صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب: ‘الحشاشين’ وفكرة تغيير العالم…

slama
كتب: نوفل سلامة

الحشّاشين نسبة للطائفة الفكرية والدينية والسياسية التي ظهرت في التاريخ الإسلامي خلال القرنين الثاني والرابع الهجري ـ الحادي عشر ميلادي تقريبا ـ والتي كانت تسمح بتعاطي المخدرات لإيهام اتباعها بأنهم في الجنة أو لتسهيل القيام بالأعمال الإجرامية التي يؤمرون بها و تنسب إليهم…

أو ” الحسّاسين” نسبة إلى الحسن بن علي الصباح الشخصية التي يعود إليها تأسيس أخطر فرقة باطنية ظهرت في التاريخ الإسلامي وارتبط إسمه بها لتقويض الحكم السني ونشر المذهب الشيعي أو “الأسّاسيين” إحدى الفرق السرية الشيعية التي تدعي أنها تمتلك الأساس الصحيح من الدين الإسلامي بعد أن ضاع النقاء والصفاء الإيماني الأول، كما كان عليه في زمن التأسيس الأول والإسلام المبكر في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام بفعل انحراف من جاء من بعدهم من العباسيين وغيرهم…وهي تعمل على إعادته…

أو” المجرمين ” نسبة للفرقة الباطنية التي تتبنى المذهب الإسماعيلي الشيعي وكانت قد أسست فرقة “الفدائية” المكلفة بالقيام باغتيال كل المعارضين لفكرها في وضح النهار لإثارة الخوف والرعب في صفوف وقلوب أعدائها، هي كلها تسميات نجدها في كتب التاريخ القديمة والمؤلفات الحديثة التي تناولت بالدرس ظهور حركة عقائدية تنتمي إلى اتباع آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم اتخذت من السرية والعمل في الخفاء منهجا لها لنشر أفكارها والترويج لعقيدتها…

شخصية غامضة

وهي كلها تسميات القاسم المشترك بينها هو مؤسسها الحسن بن علي الصباح من أكثر الشخصيات غموضا في التاريخ الإسلامي، والذي يحوم حوله جدل كبير وخلاف حاد لشح المعلومات التاريخية الدقيقة حول حقيقته وحقيقة النحلة التي انشأها، والتي ينسب إليها الكثير من الحكايات والمرويات تراوحت بين الحقيقة والخيال وبين المعقول والذي لا يقبله العقل خاصة فيما يُنسب إليه من امتلاكه لخوارق العادات، وقدرته على امتلاك ما يسمى بالعلم الخفي والكثير من البركات الغيبية…
وكذلك حقيقة قيام هذه الحركة السرية على التصفية الجسدية وارتكاب الاغتيالات بحق المعارضين لها، وهي كلها تسميات لمسمى واحد هو “الحشاشين” لمؤسسها ” الحسن بن علي الصباح ” الذي ولد في مدينة قم بإيران سنة 428 هـ 1037 ميلادي وتوفى بها سنة 518 هـ 1124 ميلادي في زمن الخليفة المستنصر الفاطمي في مصر، وهي على المذهب الشيعي وزمن الدولة السلجوقية التركية السنيّة التي أسست خلافة إسلامية في إيران حكمت بها جزءا كبيرا من العالم الإسلامي وسيطرت على أجزاء أخرى من آسيا و في زمن كانت فيه الخلافة العباسية في بغداد في أسوأ أحوالها من الضعف والتراجع العسكري والحضاري.

عودة الحديث عن حقبة من أحرج فترات التاريخ الإسلامي ( القرن الحادي عشر ميلادي) عرف فيها العالم الإسلامي حالة من الفوضى الفكرية والتمزق السياسي وانتشار الجدل الديني والعقائدي وصل إلى حد التكفير وقتل المخالف وكثرة الفرق والملل والنحل التي تدعي امتلاك الحقيقة، وحالة من تعدد المذاهب الدينية والعقائد والكلامية والفلسفية وحالة من الانقسام حتى داخل المذهب الواحد، وحالة من تراجع هيبة الخلافة الإسلامية العباسية التي لم تعد قادرة على تمثيل المسلمين وتأمين حياتهم وحمايتهم وهي في أيامها الأخيرة تحتضر أمام إرادة عسكرية بيزنطية عائدة وناشطة بقوة في المنطقة لاستعادة مجد المسيحية في العالم بعد الانحصار الذي حصل لها بفعل الفتوحات الإسلامية الأولى…

المسلسل الحدث

هذه العودة فرضها المسلسل الحدث في رمضان هذا العام الحشاشين للمخرج المصري بيتر ميمي يحيى الذي اشعل جدلا كبيرا بين المتابعين وحتى بين النخبة الفكرية العربية، وفرض على الكثيرين العودة إلى القراءة واستنطاق التاريخ من جديد بعد أن وجهت للمسلسل الكثير من الانتقادات حول القراءة التاريخية التي يقترحها والدراما الفنية التي يقدمها خاصة وأن كاتب السيناريو قد اعتمد على رؤية للأحداث التاريخية خاصة به على ما يقال أمام ندرة المصادر والمراجع التي أرّخت للحقبة التاريخية التي ظهرت فيها حركة الحشاشين وشح المعلومات عن شخصية حسن الصباح الذي تدور حوله أحداث هذا المسلسل التاريخي بعد أن هدم التتار المغول قلعته وأحرقوا كتبه وكل ما دوّنه لذلك يذهب البعض إلى أن كل ما نعرفه عن الرجل وحركته مصدره أعداؤه والمخالفين للمذهب الشيعي.

تغيير العالم؟

ما لفت انتباهي بعد مشاهدة حلقات هذا المسلسل التاريخي الذي يتعرض إلى أخطر فرقة باطنية حسب ما تقول عنها المراجع التاريخية المتوفرة هو الربط الذي أبرزه المسلسل بين الرغبة في تكوين حركة سرية تدعو إلى المذهب الشيعي الإسماعيلي الذي كان محظورا في العالم السني وقتئذ، وفكرة تغيير العالم والتأكيد على لسان البطل كريم عبد العزيز الذي تقمص دور حسن الصباح أنه يريد من وراء حركته تغيير العالم الذي انتشر فيه الظلم وحركة أرادها نقطة بيضاء في عالم يعمه السواد تكون الأمل للمحرومين والفقراء والمظلومين والمهمشين بعد أن تخلت عنهم الخلافة العباسية التي انشغلت بمتع الدنيا وملذاتها وغيّبت من سياساتها الاعتناء بالعامة والدهماء التي أبرزها المسلسل رغم ما طالها من تهميش وظلم وفيّة للفكر السني ومحاربة للباطنية وعقائدهم وتلك مفارقة مهمة لم يعالجها المسلسل…

رغم كل الجدل حول الكثير من المعطيات التاريخية التي أبرزها المسلسل، والتي لا تلقى إجماعا حولها و أبرزها الأستاذ الدكتور خالد حسن محمود الذي ترأس فريق المراجعة التاريخية، وكان قد صرح أنه فوجئ بعد مشاهدته للمسلسل بهذا الكم الكبير من الأخطاء بعد أن قدم وفريق عمله للقائمين على هذا العمل الدرامي مراجعة دقيقة للأحداث التاريخية، ولكن تم تجاهلها ولم يؤخذ بها ليتم إلقاء هذه المراجعة في سلة المهملات ـ كما قال ـ وتم التنفيذ برؤية خاصة بصنّاع المسلسل الذي اعتبره ‘كارثي’، وهو جدل يتعلق بحقيقة التقاء أبو علي الطوسي المعروف بنظام الملك أهم وزير في الدولة السلجوقية والشاعر والعالم والفيلسوف عمر الخيام وحسن الصباح مؤسس أخطر حركة باطنية، وتعاهدهم في فترة شبابهم على أن الذي يصل أولا للملك يمد يده للآخرين وهي مسألة تاريخية دقيقة ينفيها الكثير من المهتمين بالتاريخ ومسألة تعاطي أتباع هذه الحركة الحشيش المخدر حتى يتمكن أتباعها من تنفيذ الأعمال التي يكلفون بها ومسألة التحلل من الالتزامات الدينية وتعاطي المحرمات وممارسة الجنس بناء على تأويل ديني باطني، ومسألة الخوارق والخرافات والتنبؤ بالغيب والقدرة كشفه والكرامات التي يمتلكها حسن الصباح…وأظهرها المسلسل…ومسألة اشتهار حركة الحشاشين بالقتل وتصفية المعارضين وأنها في العمق حركة دموية إرهابية تقوم على القتل وتصفية المعارضين لها..

حركة سرية

إذا تجاوزنا كل هذه النقاط الخلافية التي تشكل الجدل الحاد الذي أشعله هذا المسلسل في العالم العربي وحتى الغربي بما أنه يبث في عدة دول أوروبية، فإن اللافت الذي نخرج به هو أن حسن الصباح أراد تأسيس حركة سرية تابعة للفكر الباطني الشيعي بحثا عن معنى وغاية جديدتين للحياة وحقيقة أخرى للوجود وعن طريق جديد للإنسان المؤمن من خارج الدائرة السنية ومن خارج الولاء للخلافة العباسية ومن خارج المعرفة الدينية التي ينشرها فقهاء السنة وعلماؤها. أراد البحث عن حقيقة مختلفة عما تفكر فيه العامة والدهماء المتحالفة مع حكامها وعلمائها السنيين أراد من وراء انتمائه للفكر الباطني القائم على فكرة التأويل للنصوص الدينية المقدسة باعتماد آلية الظاهر والباطن…
ومن خلال فكرة أن للنص الديني معنا ظاهرا وآخر باطنا لا يمكن فهمه ومعرفة حقيقته إلا من بعد تجاوز فهمه الظاهر وعدم الاكتفاء بما تقدمه ظاهر النصوص وفكرة أن للنصوص أسرار مكنونة وإشارات خفية ومعان باطنية لا يفقهها إلا النخبة من أهل المعرفة بالله تعالى، وفكرة أن التكاليف الشرعية من أوامر ونواه لا تؤخذ وتحمل على الظاهر وأن العبادات والشعائر الدينية تفسر على أنها رموز واسرار وتأويلات باطنية خفية يجب البحث عنها ولا يتقيد بما تقدمه ظاهر هذه العبادات، أراد من وراء هذه الأيديولوجيا الدينية فهم العالم وتغييره.

إصلاح الأوضاع

لقد أراد إصلاح الأوضاع المتردية التي عرفها العالم الإسلامي في فترة تراجعه وانحداره ونشر العدل الاجتماعي والدعوة إلى إسعاد الناس وتوفير حاجياتهم الأساسية وأولها الأمن النفسي والغذائي انطلاقا من هذه المعرفة ومن خلال هذا الفكر وهذه العقيدة التي اعتبرت أخطر ما يهدد الديني الإسلامي حينما أخرج نصوصه المقدسة من الفهم الأول الذي قامت عليه في زمن المعلم الأول والمؤسس الأول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.

فكرة العمل السري

كما أعتبر أن أخطر ما جاءت به حركة الحشاشين هي فكرة العمل السري والعمل على نشر المذهب والأفكار والمعتقد الديني والسياسي خارج الفضاء العلني أو باستعمال وسيلة التخفي والتقية والتكتم والحيلة وانتهاز الفرص، وخاصة استعمال القتل والتصفية الجسدية للمخالفين والمعارضين وهي مسألة وإن حام حولها جدل كبير إلا أنها التصقت بهم.
الأخطر من كل هذا الذي ذكرناه ما يردده الكثيرون من أن الحشاشين ليست فكرة لجماعة ظهرت في فترة من التاريخ في سياقات معلومة وزمن عمت فيه الفوضى في كل شيء وفكرة بدأت وانتهت مع موت صاحبها والقضاء على أتباعه وهدم قلعتهم، وإنما الحشاشين هي فكرة مازلت حيّة بيننا نجدها عند الكثير من المنظمات السرية والمذاهب المتخفية في العالم تحت يافطات كثيرة هي مواصلة لفكر الحشاشين و استمرارا لنفس فكرة التأسيس الباطني الشيعي الأول الذي يعمل على تقويض كل حكم غير حكم الشيعة ونشر العقيدة وفكر آل البيت بقراءات متطرفة خطيرة..
الخطير في الانطباع التي تشكل حول حركة الحشاشين من كونها دعوة مجهول من أجل مجهول وإمام مقتول عائد من أجل غاية لا أحد يعلمها وليس له من حلقة وصل إلا حسن الصباح.

الخطير في الموضوع

الخطير في الربط بين حركة الحشاشين كما ظهرت وكما يروج لها وبين ما يعرف بالدولة العالمية الخفية التي لا نعلمها ولا نعلم من ورائها هي من تدير العالم اليوم في الخفاء ولها أتباع نافذين في كل الهيئات والمنظمات والمحافل يعملون في السر ويبشرون بأفكارهم على طريقة الحشاشين ويسيطرون على كل شيء بيننا ويتحكمون في حياتنا وارداتنا.. رؤية للتدبر لمسلسل تناول أبطال وأباطيل من وحي التاريخ كما قال عنه مخرجه بيتر ميمي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى