صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب: تجديد قيادة العالم نحو بناء نظام عالمي جديد

slama
كتب: نوفل سلامة

من الواضح اليوم أن العالم قد دخل مرحلة الفوضى وعصر الإرباك والارتباك وزمن العدمية واللامعنى، فكل ما يحصل ويجد ّمن أحداث يفيد بأننا سائرون في طريق إنتاج الغموض والحيرة من المستقبل في ظل توجهات سياسية وفكرية غيّرت كل شيء كنا نعتقد في ثباته وصحته…

وخاصة ما روّج له الغرب من أفكار وقيم ومثل ومبادئ قدمها للإنسانية على أنها أفضل ما وصل إليه العقل البشري وأفضل ما يصلح لقيادة الانسانية في راهنها.

تخبط كبير

اليوم أمام ما نشهده من تخبط في إدارة النزاعات والحروب وكل الأزمات والاضطرابات الاجتماعية التي انتشرت، وكل التفكك الذي يحصل في المنظومات التي تحكم النظام العالمي الحالي والتشكيك في مصداقيتها وهياكله التي فقدت حيادها وأفكاره وحقوقه ومعرفته التي لم تعد الشعوب تثق فيها وتقبل بها وخاصة شعوب بلدان الجنوب التي فرض عليها اتباع هذا النظام العالمي وعدم الخروج عليه…

اليوم ما نراه هو تفكك العالم القديم الذي تشكل بين الحربين وما رافقه من تصاعد مشاعر الغضب والتمرد على منظوماته التي تتحكم فيها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيون والتي اتضح أنها منحازة وغير محايدة ولم تعد تصلح لقيادة الإنسانية.

أفكار جديدة

اليوم هناك حديث متزايد في الوسط الفكري والعلمي ونقاش عالمي بعد أن تراجعت الأيديولوجيات القديمة وفقدت معناها ولم تعد ملهمة للحياة والمستقبل يدفع الانسانية لـ تتبنى أفكارا جديدة ومعرفة جديدة، وأساليب جديدة للفهم و للتفكير والتعبير وأن ننتج أدوات تحليل مختلفة عن الأدوات المستهلكة والانتقال إلى عالم جديد يقول عنه البعض أنه ضروري ولكنه لم يزل غير واضح ومعالمه لم تتشكل بعد وهو يقاوم من أجل الولادة، لكن من المؤكد أن البشرية لم تعد تقبل أن تبقى تحت قيادة النظام العالمي الحالي وهي سائرة لامحالة نحو عالم آخر أكثر عدلا وإنسانية وانصافا…

استفاقة ويقظة

من الواضح اليوم أن هناك إعلانا واضحا بدأ يفصح عن نفسه من جانب كبير من الشعوب شعاره البارز عدم القبول بإكراهات العالم الغربي المتفوق ولم تعد تقبل العيش وفق رؤاه وخياراته التي فرضها لـ تنظيم العالم ولم تعد تقبل أن تبقى تابعة له تستهلك ما ينتج وتلبس ما يصنع وتأكل ما يزرع..
اليوم هناك استفاقة ويقظة مهمة من شعوب عوالم بلدان الجنوب أن العالم يحتاج قيادة جديدة ومعها يحتاج إلى فكر جديد ونظام عالمي مختلف عن العالم الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية تقوده أمريكا بـ منظوماتها وهياكلها التي وضعتها وخاصة منظومتها الاقتصادية ومؤسساتها المالية النافذة والمتحكمة.
اليوم هناك وعي متزايد بضرورة تحويل مركز العالم من الغرب إلى جهة أخرى وتشكيل قيادات جدد تحتاجها البشرية في راهنيتها فكل الإرهاصات و المؤشرات تفيد أن العالم يسير نحو قيادة جديدة، بل يذهب بعض المنظرين إلى أنه من المفيد أن تعرف البشرية اليوم مسارا جديدا و تاريخا مختلفا.

ما شكل القيادة الجديدة؟

اليوم من الواضح أن العالم الحالي قد وصل إلى منتهاه ولم يعد يصلح للقيادة وانكشفت عوراته وهناته وأخطاءه وأن البشرية لم تعد راضية على طريقة إدارته لشؤونها، ولكن السؤال المشكل مع هذه القناعة في معرفة الجهة الجديدة التي سوف تتولى قيادة العالم؟ وما هي صفات القيادة الجديدة التي يفترض أن تكون صفاتها مختلفة هي الأخرى.
الإشكال في هذا التحليل الذي يبشر بنظام عالمي جديد وقيادة جديدة يحتاجها العالم وتنتظرها الإنسانية أن مساره يشهد صعوبات وكثير من المقاومة من طرف المنظومة العالمية الحالية والفاعلين فيها المؤيدين لها والذين يبذلون جهدا كبيرا من أجل الإبقاء عليها و تجديدها واصلاحها لضمان عدم سقوطها وخاصة منظومتها الفكرية والمعرفية والسياسية القائمة عليها والتي تسندها وتروج لها، لذلك فإن انهيار العالم الحالي يعني انهيار نظام العولمة المتحكم وما يتبعه من مؤسسات مختلفة وانهيار أنظمة حكمها وخاصة انهيار الديمقراطية الغربية التي بشّر بها الغرب على أنها أفضل ما وصل إليه العقل في الزمن الراهن لإدارة الاختلاف وضمان انتقال الحكم والسلطة بطريقة سلمية بعيدا عن التقاتل وقانون الغاب.

مساءلة

من المهم اليوم أن نبقى في هذا المستوى من التفكير ومن المهم كذلك أن ننتقل إلى فضاء آخر من الوعي والمعرفة والادراك وأن نبقى على هذه الروح النقدية لكل ما انجزه الغرب المتفوق وأن نسائله في كل منجزه الفكري والفلسفي والاقتصادي والعلمي الذي قدمه إلينا على أنه حقائق ثابتة لا نقاش حولها وثوابت راسخة ما على الإنسانية إلا اعتناقها وتطبيقها والعيش وفق مبادئها..
من المهم اليوم أن نبقى على هذا المستوى من كسر حاجز الخوف مع هذا الغرب وأن نحافظ على هذه الروح التي تشكلت في انتقاد منجز هذا الغرب المتفوق، وأن نُبقي على الروح المتمردة على وصاياه و تعليماته وأوامره وقراراته التي حوّلها إلى نُظم يحكمنا بها ونحكم بها أوطاننا وشعوبنا واليوم اتضح أنها فاقدة للإنسانية ومنحازة وغير عادلة وأن شعوبها الأصلية قد بدأت تتخلى عنها وتبحث لها عن حلول أخرى…

عالم قديم يتلاشى

إنه عالم قديم في طريقه الى التلاشي البطيء وعالم جديد في طريقه إلى التشكل ومعه نظام عالمي جديد بدأ يظهر والسؤال الكبير أين موقع العرب والمسلمين في هذا التشكل وهذه الولادة الجديدة؟ هل سنظل نراقب ونشاهد هذا التحول الكبير من دون أن نكون مؤثرين فيه أم أننا خيّرنا بإرادتنا أن ننصهر ونتعامل مع أي عالم يظهر ونظام عالمي يسيطر؟
الواضح أن عصر الأنبياء قد انتهى وعصر النبوءات والوحي قد انقطع والمهمة أوكلت للإنسان حتى يسطر مصيره بقدراته ومؤهلاته ومداركه وما ينجزه وأن العرب لن ينالهم من جديد شرف قيادة العالم من وراء نبي أو وحي ورسالة سماوية..
فالوحي والرسالة والنبوة التي جاءتهم يوما ما تطلب منهم أن يحافظوا على القوة والريادة والقيادة التي منحت إليهم يوما وجعلت منهم قادة العالم ولكنهم لم يحافظوا عليها…
لذلك فإنه من دون استحضار البدايات الأولى والمقدمات التي جعلت منهم في يوم ما قادة العالم فإنهم لن يستعيدوا هذه القيادة من جديد وسيبقون كما هم اليوم تٌبع أذلاء ضُعفاء..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى