الصريح الثقافي

ذهب محمد الغزي وبقيت جوهرته عن القيروان…

مَهْلاً فقدْ يتعاتَبُ الأحْبابُ
بعضُ الهوى يا قيْروانُ عِتابُ
إنّي الذي ما تبْتُ عنْ وجَع الهوى
لمّا الكثيرُ من الأحبّةِ تابُوا
إنّي أميرُ العاشقينَ بأرضِكمْ
وجميعُكمْ في ساحتي حُجّابُ
اخْلعْ نِعَالكَ فالمكانُ مُقدّسٌ
والأرْضُ حوْلكَ كلُّها مِحْرَابُ
عهدٌ علينا أنْ يُضَمَّ صَبابةً
هذا التّرابُ وتُلثمَ الأعْتابُ
لغةٌ هيَ الأضْواءُ بيْن دُروبها
لغةٌ هيَ الشّرفاتُ والأبْوابُ
لغة ٌ هي النظراتُ تجْري خِلسةً
لغةٌ هيَ الأحْداقُ والأهْدابُ
فكأنّمَا كلُّ المَسالكِ ألسُنٌ
وكأنَّمَا كلُّ الدُّروب خطابُ
وهتفْتُ بِابْنِ رشيقِها يَا سيّدي
قدْ ألّفتْ ما بيننا الأسْبابُ
فادْخُلْ لحانِ قصائِدي فجِرُارُها
فُضّتْ مغالقُها ودارَ شَرابُ
اشربْ فمنْ جرّات خمرتك التي
نامتْ قرونًا هذهِ الأكوابُ
امددْ يديكَ فمنْ دواليكَ التي
أوْرَثْتَنِيهَا هذهِ الأعنابُ
منْ قبْل ألْفٍ أنتَ قدْ علّمْتَنا
أنَّ القصيدةَ نعمةٌ وعذابُ
فهيَ ابتهاجُ الرّوحِ وهْيَ عذابُها
فنُسَرُّ إنْ هَمّتْ بنا ونَهابُ
يا بئرَ رُوطةَ والجِرارُ تناوَبَتْ
هلْ لي بهاتيكَ الجِرارِ شرابُ
قُولي لدُولابِ المياهِ يدورُ: يا
دولابُ تجْمعُ بيْننَا أسْبابُ
إنّا لنرْوي الظامئينَ تكرّمًا
ونظلُّ ظمْآنيْنِ يا دُولابُ
ضاعَ الشبابُ وما اقترفت جُنَونَهُ
وكأنّما بعْد الشبابِ شبابُ
أينَ الأحبّةُ في الجوارِ فإنّني
قدْ كنْتُ أصْفيْـتُ الودادَ وشابُوا
قولوا لهمْ إنّي الوفيُّ لعهدهمْ
سيّانِ كانُوا بيْنَنا أمْ غابُوا
وسألْتُ إذْ مرّتْ رَبَابٌ بيْننا
هلْ تذكُرُ العهْدَ القديمَ رَبَابُ
قولُوا لها للهجْرِ آدابٌ كما
للوَصْلِ في عُرْفِ الهوى آدابُ
ما انحلَّ عقدٌ بيننا يومًا وإنْ
شطّتْ بنا سبُلٌ وطالَ غيابُ
فعلامَ إنْ نحْنُ ادّنيْنا أطْرَقَتْ
وانْسَابَ جفناها وعيَّ جوابُ
قصرَ الكلام فلا يقولُ تولُّهي
فكأَنّما هذا الكلامُ حجابُ
يا أمَّ أندلسٍ وأمَّ رجالِها
هلاَّ عَلمتِ بمَا جَنَى الأعقابُ
فلقدْ فتحتِ الأرضَ أنتِ وضيّعوا
وجرؤتِ أنْت على الزمان وهابُوا
وبنيْتِ عزَّ المغربيْنِ وهدّمُوا
وظفرْتِ بالمجْدِ العظيمِ وخابُوا
قد كنت ضوْءَهُمُو إذا مَا ألْيلُوا
وسحابَهُم إنْ مسّهُمْ إجدابُ
أثقال دهْرٍ قدْ حملْتِ صُروفَها
ناءَتْ بحملِ صُروفها الأحْقابُ
وبقيتِ للأهلِينَ بابًا مُشرَعًا
إنْ أُغْلقِتْ منْ دُونهمْ أبْوابُ
أيْدٍ إلى كُلّ الوَرَى مبسوطةٌ
ومجالسٌ للقادِمينَ رِحَابُ
فكأنّما الأضْيافُ منْ قُطّانِها
وكأنّما منْ أهْلهَا الأغْرَابُ
ضوّأْتِ ليلَ الأرضِ وهو معتّمٌ
وأقمْتِ بيتَ الشعر وهوَ خرابُ
كلُّ الشعُوبِ غزتْ بقاطعِ سيفِها
وفَتَحْتِ أنْتِ وفي يديْكِ كتاب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى