صالون الصريح

الأمين الشابي يكتب: عن أيّ ‘أوسلو’ وعن أيّ سلطة فلسطينية تتحدثون..؟

Amine Chebbi
كتب: الأمين الشابي

ما يجري الآن بفلسطين عموما، سواء بقطاع غزة أو الضفة الغربية يرجعنا إلى سنة 1993 ويحيلنا تحديدا على الاتفاقية المعروفة رسميا باسم “إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي ” بفلسطين و هو ما يعرف اختصارا بـ اتفاقية ‘أوسلو’ التي وقعتها في 13 سبتمبر 1993 كل من إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، بعد محادثات سرية انطلقت منذ 1991 في عهد الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون.

اتفاقية أوسلو وما جناه الفلسطينيون منها

هذه الاتفاقية ترتبت عنها التزامات على الجانبين، و لعلّ أهمها أوّلا، التزام منظمة التحرير الفلسطينية بحق دولة اسرائيل في العيش في سلام و أمن و الوصول إلى حل لكل القضايا الأساسية من خلال المفاوضات، وهي القدس واللاجئون والمستوطنات والترتيبات الأمنية والحدود والعلاقات والتعاون مع جيران آخرين. على أن تدين كل المنظمة استخدام الإرهاب وأعمال العنف الأخرى. أمّا على الجانب الإسرائيلي، ثانيا، الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني و بدء المفاوضات معها. مع الإشارة و أنّ هذه الاتفاقية مثلها من الجانب الفلسطيني الزعيم الراحل ياسر عرفات و من الجانب الإسرائيلي، رئيس الوزراء إسحاق رابين و ذلك في عهد الرئيس الأمريكي بيل كلينتون.

قتل وتعذيب وتدنيس

و لكن كلّ ما جناه الفلسطينيون، منذ التوقيع على اتفاقية ” أوسلو” هو ما يجري بفسطين، لا منذ، 7 أكتوبر 2023، بل منذ أكثر من سبعة عقود من عمليات القتل اليومية و العنف و الترحيل القسري و السجن على الهوية و الاجتياحات اليومية وتدنيس المقدسات و خاصة الحرب الشعواء و المدمرة التي يشنها اليوم الكيان الصهيوني على قطاع غزّة، و التي طالت حوالي 30 ألف شهيد و حوالي 60 ألف جريح وهدم ما يزيد من 60 بالمئة من البيوت الفلسطينية فضلا عن البنى التحتية وهدم المدارس و المساجد و الكنائس و المستشفيات و مقرات المنظمات الإغاثية و الصحية و التعليمية غيرها و كلّ ما يمت بالحياة؟
فهل بعد هذا مازال الحديث نافعا عن اتفاقية ” أسلو “؟ ومن يتشدق بها اليوم هل يعي و أنّه يغرّد وراء السّرب؟

“الأوسلو” أضحت في خبر كان

في اعتقادنا المتواضع، إن ما جلبته اتفاقية ” أوسلو” هو لجم الفلسطينيين عن أي تحرّك ضدّ الاحتلال و عن أي مطالبة بحقوقهم الشرعية، في دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة. بل هذه الاتفاقية قيّدت السلطة الفلسطينية بالالتزام بحراسة وأمن فلسطين.
في حين أطلقت هذه الاتفاقية اليد الطويلة لإسرائيل في أن تعربد في كامل الضفة الغربية و قطاع غزة، متى أرادت و متى شاءت فضلا عن انتشار المستوطنات في الضفة الغربية مما لم يبق لفائدة الفلسطينيين – على أساس هذه الاتفاقية – إلا مساحة لا تتجاوز 22 بالمئة من جملة مساحة فلسطين التاريخية ( و قد تكون هذه المساحة قد تقلصت إلى دون ذلك اليوم ). والأحداث كثيرة و لا تخفى على أحد حول ما ارتكبته إسرائيل في حق الفلسطينيين منذ توقيع تلك الاتفاقية سنة 1993 بل و حتى قبل ذلك التاريخ.

كفى وهما!

المفروض اليوم عدم المراهنة، لا على هذه الاتفاقية المشؤومة، و لا على أمريكا، و هي التي و منذ 30 سنة على تاريخ هذه الاتفاقية، تقف إلى جانب الكيان الصهيوني بل و إلى اليوم مازالت تؤيد هذا الكيان و تدعمه عتادا و مالا و استخباراتيا ولوجستيا. فاتفاقية أوسلو انتهت وماتت منذ أن داست إسرائيل على كلّ التزاماتها الموقعة عليها في إطار هذه الاتفاقية.
ويكفي اليوم من الوهم، فبهذه الاتفاقية قيدتم الدول العربية و رفعتم عنهم العبء، و هي التي كانت تشعر بالحرج باعتبار وجود هذه الاتفاقية، وبصرف النظر عما يقع الآن في قطاع غزة، و بدون الخوض في أسبابه و مسبباته، فالفرصة اليوم مواتية للانخراط في العمل المجدي و الصحيح لتحرير فلسطين من هذا الكيان الاخطبوط ، و ذلك عبر المقاومة و لا غير المقاومة. فلا التفاوض نفع، و لا الديبلوماسية نفعت و لا غير ذلك. و أمّا التشدق بقولكم و أن الكيان يخالف الشرعية الدولية فهو منذ نشوئه هو خارج الشرعية. بل دعونا نقولها صراحة، فالسلطة الفلسطينية، هي التي مكنته من امتلاك هذه الشرعية. إسرائيل استغلت فرصة اتفاقية أوسلو و توسعت كما شاءت، و هي اليوم تكمل مشروعها التوسعي مستغلة ما أقدمت عليه المقاومة من اجتياح الكيان ذات يوم 7 أكتوبر، لترفع اسرائيل وتيرة تحقيق هدفها المتمثل في إرساء إسرائيل الكبرى.
وهي الآن تصرح صباحا مساء بأنها لا تقبل لا بفتح ستان و لا غزستان.. و بالتالي من الوهم أن تتحدث السلطة اليوم عن دولة فلسطينية قادمة في إطار هذه الاتفاقية. انظروا عدد المستوطنات، انظروا السجون الإسرائيلية كيف تعج بالفلسطينيين، انظروا عدد الشهداء اليوم الذي يحوم حول 30 ألف شهيد و عدد الجرحى الذي تجاوز 60 ألف جريح، فضلا عن دكّ القطاع على بكرة أبيه لتفهموا و أن إسرائيل لا تفكر لا في دولة فلسطينية و لا في حلّ عادل حسب الوهم العربي و تحديدا الوهم الذي تسبح فيه السلطة الفلسطينية الحالية.

الحل الوحيد و المتاح

الحل الوحيد المتاح الآن هو حلّ السلطة الفلسطينية نفسها بنفسها و بالتالي الالتحاق بالمقاومة الفلسطينية باعتبار و أن فلسطين دولة محتلة، عليها مقاومة المستعمر أولا و أخيرا. فإسرائيل لا تحترم، لا السلطة ولا المقاومة والإنسان الفلسطيني ولا الحجر ولا البشر و لا الأعراف الدولية. فهي دولة مارقة، أسست على الدماء و لا و لن تعطي شيئا إلا بالقوة، فتلك اللغة الوحيدة التي تفهمها. فلابدّ من أن يتحول الكل إلى مقاومين في وجه الكيان الغاصب.
ويكفي لعب دور الحارس لأمن إسرائيل، و المحافظة على المصالح الأمريكية بالمنطقة. و يكفي تصديقا لاسطوانة أمريكا المشروخة، و التي مفادها الحديث عن إنشاء دولتين واحدة فلسطينية و أخرى إسرائيلية، تعيشان جنبا إلى جنب…فكل هذا الكلام يعاد منذ 30 سنة أي منذ هذه الاتفاقية المشؤومة التي خدمت المحت. و لم تخدم أصحاب الأرض. فاليوم يوم فارق، أمّا أن تكون دولة فلسطينية أو لا تكون؟
أمّا المراهنة على الولايات المتحدة، الحليف القوي لهذا الكيان، فهو وهم و ما وراءه وهم.. الطريق القويم في نظرنا هو الالتحام و الانخراط في مقاومة هذا العدو الموحد للجميع.. فإلى متى أنتم تصدقون افتراء أمريكا و كلّ الدلائل تثبت أنّها السند الكبير لهذا الكيان المحتل…يكفي أضغاث الأحلام… اليوم المناسبة متاحة لمقارعة هذا العدو موحدين .. يكفي فرقة.. يكفي صمتا.. انتبهوا، فقد لا تتوفر هذه الفرصة مرّة أخرى.. ليكون الدور القادم بعد غزة على الضفة الغربية. و قد بدأ هذا الدور بعد.. ؟ فالعدو يتحرك حسب مخططاته، فلا تستهينوا به؟

كلمة أخيرة

باختصار الفرصة اليوم سانحة لانتهاز ما يجري اليوم على الساحة الفلسطينية ويعلنها الشعب الفلسطيني ثورة مسلحة عامة بالضفة وبغزة وبكل فلسطين حتى يسترجع ما اغتصبه الكيان المجرم المحتل عبر مثل هذه الاتفاقيات المشؤومة و المفاوضات العبثية و الديبلوماسية الكاذبة و تحيز الغرب لهذا الكيان؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى