صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب/ عملية طوفان الأقصى: الاصطفاف العالمي والمثقف الوظيفي..

slama
كتب: نوفل سلامة

بعد مضي أكثر من شهر على عملية طوفان الأقصى التي قامت بها كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس الإسلامية وما تلاها من ردة فعل دولة الاحتلال الصهيوني التي وُصفت بـ ‘المتخبطة’ وتسببت في ارتكاب مجازر فظيعة بحق الشعب الفلسطيني وجرائم إبادة جماعية غير مسبوقة…

جرائم تمت أمام سكوت وتواطؤ من الأنظمة العربية وإسناد عسكري أمريكي مباشر ودعم سياسي لا مشروط من الغرب الأطلسي الذي فقد كل قيمه ومبادئه ومؤسساته وحداثته وأنواره وفكره ومنظومة العولمة التي جاء بها لإقامة العدل العالمي ونشر المساواة بين الشعوب واحترام حقوق الإنسان وتركيز الحريات للجميع دون تمييز و إقرار نظام عالمي عادل…

تدمير كلي!

بعد أكثر من شهر على التدمير الكلي للمباني والمدارس والمستشفيات والبنية التحتية لمدينة غزة على يد الآلة الحربية الإسرائيلية في ظل صمت الحكومات الغربية وذهول الضمير العالمي الذي فقد بوصلته ونماذج إرشاده أمام المجازر اليومية التي ترتكب، بدأ بعض المحسوبين على النخبة المثقفة في تربتنا يطرح أسئلة حول جدوى عملية طوفان الأقصى في علاقة بالنتائج الحاصلة إلى حد الآن على أرض الميدان…

خطوة محسوبة أم مغامرة عدمية؟

وأسئلة أخرى حول أهمية ما قامت به المقاومة وهل أن ما أقدمت عليه هو خطوة مدروسة ومحسوبة في علاقة بالنتائج والمآلات أم أنها لا تعدو أن تكون مجرد مغامرة عدمية سوف يكون لها نتائج وخيمة وكلفة باهظة على الشعب الفلسطيني وقضيته؟
وبدأ البعض الآخر يطرح أسئلة محيرة ما كان لمثقف عربي ينتمي إلى هذه الأمة أن يطرحها من قبيل هل كان لزاما على المقاومة الفلسطينية أن تُقدم على ما أقدمت عليه يوم 7 أكتوبر وأن تنفذ كتائب القسام عملية طوفان الأقصى وتستهدف الكيان المحتل في عمق الأراضي التي اغتصبها وافتكها من أصحابها الأصليين وتتجرأ على قتل جنوده وأسر البعض منهم والدخول إلى المستوطنات لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي وإجبار من كان بها على مغادرتها والتحول إلى العيش في مخيمات؟

هل قرأت المقاومة رد الفعل؟

فهل كنا نتوقع بعد كل ذلك ردا إسرائيليا مغايرا لما قامت به قوى الاحتلال؟ وهل كنا ننتظر تصرفا مختلفا عما تقوم به الآلة الحربية العبرية في قطاع غزة وقد تعرض كيانها إلى تحد كبير لم يحصل له منذ قيامه منذ أكثر من سبعين سنة؟
وهل قدرت حماس التوازنات الإقليمية والعالمية وقرأت جيدا الوضع العربي غير الداعم للقضية ؟ وهل قدرت المقاومة موازين القوى الذي ليس في صالحها حتى تقدم على عملية بذلك الحجم من الخسائر التي تكبدها العدو الإسرائيلي خاصة وأن القوى العسكرية غير متكافئة بالمرة؟
ويزيد البعض الآخر في هذه النظرة النقدية ‘الخبيثة’ في تحويل مركز الاهتمام من دعم المقاومة والتركيز على الوقوف إلى جانبها في هذه المحنة التي يمر بها الشعب الفلسطيني إلى فتح باب المساءلة ونقد تصرف المقاومة ومحاسبتها لتحميلها المسؤولية فيما يحصُل من تدمير لغزة واعتبار أن مثل هذا الحديث وهذه المساءلة هو وقتها اليوم وأمر مطلوب والآلة الحربية للكيان الصهيوني المحتل تفعل فعلها في ارتكاب المجازر والجرائم، وأعمال قتل، والتدمير والتهجير…
فماذا حققت المقاومة؟ وهل حررت الأرض وأجبرت العدو على التراجع أو الاعتراف بالحق الفلسطيني في أن يكون لفلسطين وشعبها كيان سياسي ودولة مستقلة؟

نُخبة متخاذلة؟

هذا الخطاب الذي بدأنا نسمعه اليوم من جانب من النخبة العربية الصامتة المتخاذلة عن نصرة المقاومة في فلسطين والتي تدعي انتماءها إلى عصر الحداثة وفكر الأنوار الأوروبيين يحيلنا على إحدى النتائج المباشرة لعملية طوفان الأقصى من حيث أنها قد أحدثت صدمة معرفية كبرى بخصوص كل ما أنجزه الغرب من معرفة وفكر و قيم ومبادئ سوقها للعالم وروجها على أنها أفضل ما وصل إليه العقل الغربي في حاضره لتحقيق الأمن والسلم بين الجميع وهزة في العقل والفكر الإنساني كشفت عن نفاق معارف هذا الغرب وعجزه عن الوفاء بكل ما بشر به و فضحت حقيقة وجهه القبيح وحدود منظوماته واهتزاز معارفه ونظرياته وتفكك مؤسساته لحقوق الإنسان وديمقراطيته المتلونة وحرياته المزيفة لنستعيد الصورة الحقيقة عن أوروبا وأمريكا وتاريخهما المظلم الذي تم تغييبه و الذي تأسس على إبادة الكثير من الشعوب وقام على نهب خيرات الأمم واستعباد البشر واستعمار الأوطان وافتكاكها من أصحابها.
وكشف عن حقيقة الكثير من النخبة العربية المرتبطة ارتباط العبد بسيده ووفائه لمنظوماته الفكرية، وجهاز مفاهيمه ،ومقارباته للفهم والتفسير.

المثقف الوظيفي

قيمة حرب غزة أنها انتجت اصطفافا بين عالمين وأوضحت فرزا بين عقلين ومفاصلة بين نوعين من المثقفين وكشفت عن حقيقة ما يسميه الدكتور عبد الوهاب المسيري بالمثقف الوظيفي الذي يدافع عن مصالح الغرب وهو مستميت في الدفاع عن فكره ومتبن لقيمه ورؤيته للعالم وللإنسان لقد أنتجت عملية طوفان الأقصى فرزا ومفاصلة معرفية وفكرية وتمييزا بين نوعين من المثقفين…
وفضحت النخبة الملتصقة مع فكر المركزية الأوروبية وهي نخبة خادمة لمشروعه الفكري والمجتمعي ومدافعة عن رؤيته للصراع العربي الإسرائيلي. لقد فضحت حرب غزة الدور الذي يضطلع به جزء من النخبة العربية مع كل تحول تمر به منطقتنا فبدل أن تصوغ هذه النخبة الأسئلة المركزية حول الصراع العربي الإسرائيلي وتطرح النقاش الذي تحتاجه اللحظة الراهنة وتحلل وتنتقد العقل الذي يحرك سلوك المركزية الأوروبية وفكرها الاستعماري في علاقة بأبناء بلدان الجنوب ونظرة الغرب المتفوق إلى غيره من شعوب الكرة الأرضية وخاصة الشعوب العربية والمسلمة، بدلا عن ذلك تخرج علينا بحديث هو مواصلة في دعم موقف المركزية الأوروبية وفكرها الاستعماري وتدافع عن رؤيتها لما يحدث في غزة وهي امتداد للرؤية الإسرائيلية الأوروبية الأمريكية للصراع وإعادة التفسير الغربي لعملية طوفان الأقصى العسكرية….

حقيقة الصراع

وهي سردية تغيّب عن قصد حقيقة الصراع وحقيقة التاريخ وحقيقة ما حدث وأسبابه الحقيقة وهي أن هناك شعبا يعيش لأكثر من سبعين سنة تحت الاحتلال الإسرائيلي وشعبا يعيش حصارا وترويعا وتقتيلا واعتقالات ومصادرة للأراضي وهناك أرضا مستلبة ومغتصبة وهناك احتلالا صهيونيا مدعوما من قوى مهيمنة ومسيطرة على كل مفاصل العالم وتحكم بمنظوماته التي تآكلت وانتهت صلاحيتها وأن هناك حركة مقاومة لهذا الاستعمار وشعب يناضل من أجل حقوقه و من حق أصحاب الأرض ان يدافعوا عن أرضهم ووجودهم بكل الطرق وأن يقاوموا الاحتلال باستعمال القوة والسلاح وكل الأساليب ومن حق الشعب المحتل أن يقرر لوحده متى وكيف تكون المقاومة ومن حقه وحده أن يقرر اللحظة التي يردع فيها محتله ولو كانت القوى مع العدو غير متكافئة وليس من حق من يجلس على اريكته في بيته وينام في راحة من البال ويؤدي في وظيفة لقوى الهيمنة والغطرسة أن ينظّر للمقاومة أو ينتقد جناحها المسلح.

اتجاهان ورؤيتان

لقد كشفت عملية طوفان الأقصى عن هذا الفرز وهذا الاصطفاف الموجود من قبل بين اتجاهين ورؤيتين للكيفية والطريقة التي يُدار بها العالم ، ولكن ما قامت به المقاومة أنها زادت و عمقت ورسخت ما كان موجودا وتناسته الذاكرة الجمعية للشعوب وما تشكل في حرب أوكرانيا وقبل ذلك في حرب العراق وما تأكد اليوم في حرب غزة من اهتزاز كل القيم والأفكار والمبادئ والنظريات والمعارف التي أنتجها هذا الغرب ونفاقه تجاه الشعوب التي تعيش خارج حدوده الجغرافية وعرت صورة المثقف العربي الوظيفي الذي يعرض خدماته للمشروع الغربي الاستعماري.
لقد كشفت حرب غزة الدور الخطير الذي يقوم به المثقف الوظيفي وخطورة هذا النوع من المثقفين الذين لا يزالون إلى اليوم في خدمة المركزية الأوروبية وعقلها المنافق ومعارفها العنصرية ونظرياتها المنحازة إلى كل من يشبهها وينتمي إليها.

نحتاج جيلا جديدا

لقد كشفت عملية طوفان الأقصى أننا نحتاج اليوم إلى جيل جديد من المثقفين ونخبة مختلفة وفئة مفكرة أخرى تكون أكثر التصاقا بأمتها ووطنها وقضاياها الحقيقية نخبة تنتج لنا بدائل ومشاريع فكرية نابعة من بيئتنا وتربتنا الأصلية لا تربة الأخرين وهمومهم التي لا تعكس همومنا.
تقول الدكتورة أمل قرامي في وصفها لحالة الطبقة المثقفة من الحداثيين وموقفهم مما يدور من صراع بين المقاومة الإسلامية في غزة وجيش الاحتلال الصهيوني ” قد يكون موقف أغلب الحداثيين مرتبطا بالتمركز الأوروبي والانغماس في الفكر الغربي الذي يقرن ما تقوم به حماس بالإسلام السياسي بل بالإسلام في المطلق ما يجعل إنجازات هذا الفصيل الإسلامي ـ في نظرهم ـ مدانة بكل المقاييس ولا تندرج في إطار رد الفعل على قهر تاريخي ضارب في العمق…
وهنا لا يكترث القوم بالضحايا المدنيين بل يكون سخطهم منصبا على حماس ومقاومتها المسلحة ومن دار في فلكها ولا نحسب أن التابع للإرث الكولونيالي يملك الوعي الكافي ولا الاستعداد الجدي ليحرر نفسه ويمارس النقد الذاتي ويفك الارتهان بما تجمع لديه من معرفة آن أوان مراجعتها بل القطع مع أسوأ ما قامت به’.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى