بل قل مثلما أشار الملهم منوّر صمادح في قصيدة ” الكلمات ” : ” ولقد مِتَّ في الكلمات”
فلتهنأ ولتسعد برحمة ربّك وهو العزيز الحميد.
وإنّا لله وإنّا إليه راجعون

اقرأ أيضا: ذهب محمد الغزي وبقيت جوهرته عن القيروان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى