صالون الصريح

هادي دانيال يكتب: عودة العرب إلى سورية فرصتهم الوجودية الأخيرة..

كتب: هادي دانيال

أنْ يُطْحَنَ شَعْبٌ بأسره بينَ حربٍ إرهابيّة غربية بأدوات إقليمية ومحليّة تكفيريّة وبين حصار “قيصر” الجائر الشامل، أي بين حَجَرَيّ رحى الليبراليّة الكاسرة المسعورة، في سياق خطّةٍ “عَوْلَميّة” لتدمير الدولة الوطنيّة في المشرق والمغرب العربيين لأنّها العمود الفقري لتماسك أيّ شعب وصار شرْطاً لوجوده في المكان والزمان، وأن يتواصل الطحْن لأنّ هذا الشعب تمسّكَ بدولته الوطنيّة لأنّها المتراس الأخير لوجوده المُسْتَهْدَف…

أن نُطْحَنَ هكذا ولم نتَبَخّرْ بَعْد فهذا يعني أننا أحقّ مخلوقات الله والطبيعة بالحياة  وإن كنّا نُذبَح منذ دزّينة من السنوات باسم الله ونُوأد نياما بتثاؤب الطبيعة أو سُعالها.

قشة تتقاذفها أمواج

كُنّا نستنجد بقشّةٍ تتقاذفها أمواج الموت الذي لا شواطئ له، وهذه القشّة هي توهّمنا بأنّ شلواً ما من ضمير الإنسانيّة الافتراضي قد يتوقّف ويصرخ: كفى. لكن القشّة كانت وهماً آخَر. والأدهى والأمرّ أنّ هذا الشعب لم يُبْتَلَ بجرذان الأرْضِ وخنازيرها بل “جادت” عليه بزلازلها أيضاً، لكنّ الدولة الوطنيّة كابرت على جراحاتها العميقة ولم تسقط  بل مرّغتْ بغبار الزلازل وأشلاء الضحايا أقنعة الغرب والرايات التي يرفعها لإخفاء جرائمه ضدّ الإنسانية وخاصة رايتي “الديمقراطية” و”حقوق الإنسان” التي يمسح بها عن خناجره دمَ ضحاياه.

تراكم حضاري فريد

وهذه الدولة الوطنية التي انبثقت من تراكم حضاري فريد أهّلها لتكون وطن الإنسان الأوّل عبر العصور والأجيال وسرّة الكوكب، عليها ومنها نشأت أوّل دولة عربية من دمشق إلى غرناطة، وهي التي أطلقَ عليها رمزُ القوميّة العربيّة وجمالُها في أوج مدّها المعاصر: قلب العروبة النابض. هذه الدولة التي منحت الإنسانية أوّل أبجديّة عرفَتْها ومَنَحَت العربَ أوّلَ حُلْمٍ أو احتمال بأن يكونوا أمّةً يوماً ما، تجد نفسها وحيدةً في أعْتى عواصف الثلج الغَرْبي والرمال الأعرابيّة. والمفارقة أنّ جرذان وخنازير وزلازل الأرض غزَتْها جميعاً من حدودها مع سلطنة “أردوغان” التي استمرأت خداعنا والغدر بنا وبغيرنا، وعندما هبّت علينا الزلازلُ مِن جهته تجاهلَ الغَرْبُ والعَرَبُ عماراتنا التي انهارت على ساكنيها وتجاوزوا دمنا إلى نجدة مصنع الخوازيق نكاية بأوغاريت وقصر الحمراء.  

قذائف الحقد

وعلى الرغم من قذائف الحقد التي رجمَ  بها الاتحاد الأوروبي صورة ديمقراطيّتِه  وتشدّقهِ بشعارات حقوق الإنسان، في المرآة السوريّة، وتجلّي ليبراليّته في أقصى وأقسى أشكال وحشيّتها عندما أعلن أنّ معاناة الشعب السوري ودولته من تداعيات الزلازل لن تحرّك فيه وازعا إنسانيا لرفع العقوبات عنهما، على الرغم من ذلك لدينا ما نقوله ليس إلى عقل الغرب المختلّ ولا إلى وجدانه القاحل، بل إلى العرب في بلدانهم المشرقيّة والمغربيّة، ولمناسبة اجتماع زعماء دولهم أو مَن يمثّلهم في “قمّة” يُفتَرَضُ عقدها في مارس القادم:

فرصتكم الأخيرة..

ربما لديكم فرصة يتيمة ليس للتكفير عن كونكم رأس الحربة الصهيو-غربية التي لا تزال تطعن جسد سورية النازف، ولا لدفع الديّة العشائرية القبلية فدمنا لا يُقَدّر بثَمَن، إنّما لتحذيركم من حقيقة قد يتأكد منها أقلّكم سوءاً بعد فوات الأوان، وهي أنّ فرصتكم الوحيدة للحفاظ على وجودكم في المستقبل القريب هي أنْ تعودوا إلى سورية لتحصّنوا كياناتكم من زوال مُحدق بها منذ انخرطتم بمليارات الدولارات وبتجييش الإرهابيين التكفيريين والمرتزقة لتدمير الدولة الوطنية السورية، أن تأتوا بقمتكم ومؤسسات جامعتكم العربية لتنفخ فيها سورية من روحها فتعيدها إلى الحياة، أن تضخوا أموالكم للاستثمار في إعادة بناء اقتصاد سورية الذي نهبتم مصانعه بعد تفكيكها و حرقتم القمح سنابل لم تُحصَدْ في الحقول وحبوبا في الصوامع وتواطأتم مع اللص الأمريكي على سرقة النفط السوري وترْك شيوخنا وأطفالنا للموت برداً أيضا، هي فرصة  لتستثمروا في البناء بعد أن هدرتم أموال شعوبكم في القتل والحرق والتدمير…

وعندما يعاد إعمار سورية  يمكنكم الاطمئنان إلى الاقتصاد في دماء أبنائكم وأحفادكم وإلى أنّ سقوف بيوتهم لن تنهار عليهم وإلى أنكم لن تتلاشوا ألسنة وجيوبا قبائل وعشائر وأفخاذا وآبار نفط وغاز بين أقدام ليس فقط القوى الدولية بل وكذلك القوى الإقليمية الثلاث (تركيا، إيران، و”إسرائيل”) التي تقوم دولها ومشاريعها الاستراتيجية على أفكار دينية وطائفية وكلّ منها تتذرّع بالأخرى لجعلنا بشراً وشجراً وحجرا ميدانَ صراعاتهم التي لم تلسع نيرانها عاصمة من عواصمهم أو مدينة من مدنهم، بل إنّ “حليفتنا” طهران هي الحليفة الاستراتيجية لـ »الإخوان المسلمين” في مشروع “الصحوة الإسلامية”، هؤلاء “الإخوان” الذين يلمع الدم السوري على أيديهم من الرئيس المصري الإخواني “محمد مرسي” إلى حركة “حماس” الإخوانية  في غزة إلى حركة “النهضة” الإخوانية في تونس، والذين ينهلون جميعاً من “رحيق” شيخهم “القرضاوي” الذي أفتى بالقتل في سوريا وليبيا وغيرهما،  
هذه القوى الدولية والإقليميّة التي ستستبيحكم كيانا كيانا بَعْدَ أن تركتُم الدولة الوطنية السورية وحيدة بين مخالبها العدوّة  و”الصديقة”.

في مهبّ الزوال

إن لم تغتنموا الفرصة الأخيرة وتجعلوا من الدولة الوطنية السورية قوّة لكم فإنّكم تضعون في مهبّ الزوال ليس عروبتكم فقط بل حتى عروشكم وكياناتكم بأسرها، فترْك سورية وحيدة تحت وطأة التهديدات الإرهابية والعقوبات وتداعيات الزلازل قد يؤدي إلى انهيار الدولة الوطنية السورية، التي تقف حتى الآن سدّا يحول دون أن يفيض تسونامي الإرهاب فيجعل المملكة إمارات تائهة وكياناتكم المجهرية غبارا يلوّث الغيمَ ويهطل وحلا على قصوركم التي(حتى الآن) يتباهى بعلوّها عبيدكم الذين يعيشون في أكواخ مسقوفة بالقش أو القصدير وعندئذ ستصبح أقصى أمانيكم ميتةً كالتي ماتها الرئيس معمّر القذافي الذي حذّركم من مصائر كمصير الرئيس صدام حسين قبلَ أن يلحق به شهيدا أيضا مادام قد قضى مثله على أيدي الغزاة وعملائهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى