صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب: ديمقراطية المعطى لا المبنى ..

slama
كتب: نوفل سلامة

يقف الكاتب حمادي الرديسي في قراءته للكتاب الأخير للكاتب والمفكر الأكاديمي عادل اللطيفي ‘وين ماشين : رؤية لمستقبل تونس’ الصادر سنة 2024 والذي لا يراها إلا من خلال تكوين كتلة سياسية فاعلة في التجديد السياسي في الوقت الذي كثرت فيه المغامرات الفردية للترشح للرئاسة من دون برامج جدية ما عدا الطموح الشخصي للمترشحين..

وهو بذلك يكون قد اقترب من الرؤية القرامشية للتغيير من خلال تمثله فكرة الكتلة التاريخية والمثقف العضوي لـ المفكر اليساري الإيطالي انطونيو غرامشي (1891/ 1937)، توقف عند فكرة أو مفهوم يصعُب حسب حمادي الرديسي استيعابه من طرف المواطن العادي لبلورة بديل للقوى السياسية التي يراها عادل اللطيفي أنها أحد أسباب الأزمة السياسية التي تعرفها البلاد، وهي أزمة كل النخب في الوطن العربي..

حيث يطالب بالخروج عن فكرة النمذجة التي تعرفها النخب السياسية والأطر القديمة التي تقوم عليها القوى السياسية التقليدية هذه الفكرة هي اعتبار أن الديمقراطية أو تبني النظام الديمقراطي ليس بناء يُبنى شيئا فشيئا ولا مسارا تاريخيا طويلا من الدربة والتثقيف والتعود والتوعية تسير فيه الشعوب وتصل إليه بعد تجربة تخوضها، وبعد مراحل قد تعرف فيها عثرات وكبوات وهزات لهذا البناء الديمقراطي ومد وجزر حتى يستوي البناء و يستقيم عوده…

معطى ثابت لا يتغير

وإنما الديمقراطية هي معطى ثابت لا يتغير و نظام قائم الذات ومستقيم و معالمه منتهية وليس مهمتنا اليوم إعادة بناءه يشتمل على جملة من الإجراءات و يخضع لجملة من المقاييس، ومن دخل في هذا الفضاء الديمقراطي وتبنى آلياته ومفاهيمه ورؤيته وقوانينه أصبح ديمقراطيا ومن لم يخضع لهذا الفضاء فقد أقصى نفسه وخرج من المنطق الديمقراطي ومن فضائه حتى وإن ادعى أنه ديمقراطي، وعلامة الخروج من الفضاء الديمقراطي عدم الولاء للدولة الوطنية وعدم الالتزام بالحرية ركنا أساسيا في علاقة السلطة بالأفراد وعلاقة الأفراد فيما بينهم داخل المجتمع وعدم الالتزام بمنظومة الحقوق الكونية التي توافقت عليها الإنسانية ورضيت بها وأقرتها منهجا وآلية لتنظم علاقة المجتمع بالدولة…

وفي هذا الفضاء الديمقراطي نجد أن الدولة ملزمة ومن واجباتها إدماج الهامش وكل الخارجين عن نظام الدولة والتقليص من هيمنة المركز والداخل في عملية توازن يطلبها الفضاء الديمقراطي الذي يراه عادل اللطيفي قادرا على استيعاب مختلف الثقافات والهويات، ويرى الدولة قادرة هي الأخرى فيه على صياغة ميثاق اجتماعي أو عقد اجتماعي يجد فيه كل المقصيين والمنبوذين والذين يعيشون على هامش المجتمع والدولة وكل الأقليات الدينية والعرقية واللغوية وأقليات اللون مكانها فيه وفق هذا التصور” لديمقراطية المعطى لا المبنى »….

فضاء يسّع الجميع

يعتبر عادل اللطيفي أنه لا مانع من دمج أي حزب أو تشكل سياسي يكون خارج هذا الفضاء الديمقراطي بحمولته الفكرية التي ذكرناها في الحياة الديمقراطية لأن الفضاء الديمقراطي بطبعه يسع الجميع ويقبل بالكل وكل فرد وكل تشكل مدني أو سياسي له مكانه فيه ولا يقصى منه ويبعد إلا من أقصى نفسه ورفض العيش داخل هذا الفضاء الديمقراطي الذي ينتهي في الأخير إلى الوصول إلى تبني فكرة “الديمقراطية الاجتماعية العقلانية ” وهي الإجابة التي يقدمها عادل اللطيفي بخصوص سؤاله ” وين ماشين ” فيجيب ماشين إلى ديمقراطية يراها تأتي من الأسفل ولا تُمنح من فوق…

ضرب من الانغلاق!

يعلق حمادي الرديسي على هذه الرؤية التي يقترحها عادل اللطيفي بخصوص فكرة أن الديمقراطية معطى وبناء قائما مكتملا و ليس مسارا تاريخيا طويلا ودربة ومرحلة تصل إليها الشعوب بعد فترة من الاختبار والتطبيق وتجربة الخطأ والصواب حتى تصل إلى النهاية المنشودة التي وصل إليها الغرب في تبني الديمقراطية نظاما للحكم وطريقة عيش ومنهج تفكير، يعلق على هذا التصور بالقول إن هذا الخطاب هو ضرب من الانغلاق بما يعني أن القول بأن الديمقراطية معطى إما أن نؤمن بها ونتبناها وإما أن نتركها وننبذها، لأنها غير قابلة لإعادة البناء والسير إليها في طريق بتؤدة هو ضرب من التطرف الفكري وضرب من التصلب المعرفي…
لأنه في الحقيقة لا وجود لما يُسمى بـ ‘بناء ديمقراطي جاهز’ وليس هناك نموذج واحدا للديمقراطية ولا طريقا واحدة توصل إليها، وإنما الديمقراطية هي مسار طويل تسير فيه وإليه الشعوب، ويقود هذه العملية الدولة ويقودها فكر وإرادة سياسية تراعي خصوصية الشعوب وثقافتها وهويتها وتاريخها الطويل ومستوى وعي الناس وقابلية الأفراد بهذا الانتقال إلى الفضاء الديمقراطي…
ويواصل حمادي الرديسي رفضه لهذا التصور بطرح سؤال حول هذا التصنيف (معطى / مسار) هل هو نهائي ولا يسمح بمراجعته؟ و هل هذا التصنيف الذي يحدد من هو داخل ومن هو خارج الفضاء الديمقراطي ومن له الحق في التواجد في هذا الفضاء ومقبول به ومن هو مقصى من الانتماء له هو بيداغوجي و منهج لغاية التدريس والحوار النظري أم هو حقيقة الأمر وحقيقة الفكرة الديمقراطية؟

أهمية الأفكار

في اعتقادي أن هذا الحوار الذي نقلنا جانبا منه بين عادل اللطيفي مؤلف كتاب “وين ماشين رؤية لمستقبل تونس” وقارئ الكتاب حمادي الرديسي الذي ناقش بعض أفكاره هو حوار مهم ينم عن حركية يشهدها المشهد الثقافي والفكري في تونس وعن وعي بأهمية الأفكار في بناء حاضر ومستقبل الشعوب وأن الأوطان لا تتقدم ولا تتطور إلا بمثل هذا المناخ من الحرية الذي يسمح بمثل هذا النقاش ونحسب أن ما طرحه عادل اللطيفي من رؤية للديمقراطية واعتبارها معطى وليست مسارا لا يمكن ولا يسمح بمناقشة تبنيه من عدمه وإنما الديمقراطية هي فضاء إما نوافق على الدخول فيه أو نرفض دخوله والعيش وفق آلياته وقوانينه جدير بالاهتمام والمناقشة والمحاورة، كما فعل حمادي الرديسي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى