صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب/ اتفاق الترويكا المغاربي: نهاية مشروع الوحدة المغاربية والإعلان عن صيغة جديدة للتكامل

slama
كتب: نوفل سلامة

شكّل الاجتماع الثلاثي الذي انعقد مؤخرا بقصر قرطاج بين الرئيس قيس سعيد والرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي الحدث الأبرز في الآونة الأخيرة، لتزامنه مع زيارة جورجيا ميلوني رئيسة الحكومة الإيطالية إلى تونس لمتابعة ومواصلة تنفيذ خطة ‘ماتي’ للهجرة غير النظامية…

الملف الذي تحرص إيطاليا والاتحاد الأوروبي أن يجد لدى الجانب التونسي وخاصة الجارتين الجزائر وليبيا كل التفاهم والتعاون في تبني المقاربة الأوروبية القائمة على فكرة تحويل السواحل التونسية والليبية والجزائرية إلى حدود متقدمة لإيطاليا، وخطا أوليا للسواحل الأوروبية قبل وصول المهاجرين غير النظاميين إليها وتعهد دول المغرب العربي بعملية التجميع والفرز للأفارقة المهاجرين القادمين من بلدانهم نحو سواحل البحر الأبيض المتوسط ضمن مراكز يتم انشاؤها للغرض…
لتتولى القيام بالمهام التي كان يقوم بها الجانب الإيطالي وتزامنا كذلك مع الاجتماع الذي عقده وزير الدفاع التونسي عماد مميش مع نظيره الإيطالي غويدو كروساتو في إطار اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة التونسية الإيطالية التي تعقد بانتظام سنويا للنظر في المجالات العسكرية المشتركة و التنسيق في الجوانب الأمنية التي تخص البلدين.

وضع عالمي مشتعل

بما يعني أن انعقاد اجتماع الترويكا المغاربية الجديدة في هذا التوقيت وفي هذه الظروف التي تمر بها منطقتنا في علاقة بملف الإرهاب وملف الهجرة غير النظامية والموقف من الحرب على غزة والموقف من الكيان الصهيوني والقوى الداعمة له، وما يشهده العالم من انعطافات وتحولات كبرى فرضتها الحرب الروسية الأوكرانية والحرب المفروضة على الفلسطينيين من طرف الكيان الصهيوني المحتل والتصدعات التي أحدثتها في العلاقات الدولية والتحالفات الإقليمية والبينية، والنقد الكبير الموجه للنظام العالمي الحالي واحتجاجات الشعوب حول العالم ضد منظومة قيمه وعدم الرضا على أداء مؤسساته وهياكله يحمل أكثر من معنى و دلالة ويفرض التوقف معه وفهمه وتحليله…

ما الدلالات؟

فكيف يمكن قراءة هذا الحدث؟ وكيف يمكن فهم سياقاته ودلالاته؟
إذا تجاوزنا ما هو معلن وما تم تداوله رسميا بخصوص دواعي هذا اللقاء الثلاثي، والذي قيل عنه أنه يأتي في إطار ما تم الاتفاق عليه خلال قمة الغاز بالجزائر من عقد اجتماع مغاربي كل ثلاثة أشهر على أن يكون اللقاء الأول في تونس للتشاور في القضايا المشتركة ومجابهة المخاطر المتعددة التي تواجهها هذه الدول، والتباحث في موضوع ارتفاع كلفة التصدي للمهاجرين الأفارقة وكيفية التعامل مع وضعياتهم الاجتماعية والإنسانية..
خاصة وأن هناك قناعة من أن ملف الهجرة غير النظامية هو ملف إنساني بامتياز وموضوع خيارات تنموية وسياسات فاشلة تعرفها بلدان المنشأ وأن المقاربة الإيطالية القائمة على الجوانب الأمنية، وعلى تقديم المساعدات المالية والتقنية لحماية سواحلها وتحويل البلدان المغاربية إلى حراس حدود لها من دون الخوض في معالجة الظاهرة وتحليل أسبابها وجذورها العميقة قد توقف أزمة المهاجرين لفترة ولكنها لا تعالج الظاهرة من جذورها ولا تنهي معاناة هؤلاء الأفارقة الباحثين عن مستقبل وأمل خارج بلدانهم الأصلية…

مسألة أعمق وأشمل

إذا تجاوزنا ملف الهجرة غير الشرعية وموضوع التصدي لعصابات المتاجرة بالبشر الذي نوقش من زاويته الأمنية ومسألة دعم التعاون الاقتصادي وتشجيع الاستثمارات المشتركة بين البلدان الثلاث، فإن هذا اللقاء التاريخي يتجاوز هذه القضايا ويتعدى هذه المواضيع على أهميتها إلى مسألة أشمل وأعمق بكثير خاصة إذا تعاملنا مع هذا الحدث وقرأناه قراءة مركبة لا تقف عند النظرة المجزئة له ووضعناه في إطاره الأشمل والأعم وهو إطار مآل مشروع الاتحاد المغاربي ومصير حلم الوحدة المغاربية التي تم الإعلان عنها بمدينة مراكش سنة 1989 أي منذ 35 سنة والمتكونة من خمس دول هي المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا من أجل بناء وحدة وتكامل واندماج يعود بالفائدة والنفع على شعوب المنطقة في مجالات حيوية وضرورية للإنسان المغاربي…

صيغة جديدة لاتحاد المغرب العربي؟

إذا تجاوزنا ذلك أمكن لنا القول بأن هذا اللقاء يأتي في سياق وضع حد لتجربة الاندماج المغاربية القديمة والإعلان عن موت مشروع الوحدة المغاربية بمكوناتها القديمة، والذهاب نحو صيغة جديدة بمكونات ثلاث هي تونس وليبيا والجزائر، والتخلي عن المغرب وموريتانيا لقناعة حصلت من أن الصيغة الأولى لم تنجح وولدت ميتة لأسباب كثيرة أهمها الخلاف الحاد بين الجزائر والمغرب حول وضعية الصحراء الغربية ومسألة الاعتراف باستقلال شعب البوليساريو كمكون غير تابع للتراب المغربي وازداد الخلاف حدة بعد خيار المملكة المغربية التقارب مع الكيان الصهيوني بمفردها وبناء علاقات متعددة معه دون أي تنسيق مع دول الجوار، والتعديل الحاصل في الموقف التونسي وخروجه عن حياده التاريخي في المسائل الخلافية نحو الاعتراف بدولة البوليساريو بما يعني الاصطفاف مع الموقف الجزائري في هذه القضية…

بناء وحدة جديدة

وقد حتم هذا التحول الذهاب نحو تكتل مغاربي جديد والبحث عن صيغة تكامل مختلفة وتبنى تصور جديد للوحدة المغاربية تقوم على مقاربة الوحدة المحققة لسيادة الدول ومصالحها والالتزام بعدم التطبيع مع إسرائيل والانفتاح على الدول الافريقية، بما يعني بناء وحدة مغاربية منفتحة وموسعة لا تقتصر على دول شمال إفريقيا فحسب وإنما يمكن ان تستوعب دول إفريقية أخرى على أن تكون هذه الدول الثلاث هي النواة الصلبة لهذا الاندماج الجديد.
اليوم وبعد أن توضحت الصورة وشق كل بلد مغاربي طريقه من دون العودة إلى روح ومبادئ و فكرة التأسيس الأولى التي بناء عليها تشكلت الوحدة المغاربية في ثمانينات القرن الماضي، فإن عالما جديدا بدأ يظهر ووضعا مغاربيا جديدا في طريقه للبناء والتأسيس، عالما يُراد له أن يكون ضمن التحالفات التي بدأت تتشكل اليوم والتي تريد أن تأخذ مكانها في المشاركة في إدارة الشأن العالمي لذلك لا يمكن فهم اللقاء الثلاثي الأخير إلا إذا وضعناه في إطار التحالفات والمحاور الجديدة التي بدأت تفصح عن نفسها بكل وضوح، وهو توجه يقوم على فكرة الفرز التاريخي بين محور قديم يريد أن يبقى مهيمنا ومسيطرا وهو يصارع من أجل البقاء، تقوده الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيين ومن يدور في فلكها من دول العالم الثالث وبين محور جديد يقوم على اعتبار أن الغرب الاستعماري الأمريكي و الأوروبي والصهيوني يحمل قيما و نظاما كونيا ونظرة للعيش نمطا للحياة لم نعد نؤمن بها ولم تعد تصلح لنا ويتجه تغييرها واستبدالها بنظام جديد وقيم جديدة و علاقات مختلفة تكون أكثر عدلا وانصافا واحتراما لكرامة وحقوق الإنسان وفي هذا السياق يمكن فهم اجتماع تونس الجزائر وليبيا وبهذه النظرة المركبة يمكن وضع اللقاء التشاوري لهذه الدول الثلاث…

العالم يتغيّر

اليوم العالم يتغير واليوم هناك تمرد ورفض لطبيعة العلاقات القديمة وخروج على منظومة القيم الغربية الاستعمارية واليوم العالم وقف على حقيقة هذا الغرب ومنظوماته و هياكله ومؤسساته ونظمه غير العادلة والظالمة والمنحازة… واليوم هذا الوضع الذي تعيش على وقعه الإنسانية يفرض اصطفافا جديدا وتموقعا مختلفا وإتباع طريق جديدة ونهج مختلف يحقق السيادة الوطنية ويحترم الخصوصية وينتج حكومات وطنية تكون في خدمة شعوبها في المقام الأول ولا تكون تابعة ولا مهيمن عليها ولا خادمة لمصالح الدول العظمى…

إننا نحتاج تحالفا جديدا يحقق التنمية ويبني علاقة ندية ويحترم السيادة الوطنية ويؤسس لتكامل تجاري واقتصادي ويحقق حركية تنموية بدل علاقات الهيمنة والتبعية ونهب الثروات وتحويل الدول إلى سوق تجارية كبرى لبيع منتجات وسلع الدول المهيمنة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى