صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب/ مذكرة تفاهم محورها الأساسي ‘الحرقة’…فماذا ربحت تونس؟

slama
كتب: نوفل سلامة

مذكرة تفاهم حول الشراكة الإستراتيجية مع الإتحاد الأوروبي مصحوبة بحزمة من المساعدات المالية أو اتفاق إعلان مبادئ حول حزمة من المشاريع والقضايا المشتركة في مجالات عدة منها الفلاحة والتجارة والاستثمار في ميادين متنوعة مثل الكهرباء والطاقات المتجددة…

أو اتفاقية إطارية محورها الأساسي تنظيم مسألة التدفقات الكبيرة من الأفارقة جنوب الصحراء المتجهة نحو الضفة الأخرى من المتوسط والتسللات البحرية للمهاجرين الأفارقة التي زادت أعدادهم وتكثفت بصفة باتت مقلقة للدول الأوروبية وخاصة مقلقة للايطاليين…

عناوين مختلفة ووثيقة واحدة

هي كلها عناوين مختلفة للوثيقة التي أمضت عليها الدولة التونسية ممثلة في الرئيس قيس سعيد مع الوفد الأوروبي الذي زار تونس يوم 16 جويلية الجاري تتقدمه جورجيا ميلوني رئيسة الحكومة الإيطالية صحبة أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية ورئيس الحكومة الهولندي مارك روته في انتظار الإمضاء على الاتفاق النهائي بين الجانبين والذي تشتغل عليه حاليا هيئة تونسية أوروبية تعمل على تنزيل هذه المبادئ التي تم الاتفاق عليها على أرض الواقع وتحويلها من مذكرة إعلان نوايا حسنة إلى إجراءات و نتائج عملية ملموسة تفتح الأفاق على تعاون جديد وشراكة مع الاتحاد الأوروبي مختلفة عن شراكة 1995 التي اعتبرت من الجانب التونسي غير متكافئة وأضرت بالاقتصاد التونسي والوضع الاجتماعي وأضرت بالمصالح التونسية و خلفت نتائج سلبية كثيرة لعل الهجرة التي يعرفها الشباب التونسي إلى بلد الطليان أحد أسبابها الرئيسية.

..رغم الاعتراضات

جاءت جورجيا ميلوني إلى تونس وتمكنت من اقناع الجانب التونسي بالإمضاء على وثيقة الشراكة العملية المعززة أو الشراكة الاستراتيجية الشاملة رغم كل التحفظات والاعتراضات التي أعلن عنها رئيس الجمهورية ورغم اللغط الذي رافق الزيارات المتكررة لهذه الايطالية التي تمكنت أن تحشد لعملها كل القوى الأوروبية والعالمية وأن تتحصل على التأييد اللازم من الاتحاد الأوروبي وحتى من أمريكا…

منع الهجرة فقط

فإن المهم الذي نقف عليه فيما اعتبر إنجازا لجورجيا ميلوني أن كل تحركاتها وكل حرصها على إمضاء اتفاق مع تونس يصب في موضوع واحد وهو منع الهجرة غير النظامية من جنسيات مختلفة إلى بلدها وخاصة مسألة التدفقات الإفريقية عبر البحر إلى السواحل الايطالية أن الفكرة التي تدافع عنها هذه الايطالية تقوم على عنصرين: الأول ترحيل كل التونسيين الوافدين إلى إيطاليا عبر التسللات البحرية والقادمين إليها بطرق غير شرعية وإعادة كل تونسي متواجد على الأراضي الايطالية لا يتوفر على وثائق قانونية رسمية.
الثاني منع وصول الافارقة جنوب الصحراء إلى الحدود الإيطالية وذلك من خلال اعتراضهم في البحر وترحيلهم إلى الموانئ التونسية في إطار برنامج ” الترحيل وإعادة القبول ” الذي وافق عليه 47 وزير داخلية في الإتحاد الأوروبي في اجتماع بلوكسمبورغ ويبدو أن الدولة التونسية قد قبلت ضمن مذكرة التفاهم الأخيرة على هذا الإجراء مقابل حزمة مساعدات مالية ومشاريع تنموية مشتركة.
هذه المذكرة لن تكون ثنائية بين تونس و إيطاليا وإنما سوف تعمم على باقي الدول الأوروبية بما يعني أن جميع التونسيين المتواجدين في الدول الأوروبية والذين لا يمتلكون لوثائق إقامة رسمية وتسللوا ضمن هجرات غير نظامية ولا تحتاجهم أوروبا سيكون مصيرهم الترحيل إلى بلدهم الأصلي تونس.

وعد انتخابي

المهم في هذا الاتفاق والعمل الكبير الذي قامت به هذه الإيطالية حتى تقنع الجانب التونسي بالإمضاء على وثيقة اعتبرت حسب الجانب الأوروبي تكتسي أهمية تاريخية كبرى رغم كل التحفظات التي رافقتها في علاقة بضعف المساعدات المالية والعرض المالي الذي قدم لتونس في مقابل المهمات الموكولة إليها وتحويل تونس إلى محتشد لتجميع الأفارقة جنوب الصحراء والقيام بدور حارس حدود للايطاليين، المهم والمفيد هو أن ما أنجزته هذه الإيطالية كان وعدا انتخابيا قطعته على نفسها أمام ناخبيها…
وهي اليوم تنجزه وتفي بوعدها تجاه ناخبيها ولم تتراخ في تحقيقه ولا تخلفت عنه كما يفعل السياسيون عندنا فأول شيء قامت به بعد فوزها في الانتخابات هو تحركها في كل الاتجاهات لتحقق وعدها بطرد كل المهاجرين غير الشرعيين ومنع وصول التدفقات من كل الجنسيات إلى أراضيها… فايطاليا حسب ميلوني يجب أن تبقى نقية للايطاليين ومواطن الشغل التي توفرها الدولة يجب أن ينتفع بها المواطن الايطالي لا غير…

تفكر بصوت عال

المثير في هذه الزيارة هو حضور رئيس حكومة هولندا اجتماع التوقيع على مذكرة التفاهم بين الدولة التونسية والاتحاد الأوروبي بعد أن عصف ملف الهجرة غير النظامية بحكومته وأجبره على الاستقالة بسبب عدم التوفق إلى حل لهذا الملف واليوم نجده في تونس ضمن الوفد الأوروبي ليعود إلى بلده ليخوض حملة انتخابية جديدة بإنجاز يُحسب له وقدمته له هذه الإيطالية التي قال عنها الرئيس قيس سعيد بأنها امرأة تفكر بصوت عال وبكل وضوح وتقول ما يخفيه الآخرون…

جورجيا ميلوني هذه الإيطالية التي يقولون عنها أنها انتقمت من القائد حنبعل الذي دك عاصمتها بفيلته وهزمت أحفاد قرطاج بعد قرون من هزيمة روما في عقر دارها تنتمي إلى الأحزاب القومية الصاعدة بقوة في أوروبا ومصنفة ضمن أحزاب أقصى اليمين المتطرفة التي ترفع شعار أوروبا للأوروبيين وإيطاليا للإيطاليين وتتبنى أيديولوجيا واضحة تقوم على فكرة تقديم صالح الشعب الإيطالي قبل كل المصالح، وأنه لا مساومة أمام مصالح الوطن لذلك فهي على خلاف الكثير من الأحزاب الديمقراطية الأوروبية لها رؤية وقراءة مختلفة للديمقراطية الغربية تقوم على فكرة بسيطة وهي تقديم مصالح الأمة ومصالح الشعب الإيطالي قبل المسألة الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان…

عبء ثقيل

فهي تعتبر أن مسألة الهجرة غير النظامية ليست موضوع حقوق إنسان ولا علاقة لها بالعنصرية وبمسألة الاعتراف بالآخر فوق ترابها فالمسألة عندها واضحة وهي أن أرض إيطاليا للإيطاليين فقط ولا مجال أن يصل إليها مهاجرون وأفراد لا تتوفر لديهم وثائق رسمية وتأشيرة عبور مرخص فيها ولا مجال لقدوم وافدين من جنسيات مختلفة لا تحتاجهم ايطاليا ويتحولون إلى عبء ثقيل وحمل لا تحتاجه فالمسألة عنها واضحة وهي أن الهجرة غير النظامية شأن داخلي تخص بلدان المنشأ وقضية تنمية تخص بلدان التدفقات وموضوع حلول اجتماعية مفقودة تخص في المقام الأول الدول التي هجرها أبناؤها وغادرها أفرادها…
لذلك فهي تعمل على اعتراضهم في الحدود البحرية وتمنع تسللهم إلى ايطاليا حتى لا يتحولوا إلى موضوع حقوق إنسان وموضوع كرامة و معاملة غير إنسانية وأزمة شعوب وافدة تبحث عن حياة أفضل وواقع احسن ايطاليا غير قادرة على قبولهم وغير قادرة على ترحيلهم، وقد أوكلت مهمة تنظيم عملية عودتهم إلى غيرها من دول المحتشدات الجديدة ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى