صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب: حركة ‘الحشاشين’ والبحث عن جذور الإرهاب الديني..

slama
كتب: نوفل سلامة

تزامن بث مسلسل ‘الحشاشين’ الذي مثل الحدث الدرامي البارز في رمضان هذا العام والعلامة المضيئة في ظل العتمة التي يعرفها المشهد التلفزي وواقع الدراما في الوطن العربي عموما والواقع التونسي خصوصا بعد الكم الكبير من الضحالة والتفاهة في مختلف هذه الأعمال الفنية التي تنتج وينفق عليها الكثير من الأموال كان من الأجدى أن تصرف في مجالات أخرى أكثر نفعا للمواطن العربي…

تزامن هذا العمل الدرامي الذي يبث في الكثير من الدول العربية وحتى الأوروبية مع تعرض المجمع التجاري في روسيا إلى عمل إرهابي أودى بحياة عدد كبير من المدنيين الأبرياء تبنته جماعة قوقازية تسمي نفسها ‘داعش خراسان’، وهو تنظيم ينتمي إلى ‘القاعدة’ قال عنه بعض المحللين السياسيين إن الاعتداء الإرهابي الذي حصل يأتي في سياق الصراع الروسي الأطلسي ويرمي إلى إدخال إرباك في الداخل الروسي بعد فشل كل العقوبات الاقتصادية التي فرضت على روسيا لثني الرئيس بوتين عن التراجع عن مواصلة حربه على أوكرانيا وتدمير مدنها نحو احتلالها.

توريط للغرب

هذا التحليل الذي يورط الغرب فيما تعرضت له روسيا من عمل إرهابي خطير ويجعل من الإرهاب صناعة مخابرات أجنبية، وهذه المقاربة التي تحاول إيجاد خيط رابط بين تحرك التنظيمات الإرهابية في هذا التوقيت بالذات واستئناف نشاطها مع ما يحصل من حرب مدمرة في أوكرانيا ينتهي إلى اتهام الغرب وأمريكا رأسا بالوقوف وراء إقدام داعش على ارتكاب جريمة إرهابية في روسيا لإرباك النظام الروسي ومحاولة لفتح جبهة قتال جديدة وتحويل وجهة الاهتمام الحربي الروسي إلى محاربة داعش لتخفيف الضغط العسكري على القوات الأوكرانية.

صراع بين طالبان وداعش

في مقابل هذا التحليل هناك معلومات تقول بأن العملية الإرهابية التي جدت في روسيا تأتي في سياق الصراع الذي بات واضحا بين حركة طالبان وتنظيم داعش بعد الخلاف الحاصل بين التنظيمين والطموحات الكبيرة لداعش في تصدر المشهد في منطقة البلقان وبلدان آسيا الصغرى…
فبعد كسب المعركة مع القاعدة و إضعافها إثر الانشقاقات التي حصلت بداخلها وانضمام العديد من عناصرها الجهادية إلى تنظيم داعش خراسان يسعى هذا الأخير إلى إحداث انشقاق آخر داخل حركة طالبان وتصدر زعامة القتال في الإقليم بعد التقارب الذي حصل بين طالبان ودول الجوار وتعاون هذه الأخيرة مع أجهزة المخابرات بخصوص تبادل المعلومات وخاصة مع الصين وروسيا…
كل هذا التحول أنتج مناخا مشحونا وتنامي حدة الصراع بين التنظيمين زادته الحرب الأوكرانية الروسية اضطرابا وغليانا كان من نتائجه الاعتداء الأخير في موسكو.
هذا التحليل الذي يقوم على معطيات ترجع الهجوم الذي حصل إلى عمل إرهابي بحت من المرجح أن تستثمره القوى الكبرى في العالم في مختلف الصراعات والأحداث التي تحصل لتحقيق أهدافها وبرامجها يحاول الاقناع بأن الذي حدث إلى جانب كون دافعه أيديولوجي وسياسي إلا أنه يعبر في العمق عن ذهنية عقائدية ورؤية دينية للتغيير تقوم على العنف والقتل..
ويعبّر عن الذروات التي تصل إليها الجماعات المسلحة بعد طول ركود فهي لا تفنى ولا تنتهي وإنما تعيد انتاج نفسها و تشكلها من جديد سواء بإرادتها أو بإرادة غيرها ممن يخترقونها بدافع من فكرة واهمة أو بناء مشروع متخيل في منطقة آسيا الصغرى حالم، وبهذه الطريقة استطاع داعش خراسان تجنيدَ المئات من المقاتلين خلال السنتين الماضيتين، لأن الإرهاب سيبقى ما بقيت هذه الفكرة التي تربط بين القتل وسفك الدماء وبين تحقق رضا الله ونيل الجنة فهذه العقيدة هي ثمرة في شجرة ما ظلت الشجرة باقية.

الجذور الأولى

هذا الكلام يحيلنا إلى الجذور الأولى للإرهاب، وإلى التساؤل حول الظروف التاريخية التي كانت وراء ظهور حركات في التاريخ العربي الإسلامي ودعوات دينية تتبنى العنف منهجا للتغير والقتل طريقا للتعبير عن الفكرة والإقناع بها ويحيلنا كذلك إلى النبش في فكر حركة ‘الحشاشين’ التي يُنسب إليها أنها أول الحركات الدينية التي ظهرت في التاريخ الإسلامي التي أرست نهجا جديدا في تبليغ الدعوى واتبعت وسيلة مستحدثة في نشر الفكرة وتحقيق التغيير الاجتماعي والسياسي تقوم على تصفية الخصوم وقتل كل من يعترض طريقها ويعارض فكرتها وعلى القتل لترهيب الغير ونشر المعتقد.

زعيم الحشاشين

يقول حسن الصباح زعيم الحشاشين ” ليس من الضروري محاربة دولة حتى نهزمها – في إشارة إلى الخلافة السلجوقية في خراسان – وإنما يكفي قطع رأسها… ورأسها قد يكون عالما مؤثرا أو مفكرا أو أي شيء آخر له قوة ” ولبلوغ هذا الهدف يوهم اتباعه بأنه صاحب مفتاح الجنة الذي تسلمه من الله عن طريق الإمام الغائب فهو يقدم نفسه على أنه هو حلقة الوصل بينه وبين هذا الإمام الغائب و يعد أتباعه بدخولها وحلم الجنة هو عقيدة لدى الحشاشين تجعل صاحبها مشتاق دوما إلى هذه الحقيقة التي اشتغل عليها حسن الصباح كثيرا وجعل منها مبدأ في دعوته وجعلت الاتباع مستعدين لفعل أي شيء من أجل هذه الجنة التي يعد بها حسن الصباح لذلك فليس هناك مستحيلا مع الحشاشين يقول : ” كل شيء ممكن معنا لقد فكرت في قتل الخليفة العباسي منذ خمسة عشر سنة ”
و من أقواله أيضا ” إن القتل لصالح الفكرة جزاؤه دخول الجنة .. العالم ينقصه العدل والعدل يحتاج إلى القوة والقوة تحتاج إلى قتل كل من يقف في طريقها لذلك فإن المريد أو التابع الذي ينظم للحركة يخضع إلى تجربة ” التسلخ ” وهي فكرة تعني أن يتحلل الفرد من كل الأفكار والمعتقدات السابقة ليدخل في فكر ونهج الحشاشين وأفكارهم فهي عملية إفراغ يقوم بها المنتمي وإعادة ملء الذهن بأفكار يقررها حسن الصباح ليصل إلى الفكرة الأساس وهي وهب الروح والحياة لفائدة الدعوة ومن صور هذا التسلخ التحلل من كل الروابط العائلية والعلائق السابقة التي كانت لدى التابع قبل دخوله قلعة الحشاشين.
هذه العقيدة التي نشرها زعيم الحشاشين خطرها في كونها لا تتردد في التخلص من كل خصومها حتى وإن كان أقرب المقربين طالما كان عقبة في طريقها ينقل عن حسن الصباح أنه قال لأحد أتباعه الذي اختاره لقتل نظام الملك الوزير السلجوقي وكان صديق الطفولة والشباب : ” لقد آن الأوان ليدخل المختار حلم الجنة ”
وقد فهم الإمام أبو حامد الغزالي أسس دعوتهم وتصدر لكشف انحرافات هذا الفهم الخطير وحاربهم لذلك حاولوا قتله مرة ومن أقواله فيهم ” إن فكرة واحدة باطلة أخطر ألف مرة من مرض الطاعون ” ومن أقوله أيضا قوله لمن جاء لقتله ” إن العدو الأخطر هو عدو فكرتك ومنهجك والمعنى الحقيقي لوجودك .. الإنسان الضال مثل عابر السبيل الذي قتله هواه »…

قراءة خاصة

كل هذه الأفكار نجدها بكثافة ومكثفة في فكر ونهج الجماعات الارهابية والحركات الدينية المتطرفة التي تستعمل الدين وتوظفه لنشر أفكارها وتقدم قراءة خاصة لنصوصه لإيهام الاتباع أن هذا العالم هو عدو للإسلام وهو غير عادل ويعمه ظلم كبير ويلزم تغييره واستبداله باستعمال القوة والقتل…
فكما قام الفكر الباطني على التحلل من التكاليف الدينية وتجاوز ما هو محرم وما هو ممنوع من الشريعة وسمحوا لاتباعهم بشرب الحشيش النبتة المخدرة التي تخوّل لشاربها فعل أي شيء يؤمر به فقد اعتبرت الجماعات الإرهابية المعاصرة أنه يجوز استعمال محرم من أجل الوصول الى الهدف الأسمى المقدس وهذا الهدف هو إقامة الخلافة الإسلامية والدولة العادلة.
ما أردنا قوله هو أن التطرف والمغالاة في فهم الدين واستعمال العنف والقوة حتى القتل لنشر الفكرة والمعتقد والاقناع بهما وأن العالم الإسلامي وتاريخ المسلمين لم يعرف ترابطا بين الدين والعنف إلا مع هذه الحركات التي ظهرت نتيجة سياق سياسي واجتماعي مهدّ لها ونتيجة الاستبداد الذي عرفته المجتمعات الإسلامية و الذي ألغى الاختلاف في الرأي وصادر حرية الفكر وحاكم كل مخالف في الرأي…

حركة دخيلة وغريبة

الحركات الإرهابية التي تنشط اليوم في الكثير من المناطق من العالم والتي تتبنى العنف وسيلة للإقناع ونشر أفكارها له جذور ومنبت قديم يعود إلى حركة الحشاشين وفكر زعيمها الحسن الصباح وهي حركة دخيلة وغريبة عن فكر وعقيدة المعلم الأول النبي محمد صلى الله عليه وسلم ونبتة غريبة عن تربة الإسلام الذي تضرر كثيرا من مثل هذه الحركات وهذه الأفكار التي تقوم على فكر باطني يرى أن نصوص الدين لها معنى ظاهرا يدين به العوام وآخر خفي لا يعلمه إلا القلة من العلماء هي أصل الدين وعقيدة شيعية متطرفة تعتقد في أن القتل من أجل الفكرة يدخل الجنة، وأن هذه الحركات تقوم على السمع والطاعة العمياء وتدعي أنها تمتلك وتستحوذ على مفاتيح أبواب الجنة تدخل لأتباعها المطيعين من أي باب شاءت…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى