صالون الصريح

محمد الحبيب السلامي يحب أن يفهم/ أعلام عاشوا في صفاقس ثم ودعوا: عثمان الكراي

sallami
كتب: محمد الحبيب السلامي

عثمان الكراي…هو الذي ولد بصفاقس، ولد من عائلة الكراي التي اشتهرت في صفاقس بعدد من الأولياء الصالحين، ومنهم سيدي علي الكراي بوبغيلةً، ومنهم سيدي بلحسن الكراي الخموسي…

هو ولد وتعلم وتثقف واختار أن يدخل سوق العقبةً، وسوق العقبة يسمى اليوم سوق ‘البلاغجية’ الذي هو فرع من نهج الباي، المسمى اليوم نهج المنجي سليم…وسُمي سوق العقبة من اسم الحذاء بلا عقب، وسمي بلاغجية لأن فيه تصنع البلغة، والبلغةً حذاء أصفر يصنع من جلد المعز …

دخل عثمان سوق البلاغجية، ولعل والده هو الذي وجهه للبلاغجيةً حتى يكون ذكيا فقد قيل في الأمثال الشعبية (ًإذا ولدك نية دخلوا للبلاغجية) فهذه الصناعة تربي صاحبها على الفطنة والحنكة…وصاحبنا عثمان الكراي عرفته في صغري وهو يجلس في باب دكانه يصنع…ويستقبل كل زبون بأدب وترحيب….

هو في دكانه يصنع البلغة ويصنع للمرأة حذاءها الأسود من جلد المعز بدون عقب، ويصنع لها الدماق بعقب عال، كما يصنع للأطفال الصندال، وللرجال كنترة بعقب أو بغير عقب، ويصنع الصباط….

وفي الأمثال الشعبية قالوا (إللي صباطو قد صباطك رد بالك خلاطو) وعن البخيل الذي ببخله يمشي حافيا ويقول (في الساق ولا في الصباط)…عرفت صاحبنا عثمان الكراي وهو في سوق البلاغجية، يصنع الحذاء لمن يطلبه، فالحريف الصغير أو الكبير يضع له البلاغجي ورقة على الأرض، والحريف يضع ساقه حافيا عليها…
والبلاغجي يدير قلم الرصاص عليها ليضع للحريف حذاء حسب طلبه وقياس رجله…عرفت صاحبنا عثمان في سوق البلاغجية وكل البلاغجية لا يصنعون أحذية ويعرضونها في الدكان للبيع…
ثمّ عرفته لما صار أصحاب الصنعة ينتجون الأحذية ألوانا وأنواعا ويعرضونها للبيع، والسبب أن الصناعة تطورت…فمن طورها؟

صناعة الأحذية

كان عثمان وأمثاله يخيطون عقب الصباط بخيط، والخيط يوضع في مخيط، والمخيط لا يدخل في عقب صلب من الجلد إلا إذا ثقبه بمثقاب خاص يسمى (الإشفة )…هنا كانت الصناعة صعبة، وإنتاجها بطيء…وليصبح الصعب سهلا يحتاج إلى صاحب صنعة ذكي …
صاحبنا عثمان ظهر بفطنته وذكائه استورد من أوروبا ماكينة تخيط عقب الحذاء بسرعةً، وتنتج في الساعة الواحدة أحذية، وصار الصبابطية في السوق حرفاءه…ومنهم بن جديدية والسيالة…
وسجل بذلك شرف السبق، وصار ت دكاكين السوق للعرض والبيع …
ونكتفي بما قدمناه عن عثمان…ونترك العائلات الصفاقسية تطوف في رمضان بسوق البلاغجية بحثا عن أحذية للعيد، نأخذ عثمان الكراي في نضاله السياسي ووطنيته…فنجد بعض كتب التاريخ تذكره ،ونجد الروايات تتحدث عنه وعن نضاله

نشاط سياسي

عثمان انخرط في الحزب الحر الدستوري التونسي، عثمان شارك في الاجتماعات السرية وفتح داره لبعضها ،وفي ذلك يروى ،أن اجتماعا سريا عقد في داره، وإذا بباب الدار يطرق بعنف ،وفهم عثمان أن أالشرطة تدق بابه، فتحرك وأخذ طفلا صغيرا ووضعه على الفراش وحوّل الاجتماع إلى فرح بختان، اندهش أعوان السلطة، وخرجوا…وتواصل الاجتماع …
عثمان شارك في مظاهرات ضد الحماية الفرنسية فألقي عليه القبض وضربوه وجرحوه ،،،،،،عثمان كان بورقيبيا في نضاله ،وساهم في وشارك في اجتماعاته ،،،،،،هذا عثمان أعطى وطنه ولم يطلب ثمنا ،،،، ،،،،هذا عثمان أيقن أن تونس التي تطالب باستقلالها لا يمكن لها أن تبقى مستقلة إلا إذا علمت أولادها…

أبناء عثمان

هذا عثمان أنجب ثلاث بنات وخمسة أبناء…وجههم نحو نور العلم فتنوروا وتعلموا، فكانت سلوى أستاذةً وتزوجت الأستاذ عبد القادر المصمودي، وسميرة أستاذة وتزوجت الأستاذ الذكي الناشط الصديق المرحوم منصف عبيدة، ونجوى أستاذة جامعية تروجت المهندس في الرصد الجوي جمال بوراوي…
وكان صلاح طبيب عظام، وكان عادل مهندس خبير في المطار ورؤوف طبيب، وماهر طبيب عظام وفخر الدين أثبت وجوده وعلمه ومكانته باكتشافاته واختراعاته في أمريكا …
هذا عثمان لما توفي زوج أخته منانة، مد يده لأخته الأرملة ولليتامى، ووجه: رعى عبد الحميد و علمه صناعة الأحذية، ولما علم أن ابنها البشير انقطع عن مواصلة الدراسة في الفرع الزيتوني قاطع بيت أخته احتجاجا حتى رجع البشير إلى الدراسة وفاز بشهادة الأهلية وشهادة التحصيل وكان مدير مدرسة ومعلما، وقائدا كشفيا…ونجح أولاد وبنات منانة في العلم والعمل ..
ولما توفي عثمان ودعه أولاده وأهله وصفاقس بالرحمة وحسن الذكر فبماذا سيذكره الأصدقاء لنزداد به معرفة وفهما…وأنا أحب أن أفهم ؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى