صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب: أي خيارات للثورة في ظل واقع صعب وبائس؟

nawfel-slama
كتب: نوفل سلامة

مازال سؤال الثورة مطروحا ومازالت أسئلتها القلقة والحرجة تفرض إعادة النظر والتأمل والتفكير في مساراتها ومآلاتها، ومن هذه الأسئلة الهاجس سؤال التقييم وسؤال المنجز وسؤال المنعرجات…

أسباب الفشل؟

وفي هذا المستوى من التفكير فإن الدارسين قد اعتادوا حينما يتولون تقييم الثورات ومراجعة منجزها والوقوف عند أسباب فشلها يقدمون جملة من التفسيرات والمبررات تتمثل بالأساس في العامل الخارجي والتدخل الأجنبي والدور الخطير للآخر المعادي للثورة في إفشالها كما يتم الحديث عن ضعف النخب السياسية المحلية التي تكفلت بقيادة الثورة غير أنها لم تنجح في تحقيق الأهداف التي قامت عليها.

سياقات ومناخات

اللافت في هذا التحليل أنه يُغفل الذكر عن السياقات التي حكمت الثورات ويتجاهل المناخات التي مثلت الأرضية التي تتحرك فيها، وتتغاضى عن حقيقة الواقع الذي أنتجها وهو واقع متسم بكثرة العراقيل والمطبات والمصاعب والاكراهات…
وقيمة هذا التحليل فيما ينبه إليه عند البحث في الخيارات الممكنة للثورة والامكانيات المتاحة لإنجاحها إلى أهمية عامل سياقات الثورات ومناخاتها المحكومة بدوائر متعددة نافذة مرتبطة بالوضع القديم والدفاع عن المنظومة التي أزاحتها الثورة، وتعمل على استعادة قوتها بكل الطرق والأشكال.

أين الخطأ؟

قيمة الحديث عن مراعاة السياقات والمناخات والواقع المادي الذي تتحرك فيه الثورة فيما ينتج من تحليل لصياغة حكم موضوعي عليها والتأكيد على أن الثورة ما كان لها أن تنجح في واقع صعب وفي مناخات لا توفر سبل النجاح وسياقات مؤدية إلى الفشل.
فهل توفرت للثورة خيارات غير الخيار الذي سارت عليه؟ وهل أتيحت لها إمكانيات أخرى للتغلب على كل صعوبات البناء والتأسيس الجديد؟ وهل كان الخطأ فيما من تولى قيادتها؟
كل الثورات التي حصلت عبر التاريخ الطويل تقاس بمضمونها الاقتصادي والاجتماعي قبل مضمونها السياسي وتختبر ويحكم لها أو عليها بمدى نجاحها في تطوير واقع الناس وحال من قام بها، وهذا يعني أن نجاح الثورات يُقاس بمدى نجاح منجزها الاجتماعي رغم قيمة وأهمية المنجز السياسي المتمثل في تغيير منظومة الحكم وإنهاء وضع الاستبداد.. نجاح الثورات متوقف على مدى قدرتها على تغيير النمط الاقتصادي وتغيير صورة المجتمع وطرق خلق الثروة وعدالة توزيعها..

تغيير شامل

تقاس نجاح الثورات بمدى قدرتها على تغيير قواعد اللعبة الاقتصادية وتغيير منظومة القيّم التي تحكم العلاقات وقدرتها على تغيير واقع الاستغلال، وقدرتها على التخلص من القيم الزائفة التي حكمت مرحلة ما قبل الثورة والتحرر من كل أشكال الهيمنة والتبعية والتحرر من مواصلة تبني القيم العالمية المغشوشة المكرسة التي تنتجها التشكيلات السياسية من أحزاب وجمعيات المجتمع المدني ومنظمات وطنية تروّج لهذه القيم من قبيل منظومة حقوق الإنسان الكونية ومنظومة العولمة وقواعدها وكل الفكر الليبرالي القائم على الحرية والتحرر …
وهي كلها قيم اتضح اليوم أنها على أرض الواقع وبعد عملية طوفان الأقصى وما نتج عنها من تدمير مدينة غزة وقتل شعبها وفي علاقة بالإنسان العربي والمسلم وسكان الجنوب مجرد شعارات براقة ومفاهيم مبتورة .. تقاس الثورات بقدرتها على التخلص من واقع الاستعمار الاقتصادي الجديد وقدرتها على فك كل ارتباط مع روابط الهيمنة الكولونيالية.

شبكات الهيمنة واللوبيات

تقاس الثورات بمدى قدرتها على التخلص من شبكات الهيمنة الداخلية ومن كل اللوبيات وقوى النفوذ المالي والاقتصادي الناشطة في مجال السوق الموازية والتجارة التحتية، وخارج نطاق رقابة الدولة ومسالكها القانونية وقدرتها على التخلص من كل منظومة الريع الاقتصادي الواقعة تحت سيطرة عدد من العائلات المتصاهرة، والتي يجمع بينها مصالح مالية وتجارية وهي تتحكم في الكثير من الأنشطة الاقتصادية والتجارية وتستغلها لـ خاصة نفسها وتستفيد من تغلغلها في منظومة الإنتاج والتسويق والبيع وما تلقاه من تسهيلات إدارية وقانونية، وهي شبكات نفوذ مغلقة ومتضامنة ومؤثرة ومتحكمة.

مآزق كبرى

ثورات هذه حالها وهذا واقعها فإنها لا محالة تعرف مآزق كبرى قد تنتهي بها إلى الفشل وظهور مشاعر الغضب عند من قام بها وخيبة أمل تجاه من تسلم قيادتها ووعد بتحقيق مسارها وأهدافها .. ثورات يحكمها اقتصاد تتحكم فيه قوى داخلية لها ارتباطات بقوى الهيمنة العالمية وجسور مع قوى الاستعمار الجديد فماذا ينتظر لها من رهانات ؟ ثورات متحكم في مقدرات شعوبها ويحدد لها الآخر خياراتها السياسية والاقتصادية ويضبط لها مسارها ونمط عيش أفرادها ويحدد الأجنبي ماذا تستهلك وماذا تنتج وماذا تأكل وكيف تعيش، ثورات يضبط لها الآخر خيارات لا شعبية وتوجهات لا وطنية تكرس تبعية متواصلة فماذا يكون مصيرها؟ وماذا يكون مآلها ومستقبلها؟

أسئلة حارقة

ثورات مثقلة بكل هذه الأسئلة الحارقة كيف يمكن لها أن تتخلص من واقع التبعية والهيمنة للغير وكيف يمكن للدولة أن تسترد قرارها المسلوب والمتحكم فيه وتسترجع صورة الدولة الخادمة لشعبها وصورة دورها الاجتماعي؟
ثورات تجد صعوبة في بناء نموذجها الديمقراطي من دون تدخل خارجي وصعوبة في بناء وطنها المستقل وفق خصوصيتها وهويتها وإرادتها الحرة من دون إملاءات ولا اشتراطات من قوى الهيمنة العالمية هي ثورات تحتاج إلى قيادة وطنية قوية ونخبة سياسية وثقافية واقتصادية متجانسة لها رؤية واستراتيجية ومشروع نهضوي ومشروع إصلاح وطني جامع يكون في خدمة الشعب ورؤية بأبعادها التربوية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية تكون نابعة من الإرادة الوطنية وتخدم حاجيات وطموحات الأفراد وتكرس المناعة و والاستقلالية وتضمن التفوق والريادة وإعادة الاعتبار للذات المسلوبة.
ومن دون قيادة قوية ووطنية مؤمنة بأننا نخوض معركة كبرى متعددة الواجهات مع قوى الهيمنة المحلية و مراكز النفوذ العالمية الظالمة المنحازة إلى مصالحها ومصالح أحلافها، فإن الثورة لا يمكن لها أن تنجح ولا يمكن أن تثمر واقعا أفضل من واقع الاستبداد والديكتاتورية…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى