صالون الصريح

الأمين الشابي يكتب: هل انتهى عصر الخطب الرّنانة بالقمم العربية؟

كتب: الأمين الشابي

كما هو معلوم انتهت القمة عدد 32 للدول العربية بجدّة بالمملكة العربية السعودية للقادة العرب، وذلك بعد إلقاء الخطب الرّنانة، والتي، ولأوّل مرّة، كان عنوانها الاتّزان و الحكمة والنظرة الاستشرافية ومركزية القضية الفلسطينية…

رغم كل الحرائق العربية من فلسطين مرورا بالسودان وبليبيا ووصولا إلى اليمن.. ولكن أيضا كانت بحضور مميّز للجمهورية العربية السورية، بعد غياب تجاوز العقد من الزمن، وذلك في شخص الرئيس بشار الأسد وأيضا بحضور ملفت لما تضمنته كلمة رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد وما اتسمت به من نظرة استشرافية وواضحة لعالم، غير مستقر، ولا مكانة فيه للضعيف.

جديد ما ميّز الخطاب العربي في القمّة

كمتابع للشأن العربي، و تحديدا لقمّة الدول العربية الأخيرة، نلاحظ بداية غياب العنتريات “الكاذبة” التي كانت عليها سابقا بعض الخطب الرنّانة في مثل هذه القمم العربية، وهي تستعرض للعضلات أحيانا مباشرة أو بالإشارة ضمنيا لهذه الدولة أو تلك، ممّا يخلق معه تنافر جديد عوضا عن  لمّ الشمل العربي. وأيضا، لاحظنا، خلال هذه القمّة الأخيرة، التقيّد بسقف زمني محدد، و بالتالي كانت الخطب في شكل مداخلات قصيرة، لا تتجاوز مدّة كلّ منها الـخمس دقائق حتّى لا نثقل، أولاّ، كاهل الحضور و أيضا على الجمهور العريض الذي يتابع مثل هذه القمم العربية.
وهذا في حدّ ذاته تطور و وعي بقيمة الزمن فضلا عن أنّ كثرة الكلام و التمديد، في عمر الخطب، غالبا مع يعطي نتائج عكسية خاصة على مستوى عدم التركيز في محتوى مضمون هذه الخطب. الملاحظة الثانية، كلمات الرؤساء و الملوك و الأمراء العرب، تميّزت أيضا، بالاتّزان و الحكمة و الاستشراف و الإجماع حول القضية الفلسطينية، بعيدا عن السفسطة، حيث كانت هذه الخطب تثير مسائل من الأهميّة بمكان.

نعم للاتّزان والحكمة والاستشراف

الاتّزان، تجلى خاصة في كلمة الرئيس السوري بشّار الأسد الذي جاء  خلال مداخلته قوله: بـ ‘أنّ العروبة انتماء و ليس حضنا’ و كأنّه ضمّنيا، أراد أن يقول للقادة العرب و للعالم، بالرغم من ظلم ذوي القربى، سوريا تبقى دولة عربية الأصل والانتماء، ولكن الضرورات تبيح المحظورات أحيانا،
وهي إشارة ذكية لاعتماده في محنته الأخيرة على ايران و روسيا في غياب نصرة العرب لبلاده…
أمّا الحكمة، فقد أتت في إجماع كل المتدخلين حول السودان من الحرب بين الإخوة الأعداء، ليكون الموقف من ذلك الوقوف على مسافة واحدة، حتى لا ينقسم العالم العربي بين مؤيد لهذا الطرف أو ذاك. بل الحكمة تكمن في جعل حدّ لهذا الاقتتال من أجل إيقاف هذا النزيف.

وأيضا من أجل ألاّ تكون الحرب في السودان سببا في انقسام العرب و انفراط حبات لحمتهم من جديد…وبالتالي البحث على حلّ يحول دون تقسيم السودان عبر إيقاف هذه الحرب أوّلا، ثمّ الجلوس للتفاوض حول هذه الأزمة و التوسط  فيها لإيجاد حلّ يقي السودان من مزيد التشظي وسفك الدماء.
ولكن هذه الحكمة تتجلى أيضا في الوعي في وجود أطراف ربما خارجية أو داخلية  لها مصلحة في صب الزيت على النار من أجل تمديد أمد هذه الحرب في السودان لأسباب متعددة و خاصة منها الإشكالية حول سدّ النهضةـ لأنّ غياب السودان قد يضعف  أيضا موقف مصر حول هذه المعضلة.
الاستشراف، تضمنه خطاب الرئيس قيس سعيد، الذي ذكّر القادّة لما تعرضت له بعض الدول العربية من اضطرابات
ـ وهي  في مجملها مفتعلة ـ لتقويض استقرارها و لكن أيضا دعا صراحة إلى  أن يكون للعالم العربي بصمته و دوره ومكانته في ظل نظام عالمي جديد بصدد التشكّل  على أساس النّدية و الاستقلالية و السيادة، لا أن يبقى على هامش التاريخ حيث لا مكان للضعيف في عالم متحوّل باستمرار و خاصة في وجود موجات من الإرهاب عبر العالم.
وفي هذا الاطار أيضا لاحظنا إصرارا، ولو بصمت، من قبل كل من أخذ الكلمة من القادة، لعدم الخوض و نبش المشاكل القديمة وحتى وإن حصل ذلك، فقد تمّ بالتلميح لا بالتصريح، و بالتالي تمّ التركيز على المستقبل وإن كان الاستثناء ما جاء على لسان رئيس اليمن الذي تعرّض للدور المباشر لإيران فيما يحدث باليمن…

نعم للإجماع حول فلسطين ولكن..

هو ليس بجديد هذا الإجماع حول القضية الفلسطينية، خاصة في ظرف، تقدم فيه الطغمة الصهيونية على مزيد من التنكيل بالشعب الفلسطيني عبر المداهمات و الاغتيالات و الزج به بالسجن و القتل المتعمد و هدم البيوت على رؤوس أصحابها.
وليس بجديد أن تعتمد دولنا العربية، في مثل هذه القمّة الأخيرة، على الشرعية الدولية وخاصة الاعتراف بحلّ الدولتين (الفلسطينية والإسرائيلية) على أساس حدود سنة 1967. ولكن الأهم هو دعم الصمود الفلسطيني عبر المال و العتاد والمؤازرة في الدوائر الأممية و إصلاح وإعادة بناء ما هدّمه العدو الصهيوني و محو اثاره حتى لا يشعر الفلسطيني بأنّه وحيدا على الساحة في مجابهته لأبغض استعمار يشهده القرن 21.
أمّا الصراع المباشر مع العدو الصهيوني فتلك مسألة لا يجيدها و لا يعرف خفاياها  إلا الشعب الفلسطيني وقادته على الميدان. فقط نشير في هذا الصدد، و أنّ المدد العربي، مالا و عتادا و تشييدا ومؤازرة ، لا يكفي لصمود الشعب الفلسطيني في ظل  انقسام الفلسطينيين أنفسهم. و بالتالي فلا معنى أن توجد حكومتين في كل  من الضفة الغربية وفي قطاع غزة…
وهذا شرط أساسي للتقدم نحو نيل الاستقلال خاصة إذا ما علمنا و أنّ المقاومة الفلسطينية قادرة على مقارعة هذا العدو الغاصب، فلم  لا  يتحقق هذا الشرط خاصة في ظل التقارب الإيراني و السعودي…

كلمة أخيرة

عرفت الجامعة العربية منذ نشأتها، باعتبار القمّة الحالية، عدد 32 آلاف القرارات؟ و لكن السؤال هنا هل تتمّ متابعة هذه القرارات؟ و هل تمّ انجاز و لو واحدا منها؟ باستثناء ربما رجوع سوريا إلى الحضن العربي، والتي لعبت فيه الجزائر الدور الأكبر للأمانة في عهد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون…
وبالتالي دولنا و شعبنا العربي ليس في حاجة إلى الخطب الرنانة والكلام المنمّق بقدر ما هو في حاجة إلى تجسيد قرارات هذه القمم المتعددة.
فهل تكون قمّة جدّة بالمملكة العربية السعودية الاستثناء في هذا الاتجاه…بعيدا عن القمم العربية السابقة و ذلك تحقيقا للوحدة العربية و النماء و التكامل الاقتصادي، وإطفاء هذه الحرائق العربية حتى لا نقول الحيلولة حتى لا تشتعل النيران فيها؟ نأمل ذلك..؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى