نوفل سلامة يكتب/ مخاطر الأشهر القادمة: تواصل العجز التجاري.. قرب سداد الديون وصعوبة توفير السيولة


كتب: نوفل سلامة
إلى جانب الأزمة السياسية المترامية والتي ازدادت حدة في الأيام الأخيرة وعرفت توسعا بعد إيقاف رئيس حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي، وما رافق هذا الإيقاف من تحرّك خارجي من بعض الجهات والدول الإقليمية والدولية التي حاولت التدخل والتأثير على القرار السياسي الداخلي…
بعد أن عرف الموقف الحزبي الوطني انقساما وعدم انسجام سواء في العلاقة بإيقاف الغنوشي أو بسلوك صاحب القرار السياسي وصاحب السلطة من عملية الايقاف هذه…
تفاقم الأزمة
فإن الأزمة الاقتصادية والمالية التي تهم المواطن أكثر وتعنيه في المقام الأول وتستأثر بقدر كبير من اهتمامه اليومي متواصلة وربما هي مرشحة إلى التفاقم إذا لم يتم معالجتها في الأشهر القادمة، بل قل في الأسابيع القليلة الآتية نتيجة تداعياتها الخطيرة جدا على السلم الاجتماعية وعلى المناخ الاجتماعي الذي تضرر كثيرا جراء تراجع المقدرة الشرائية للمواطن، وعجز المرتبات والأجور على تغطية النفقات العادية واليومية للفرد التونسي…
انهيار القدرة الشرائية
ونتيجة تواصل الارتفاعات في أسعار المواد الغذائية وندرة البعض منها بالرغم من كل الجهود المبذولة من قبل السلطة في محاربة الفساد ومحاصرة ظاهرة الغش والاحتكار والمضاربة، حيث أكدت كل الدراسات التي أجريت على المقدرة الشرائية أن أجور المواطن التونسي هي من أضعف الأجور في المنطقة العربية والمغرب العربي، وهي أجور لم تعد قادرة على الصمود أمام غلاء الأسعار وعلى توفير كل الحاجيات العائلية من المواد الأساسية رغم كل ما يُقال عن ارتفاع كتلة الأجور ومطالبة صندوق النقد الدولي التقليص منها والتوقف على الترفيع فيها وهي جريمة تُرتكب في حق المواطن التونسي الذي يُطلب منه أن يحيى ويعيش بمرتب لا يغطي حاجيات الشريحة المتوسطة من الشعب فما بالك بالطبقات الفقيرة؟
معضلة التوريد
وهذا يحيل إلى الحديث على الظروف المالية الصعبة التي تمر بها البلاد نتيجة تواصل العجز في الميزان التجاري وتواصل توريد الكثير من المواد غير الأساسية والتي تتسبب في هدر مخزوننا من العملة الصعبة التي نحتاجها على غرار توريد الموز والشكلاطة والملابس والأحذية الرديئة والكثير من المنتجات الفلاحية المعلبة التي يمكن أن نستغنى عنها لفترة، والكثير من المنتجات الأخرى التي وراءها لوبيات نافذة من مصلحتها توريد هذه السلع لتحقيق الربح الخاص على حساب المصلحة الوطنية وعلى حساب مزيد تعميق الأزمة المالية.
فرغم كل الجهد المبذول من طرف الهياكل التابعة للدولة في تأمين التزويد اليومي للأسواق من المواد الحياتية لعيش المواطن وحرصها على أن يبقى التزود بالمنتجات الحيوية قائما، ورغم كل الصعوبات التي تواجهها الدولة وخاصة إكراهات الحرب الروسية الأطلسية وتداعياتها على ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء وتراجع سلاسل الإمداد من هذه الدول التي تمول تونس بأكثر من 60 بالمائة من مادة القمح بنوعيه الصلب واللين والزيوت المستعملة في الطبخ، وتمثل مصدرا مهما لتوفير النقص الحاصل من مادتي الغاز والبنزين وصعوبة أخرى في توفير السيولة المالية اللازمة لشراء المنتجات الضرورية وخلاص الدولة لمزوديها الأجانب من مادة القمح والسكر والزيوت وتوفير الطاقة وغير ذلك من المنتجات الموردة التي تحول دون تحقيق أمننا الغذائي والطاقي.
التحكم في العجز التجاري
ورغم كل الجهد المبذول في عدم اثقال كاهل خزينة الدولة بالقروض والتداين من الخارج والتقليل من نسبة العجز في الميزان التجاري الذي تحقق نسبيا في الثلاثة الأشهر الأولى من هذه السنة بعد أن تراجعت نسبة العجز التجاري بـ 12 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من السنة الفارطة والجهد المبذول للتحكم قدر الإمكان في عملية التوريد وتحقيق المعادلة الصعبة بين ما نورد وما نصدر وفي الحفاظ قدر المستطاع على كمية العملية الصعبة اللازمة لشراء مواد ومنتجات أكثر إلحاحا لعيش المواطن في مجال الأدوية والغذاء والطاقة.
ورغم التحسن الطفيف في حركة التصدير وحصول انتعاشة الصادرات التونسية في ميادين مثل قطاع الفسفاط وقطاع زيوت التشحيم وقطاع الملابس والجلود، فإن نسق التوريد قد عاد من جديد بعد أن عرف توقفا لفترة وعاد في مجال توريد البذور والفاكهة والكثير من المواد الاستهلاكية على غرار الحبوب والسكر وخاصة في مواد التجهيز و المنتجات الطبية.
مخاطر ومآزق
المهم في كل هذا الجهد المبذول من قبل هياكل الدولة للحد من نزيف الإنفاق على مواد موردة يمكن الاستغناء عنها لفترة وفي محاولة للتحكم في عملية التوريد والحفاظ على مخزوننا من العملة الصعبة، فإن البلاد تنتظرها رهانات كبرى في قادم الأيام وهي مقبلة على مخاطر ومآزق تتطلب التسريع في معالجتها لتفادي ما من شأنه أن تحدثه من مخاطر ومنزلقات مؤثرة في عيش المواطن وفي السلم الأهلية..
إن المخاوف التي تنتظرنا هي في قرب سداد الديون المتخلدة بذمة الدولة التونسية حيث ينتظرها هذه السنة سداد ما قيمته 15.7 مليار دينار منها 1.6 مليار دينار في موفى شهر جوان المقبل لفائدة صندوق النقد الدولي، وهو مبلغ يعادل قيمة القرض الذي تسعى الحكومة التونسية للحصول عليه (1.9 مليار دينار) من الصندوق ومبلغ 500 مليون دينار لفائدة الدولة الصينية، وهذه الأموال تمثل أعباء مالية ثقيلة تنتظر الدولة التونسية
وتتسبب في مزيد من استنزاف العملة الصعبة والمالية العمومية.
سؤال ملّح
والسؤال الملّح المطروح على الحكومة اليوم في فهم طبيعة تصرف الدولة التونسية في مثل هذه الظروف العصيبة التي تمر بها، وكيف نفهم السلوك الذي تتبعه الحكومة في المواصلة في إتباع نفس السياسة التي جاء حدث 25 جويلية لتصحيحها في علاقة بتوريد الكثير من المواد الكمالية التي تستنزف الكثير من العملة الصعبة حيث يوجد اليوم سلوك حكومي غير مفهوم في التعاطي مع ما نعيشه من ظرفية مالية صعبة وغير مسبوقة من المفترض أنها تحتاج اتباع سياسة تتماشى معها في تقييد تحويلات العملة الأجنبية إلى الخارج والتحكم في مخزون العملة الأجنبية وعدم صرفه إلا لشراء الحاجيات الملّحة ومراجعة ظاهرة التوريد غير المدروس و توجيه التوريد إلى الحاجيات الضرورية وتخصيص الاحتياطي من العملة الصعبة حصريا لتمويل حاجياتنا من الغذاء وكل المواد اللازمة لقطاعات الانتاج…
معجزة؟
ما يمكن قوله أنه بالرغم من كل الظروف المالية الصعبة التي يمثلها ارتفاع حجم الدين الخارجي الذي بلغ مستويات غير مسبوقة وتواصل العجز في الميزان التجاري رغم حصول ارتفاع طفيف في حجم التصدير وتراجع نسبي في المواد الموردة ورغم الصعوبات الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد التونسي الموروث من الحقبة البورقيبية وحجم الفساد الذي ورثته عن مرحلة الاستبداد والعجز عن الإصلاح خلال سنوات الثورة ورغم التداعيات الثقيلة للحرب الروسية الأوكرانية على ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء…
فإن المعجزة المالية اليوم هي في محافظة الدولة على انتظام تزويد الأسواق بالمنتجات الحيوية وعلى مواصلة خلاص المزودين العموميين وخاصة المزودين الأجانب وعلى التأمين المنتظم لأجور الموظفين ورواتب المتقاعدين.