صالون الصريح

الأمين الشابي يكتب: الحوار حول استقلال تونس محمود…ولكن دون خلط وجحود

chebbi
كتب: الأمين الشابي

اليوم تحيي تونس الذكرى 68 لعيد استقلالها من الاستعمار الفرنسي، هذا الاستعمار الذي مكث على صدر البلاد حوالي 75 سنة، وما يعنيه ذلك من حيف وظلم في حق التونسيين. ومن استغلال لمقدرات البلاد، ومن سجون ومنافي وقتل على الهوية لحقت المناضلين المناضلات…وأيضا من حرمان المواطن من أبسط حقوقه.

معاناة دامت 7 عقود

كلّ ذلك، هي شواهد على ما عانته تونس وشعبها لأكثر من 7 عقود، بالتمام والكمال من فقر ومعاناة وتضييق للحريات واستغلال فاحش لمقدراتها. والأكيد وأنّ جيل ما بعد الاستقلال لا يدرك حجم المعاناة، والثمن الباهظ الذي دفعه التونسيون لنيل استقلالهم.

ولكن ما شدّ انتباهي، وأنا أتصفح بعض المواقف حول هذه الذكرى العزيزة على كلّ تونسي، رصدت بعض المواقف التي تحاول التقليل من قيمة هذه الذكرى وحصرها فيما أتاه النظام خاصة في المرحلة البورقيبية.
وبالتالي التخفي وراء ذلك للكيل لاستقلال البلاد أسلوب غير محمود.

وحتى نقرّب الصورة أكثر للمتقبل و القارئ عموما، نذكر هذه التدوينة التي قال فيها صاحبها ” ناس ما عندهاش ذاكرة… كان الي يكتب على الحيط بالفحم يبعثو وراء الشمس…مجزرة الخميس الاسود وحدها راح ضحيتها قرابة 800 والمعتقلين بالالاف..5000 حسب بعض المصادر.. حكم بالحديد والنار : محكمة امن الدولة…البوليس السياسي dst..الشعب الدستورية والميليشيات مزروعة في كل مكان…اليوسفيين الي هوما منو دمرهم فرد فرد..ذبح الفلاڨة..”

ومثل هذه التدوينات لا فقط لا تفرق بين مفهوم الدولة والنظام بل تحمل بين طياتها تشويه لذكرى عيد الاستقلال الذي ضحى من أجله أجدادنا لنعيش اليوم في دولة حرّ و مستقلة.

لماذا الخلط بين الدولة والنّظام؟

يجب أن نفرّق بين الدّولة والنظام، فالدولة هي مجموعة من الأفراد يمارسون نشاطهم على إقليم جغرافي ويخضعون لنظام سياسي معين متفق عليه. وبالتالي، فهي بناء عقلي يتحقق في التاريخ ويقوم على حقوق الفرد ونظام الأسرة والتكوين الاجتماعي والشعب.
في حين أنّ النظام السياسي هو الشكل الأخير في بناء الدولة، ويقوم أيضا على حقوق الانسان أوّلا ومن ثمّة لا تعارض بين الليبرالية التي تقوم على حقوق الفرد والاشتراكية التي تضمن حقوق المجتمع. وأهم تعارض جوهري بين الدّولة والنّظام السياسي، فالدولة باقية والنظام السياسي متغيّر طبقا للقوى السياسية في البلاد.

تنسيب الأمور ضروري

وإذا أدركنا هذه المفاهيم بين الدولة و النظام، و عرفنا الفرق الجوهري بينهما، تصبح التدوينة التي أشرنا إليها حمّال لأكثر من معنى. فإما أنّ صاحبها يخلط بين الدولة والنّظام، وهنا عليه الاطلاع على هذه المفاهيم من مصادرها. أو أنّه يدرك ذلك ووجد في ذكرى الاستقلال ربما فرصة للنيل من النظام في العهد البورقيبى، مستدلا بما حصل من انزلاقات وقتها.
هنا نقول له، من حقك أوّلا نقد أي نظام عرفته بلادنا. ولكن أيضا عليك أن تتحلى بالموضوعية حتّى لا تمرر للشباب الذي لم يعاصر تلك المرحلة إلاّ النواحي المظلمة لذلك النظام. لأنّ عصر النظام البورقيبي، عرف أيضا نقاطا مضيئة مازالت تشع أنوارها إلى يوم الناس هذا.

قناديل مضيئة في العهد البورقيبي

الأجيال الحاضرة لا تعرف وأنّ تعميم التعليم كان من إنجازات العهد البورقيبي، ولا تدرك أيضا وأنّ تحرير المرأة كان على أيادي البورقيبية، ولا تعرف أيضا وأن القضاء على كلّ بيوت ” القش ” كان في عصر بورقيبة ولا تعلم أيضا وأنّ جل الصناعات الثقيلة كانت في عهد بورقيبة.
فأكبر مصانع الحديد الصلب (الفولاذ) كان في عهده. وأكبر مصانع السكر
وتكرير النفط كان أيضا في عهده، وتمّ تأسيس الشركات الجهوية للنقل كان في عهده. وتمّ بناء القاعات والمنشآت الرياضية الكبرى في عصره. وأكبر السدود كانت في عهد بورقيبة…وكان في عهده مصانع لتركب الجرارات الفلاحية والشاحنات والصناعات التحويلية.

ما لا تعرفه عن دولة الاستقلال

والأجيال الحاضرة لا تعرف وأنّ في زمن بورقيبة كانت الدولة تبني المدارس في عمق الأرياف وتوفر للمعلمين والمعلمات مساكن ليقطنوها مجانا. وهذه الأجيال لا تعرف أيضا وأن المدارس كانت تقدم وجبات فطور الصباح والغداء مجانا للتلاميذ وتمنح الفقراء منهم بدلات وأحذية. والجيل الحالي، لا يعرف وأن في العصر البورقيبي تمّ بناء المستوصفات في عمق الأرياف والبوادي وكانت كوادره تقدم دروس توعية للنساء في مجال الإنجاب وفي العلاقات الأسرية عموما. بل نقول وأنّ بورقيبة في عصره أنشأ الطريق السريعة قبل الصين.

كلمة أخيرة

ذكرت بعض هذه الإنجازات للعصر البورقيبي احقاقا للحق ولا دفاعا عن نظامه، خاصة وأنّي في عصر بورقيبة، لازلت أزاول دراستي وربما كنت وقتها لا أفقه الكثير من الأشياء.
وشخصيا لا أقبل القفز على المحطات السياسية بإيجابيات أو سلبيات كانت. فقط قليلا من الموضوعية والترفع، لأنّ بورقيبة هو كلّ ذلك فلا يجب أن نحمّله كلّ شيء وننفي عنه أي انجاز لصالح البلاد والعباد.
وبالتالي لابدّ من قراءة موضوعية للأحداث بعيدا عن الدمجة، و ذلك من أجل تمرير، للأجيال الصاعدة، الحقيقة كل الحقيقة و إعطائه الفرصة لإعمال العقل في ما حدث و ما انجز وما تمّ التقصير فيه في عهد بورقيبة…
وكل عام و تونس و شعبها بخير…والقادم أفضل إن شاء الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى