صالون الصريح

عيسى البكوش يكتب: على هامش ألفيته/ محرز ابن خلف: رجل مثير للجدل

كتب: عيسى البكوش

لقد أثارت ألفية محرز بن خلف التي التأمت احتفائيتها بالمكتبة الوطنية يوم 28 جانفي الفارط والتي كنت قد دعوت إلى تنظيمها بمعيّة الصديق الدكتور عبد العزيز الدولاتلي رئيس جمعية “معالم ومواقع” الأستاذة رجاء بن سلامة ربّة دار الكتب فاستجابت مشكورة.

قلت، أثار هذا الحدث جدلا أعتقد أنه كان عاديا ومتوقّعا…

البحث عن الحقيقة

فالنخبة بطبعها لا تقنع بما يرسخ في المخيال الجمعي، فهي تسعى للبحث عن حقيقة ما وراء المسلّمات، وهي محقة في ذلك، ولذلك انبرى البعض سواء يومها أو على أعمدة الصحف على غرار الصديق نوفل سلامة أو على الشاشة بإيعاز من الأستاذ برهان بسيّس في إثارة الأسئلة حول هذا الرجل “الأسطوري” الذي ارتحل عنّا منذ ألف عام والذي ما انفك الناس القاطنين في هذه الديار وحتى المريدين خارجها تلهج باسمه وتبوء بفضله في تحصين تونس: “يحرز محرز”.
لقد شكّك الأستاذ علي حمريت في نسب المحتفى به وهذا ما كنت ذكرته في الكتاب الذي نشرته عند نقوش عربية سنة 2019 تحت عنوان “محرز بن خلف المؤدب، الشاعر والسلطان” حيث جاء في الصفحة الثامنة: ” إنّ بعضهم يجزم أنّ محرز ينحدر من أصل يماني وأن سكان أريانة ينحدرون من قرية أريان في اليمن ودليله أنّ كبير الوزراء في ذلك البلد في زمن قريب هو عبد الكريم الأرياني وأنّ الصدّيق لقب من ألقاب هذا الجزء من جزيرة العرب”.
 وكنت عقبت أنّ نسبة محرز إلى أبي بكر الصديق، وهي المتواترة، ذكرت في كثير من المصادر وخاصّة الشعرية منها وقديما قيل : ” الشعر هو ديوان العرب”، من ذلك مناجاة محمد الناصر الصدام.
محرزا أنت المجلى محرزا   *** قصبات السبق في كلّ هدف
جدّك الصديق حقــــــــــــــا ***  فتحت من جنة الخلد الغرف
من أبي بكر حبيب المصطفى *** من به قلب المحبّين شغف
ثم الوزير السرّاج في قصائد ثلاثة وبالخصوص هذا القصيد في وزن الكامل
عرّج على بحر المواهب والخلف
ذا البدر محرز كوالده خلف
يا ابن الذي صار صهر محمد
وذلك غاية ما ينال من الشرف
وعلى كلّ، فالبحث محمود في هذه المسألة على الرغم من أنها لا تنزع عن مترجمنا “قدسيّته” التي اكتسبها بعد موته ولا أعتقد أنه كان يتبجّح في حياته بنسبه الصدّيقي.

مسألة التسامح

أمّا عن مسألة التسامح حيث تساءل البعض كيف يكون محرز متسامحا مع قوم موسى ومتشددا مع شيعة علي؟.
فالرأي عندي وربّما احتمل الصواب أنّ محرز كان طوال حياته منتصرا لأهل السنّة ولمّا ارتأى له أن المدّ الشيعي أصبح يأخذ أشكالا عنيفة انبرى على رأس أتباعه يقاوم هذا العنصر الدخيل فكانت المواجهات الدموية عام 1016. وقد لا نتفق لامع مثل هاته المعالجات القطعية ولكن صيرورة التاريخ في بلدي الذي أريقت فيه دماء وقطّعت فيها رؤوس لسبب أو لآخر في سبيل القبض على الحكم وما كان هذا ديدن محرز فهو أدرى بحكم الله وحده وأنه كان يروم درء الفتن. روي عن عائشة أنها قالت :” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لي : إذا غضبت يا عويش قولي : اللهم أجرني من معضلات الفتن”.

لائحة الشعراء؟

وعلى كل فلقد شهدت البلاد منذ أن فارقنا الرجل وئاما مذهبيا لم ينفرط .
أمّا عن شعره فلقد تساءل المؤرخ فوزي محفوظ لماذا لم يذكر محرز في لائحة شعراء القرن العاشر وما يليه دون أن ينحو في ذلك ما ذهب إليه طه حسين من تشكيك في الشعر الجاهلي برمّته، وإنّي وإن كنت مثله لا أملك اليقين في هذه المسألة فإني أستشهد بما قاله النحوي البزّاز (952-1020م) عن مدارك شاعرنا وتمكنه من كنه العربية إن نثرا أو شعرا.
” للعلم ليس ثمّة غير محرز **** من يحذق التحدث بالفصحى ودون لحن
وإننا وإن تركنا جانبا أشعاره حول أطلال قرطاج التي فيها نظر بحسب الأستاذ محفوظ ، فإنّه لا يمكننا الطعن في القصيدة العصماء التي اشتملت على أكثر من أربعمائة بيت وهي المعروفة عند ” الذكّار” بحرز الأقسام :
“بدأت باسم الله في أول السطر  
فأسماؤه حصن منيع من النظر “
إلى أن يقول :
” وصلّ على المختار ما ذرّ شارق
وما لاح نجم في السماء لمن يدري
وصلّ إله العرش جلّ جلاله
على الملأ الأعلى جميعا مدى الدهر “
إنّ هذا النفس الممتد وهذا العطاء الغزير يحملنا على التساؤل وقد أكدّت كل المصادر أنه كان لمحرز نهم ليس له حدّ في الإقبال على قراءة الكتب، لماذا لم يترك لنا هذا القارئ الأكبر مخطوطا واحدا نقرؤه؟.    

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى