صالون الصريح

الأمين الشابي يكتب: هل مازالت الأمم المتحدة قادرة على فرض السلم والأمن الدوليين؟

Amine Chebbi ce
كتب: الأمين الشابي

الحفاظ على السلم والأمن الدوليين وحماية حقوق الإنسان وتقديم المساعدات الإنسانية وتعزيز التنمية المستدامة، هذه هي أهم أدوار الأمم المتحدة، بمختلف هياكلها، منذ نشأتها سنة 1945.

ولكن السؤال هنا يقول، هل هذا المنتظم الأممي مازال قادرا، منذ انشائه، على القيام بهذا الدّور؟ وهل نجح ولو مرّة في فرض السلم والأمن الدوليين؟ وهل تركيبته على الشكل الحالي يخوّل له القيام بهذا الدور؟ وهل الواقع أثبت نجاحه أم فشله؟
هل إعادة هيكلته أضحت ضرورة حتمية وممكنة، خاصّة، أمام استكبار بعض الدول المتمتعة بحق النقض ‘الفيتو’ على هذا الهيكل الأممي وتمردها عليه من أجل الحفاظ على مصالحها عبر حماية بعض الدول المارقة؟

كلّ هذه الأسئلة الحارقة سنحاول الإجابة عنها ضمن الورقة، وذلك بالاعتماد على الواقع المرير الذي يعيشه هذا المنتظم الأمم في ظلّ عجزه التام للتدخل وإيقاف المجزرة و الإبادة الجماعية التي يقوم بها الكيان الصهيوني في حق الفلسطينيين، وذلك بمباركة و مساعدة غربية مطلقة خاصة من قبل الإدارة الأمريكية التّي لا تتورّع في قلب الحقائق عبر تبنيها أوّلا السردية الصهيونية الكاذبة ومن أجل الحفاظ على مصالحها في المنطقة ثانيا… بل في ظل نيل وزير الدفاع الصهيوني من رئيس المنتظم الأممي.

المنتظم الأممي عبر التاريخ

بالرغم من نجاح المنتظم الأممي في حفظ السلم والأمن الدوليين، منذ تاريخ احداثه، عبر تسوية بعض النزاعات بالطرق السلمية وتنمية العلاقات بين الدول وتعزيز احترام حقوق الانسان، ومساهمته في حل بعض القضايا المرتبطة بالسلم العالمي على غرار تصفية الاستعمار وتعزيز حقوق الانسان بين الشعوب وتقديم المساعدات الدولية لبعض الدول الفقيرة. وأيضا عبر تقديم الإغاثة الدولية في حالات الكوارث الطبيعية أو غيرها. إلاّ أنّه وكما أسلفنا، فإن مجلس الأمن، وهو أحد هياكل الأمم المتحدة، الموكول له فض النزاعات المسلحة بين الدول، والذي يضطلع، بموجب أحكام ميثاق الأمم المتحدة بمهمة أساسية، وهي حفظ السلام والأمن الدوليين، فإنّه في حالات كثيرة، بقي عاجزا عن فض الكثير من النزاعات المسلحة بحكم الاستعمال المفرط لحق النّقض. بالرغم من أنّه يتمتع بصلاحيات واسعة تسمح له باللجوء إلى استعمال القوّة.
ولكن على أرض الواقع يصطدم بعراقيل تحول دون تنفيذ مهامه. بل أحيانا كثيرة أصبح استعمال القوّة تفرضه جهات فاعله بالمجلس بعيدا عن كلّ شرعية أو موضوعية. وكم من دول ذهبت ضحية هذا الاستعمال الخاطئ للقوّة، نتيجة هيمنة بعض الدول على هذا المجلس حتى لا نقول عربدتها بداخله.

أهم أسباب فشل الأمم المتحدة

في نظرنا المتواضع، فإن أهم أسباب فشل هذا المنتظم الأممي و خاصة على مستوى مجلس الأمن، يتمثل خصوصا في الاستعمال المفرط و في غير موقعه لحق النقض من قبل الدول الخمسة المتمتعة بهذا الحق (الفيتو)..
وقد نصيب إن قلنا، خاصة في استعماله من قبل الإدارة الأمريكية إذا ما تعلّق الأمر بـ ‘الربيبة’ إسرائيل. وهذا يدفعنا للقول بأنّه حان الوقت، لوضع آليات جديدة لدعم عمل هذا المجلس مع مراعاة أحكام الميثاق والشرعية الدولية وبالتالي إعادة النّظر في تركيبته وتوسيع حق الفيتو من أجل اشراك أوسع لأعضاء الأسرة الدولية بما يستجيب لواقع وتطور المجتمع الدولي من أجل تحقيق السلم والأمن الدوليين. بل لم لا يتمّ أصلا الغاء حق ( الفيتو ) و الاعتماد على حق الأغلبية من أعضاء المجلس عند التصويت لفائدة مشروع قرار يتعلق بالسلم و الأمن الدوليين؟ وبطريقة شفافة وليست سرّية، حتى تكون كلّ المواقف بالمكشوف، بعيدا عن شراء الذمم والتلاعبات أو التهديد المبطن لبعض الدول التي تعبّر على رأيها بكل موضوعية وحيادية و سيادية.

وقد نضيف أنّه توجد أوّلا، أسباب ذاتية لهذا الفشل ترجع بالأساس إلى طبيعة تكوين الأمم المتحدة ذاتها و هياكلها و نظام عملها. حيث تمتعت بعض الدول بحق الفيتو بحكم انتصارها في الحرب العالمية الثانية. و أيضا قيامها (هياكل الأمم المتحدة ) على أسس غير ديمقراطية.
وثانيا ازدواجية التعامل مع بعض القضايا على غرار قضايا أسلحة الدمار الشامل ( اسرائيل و ايران كمثال )، الأولى يغض عنها الطرف، في حين أنّ الثانية ( ايران ) الغرب كلّه وعلى رأسه أمريكا يضع نصب عينيه هذا الملف و يغمض عينه تماما على ترسانة الدمار الشامل التي تملكها إسرائيل؟

ما يجري بفلسطين أسقط كلّ الأقنعة

ألا يكفي من الدماء التي سالت ضمن ما اصطلح على تسميته “غربيا ” بالربيع العربي، حتى يتواصل نفس المشروع الجهنمي بالقضاء على آخر نفس في المقاومة العربية. و ما يجري اليوم بفلسطين ( في قطاع غزة و الضفة الغربية ) إلاّ فصل من فصول هذا المشروع، فهو في ظاهره القضاء على حركة حماس التي أصابت الكيان الصهيوني في مقتل و أوجعته ذات 7 أكتوبر…ولكن في باطنه احتلال قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين منه؟ فالفلسطينيون، الذين تمسكوا بتحقيق استقلال دولتهم عبر مقارعة المستعمر الصهيوني الغاصب، أصبحوا في نظر هذا المجتمع الغربي – للأسف – إرهابيين بل وتمّت شيطنة المقاومة وللمفارقة، تمّ تبييض هذا الإرهاب الصهيوني الغاصب؟

ازدواجية المعايير

وهذا يجرنا للحديث عن مدى ازدواجية المعايير لدى هذا الغرب – الذي يدّعي العدالة و الحرية و الديمقراطية و نصرة الشعوب المظلومة – هذا الغرب الذي يرى فيما يجرى بين روسيا و أكرانيا، بكونها حربا ظالمة و اعتداء على سيادة دولة أوكرانيا..؟ بل – ودعنا نقولها بكل وضوح – وأنّ بعض الدول العربية، سوّت بين القاتل الصهيوني والمقتول الفلسطيني و تماهت مع سردية الغرب الذي سوى بين الضحية والجلاد.

لكن والأكيد رغم كلّ هذا الظلم الصهيوني والدّعم الغربي له، وتماهي بعض الدول العربية مع المشروع الصهيو ـ أمريكي، فإنّ انتصار المقاومة في فلسطين سيؤسس لـ جغرافيا جديدة في كل المنطقة، وهذا ما أدركته بعض الشعوب الحرّة في العالم والذي كان صوتها مدويّا وعاليا وحاسما ضدّ الكيان الصهيوني وجرائمه وذلك خلافا للموقف الرسمي العربي الضعيف حتى لا نقول المتخاذل مع القضية الفلسطينية عموما. بل نقول وأنّ هذا الذي يحدث، يتّم في ظل عجز صارخ لهياكل الأمم المتحدة وخاصة مجلس الأمن منه، الذي فقد دوره في ظل وجود حق النّقض.

كلمة أخيرة

في آخر الكلام نقول، وأنّه بالرغم من دوي الصواريخ وقنابل الطائرات على قطاع غزة، وما تحدثه من هدم وقتل في كلّ أناء فلسطين. وبالرغم من قدرة قادة الدول الغربية، وفي مقدمتهم أمريكا، على خنق غزّة وفلسطين عموما، فإنّ كل البشائر تؤكد وأنّ النّصر على الطغاة آت ولا ريب فيه، مهما كان الوجع ومهما كان العناء ومهما كان الثمن.
لسبب بسيط وواضح، بل ويدركه حتى أعداء الحرية والمحتلون، بأنّه شتّان بين من يدافع عن قضية عادلة ويؤمن بعدالتها، وبين جيش مدجج بالسلاح ويختبئ وراء المدرعات و يتملكه الخوف والجبن، وذلك بالرغم أيضا من وجود هياكل الأمم المتحدة في أوج هوانها والتي تتطلب تغييرا جذريا للقيام بدورها خاصة في حفظ السلم والأمن الدوليين في العالم، وذلك حتّى لا نضطر لوضع سؤال مركزي مفاده، هل مازالت الأمم المتحدة قادرة على فرض السلم والأمن الدوليين؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى