صالون الصريح

‘نوفل سلامة يكتب: الأونروا’ عقبة في طريق تحقيق المشروع الإسرائيلي بإفراغ غزة..

slama
كتب: نوفل سلامة

بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وما حصل فيها من اتباع لسياسة الإبادة الجماعية ضد المدنيين من سكان القطاع وتدمير جنوني للمباني والمساكن والمستشفيات وأماكن العبادة الإسلامية والمسيحية ومقرات المنظمات الإنسانية الدولية ومقرات الصحفيين وتدمير كلي البني التحتية..

آلة عسكرية مدمرة

بالاضافة إلى ما خلفته الآلة الحربية الصهيونية المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين وعلى رأسهم ألمانيا وانقلترا من ضحايا في صفوف الشيوخ والنساء والأطفال والسكان العزل قدّر عددهم في آخر إحصاء بـ 26 ألف و 257 شهيد و 64 ألف و 797 جريح ومصاب العدد الأكبر منهم في صفوف الأطفال، وبعد أن تأكد فشل نتنياهو في تحقيق وعده بتدمير قدرات المقاومة الفلسطينية وتدمير الأنفاق التي تستعملها كتائب عز الدين القسام في صد الاحتلال، حيث صرحت القيادة العسكرية الإسرائيلية أن 80 بالمائة من الأنفاق لا زالت تعمل، وفشله في إطلاق سراح المحتجزين عند المقاومة من أمريكان وغربيين وإسرائيليين بعد الاجتياح البري في قطاع غزة وكل المدن الفلسطينية…

‘نقية صافية’

كما فشل نتنياهو في الحفاظ على صورة إسرائيل ‘نقية صافية’ في ضمير العالم بعد الإرباك الكبير الذي حصل لدولة الاحتلال وتشوّه صورتها من وراء القضية التاريخية التي رفعتها ضدها دولة جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية مستندة إلى نفس القانون الدولي الذي أسّس إسرائيل ومنحها شرعية الوجود وبنفس القانون الذي أدان المحرقة التي ارتكبتها ألمانيا النازية بحق اليهود إبان الحرب العالمية الثانية حيث وجهت لإسرائيل نفس التهمة التي وجهت لهتلر لما ارتكب الهولوكوست اليهودي وهي ارتكاب جرائم إبادة جماعية بحق الفلسطينيين و أعمال قتل عشوائي وتهجير قصري وطرد جماعي وتدمير جنوني وتجويع للسكان العزل الذين منعت عنهم إسرائيل الماء والغذاء والدواء وكل مقومات الحياة الأساسية التي تكفلها القوانين الدولية.
هذا الواقع الجديد الذي فرضته المعركة على أرض الميدان، والتي تتكبد فيه إسرائيل اليوم الكثير من الخسائر في صفوف جنودها وتدمير مؤثر لآلاتها الحربية من دون تحقيق نصر على حساب المقاومة، ومن دون حسم المعركة لصالح العدو الإسرائيلي وما رافق ذلك من تلطيخ صورتها على المستوى العالمي بعد القضية المرفوعة ضدها بتهمة ارتكابها لجرائم إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني، هذا الواقع الذي لا يخدم المشروع الإسرائيلي الأمريكي إفراغ قطاع غزة من سكانها والقيام بحرب لا تدوم طويلا يكون مآلها تصفية القضية الفلسطينية والتخلص من المقاومة الإسلامية الشوكة التي بقيت في حلق إسرائيل لاستكمال مسار التطبيع الذي بدأت فيه…

هذا الواقع الذي يتحكم فيه عامل الزمن الذي هو بدوره ليس في صالحها خاصة وأن دائرة الرفض العالمي لسياستها الحربية تتسع من يوم الى آخر، ومجال التعاطف مع الفلسطينيين في الضمير الإنساني يتمدد قد جعل إسرائيل وقيادتها الحربية والسياسية تفكر في مخرج لهذه الورطة، وهذا المأزق الذي باتت فيه حيث فهمت إسرائيل أن من بين الأسباب المؤثرة التي حالت دونها وإنهاء الصراع لصالحها ومن الأمور التي عطلت تحقيق مشروعها الكبير ووعودها الحربية وجود المنظمات الإنسانية في قطاع غزة، وخاصة وكالة إغاثة اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم ‘الأونروا’ التي تأسست سنة 1949 بقرار أممي من أجل تقديم الدعم المادي والمعنوي للفلسطينيين إلى حين تسوية قضيتهم وحصولهم على الاستقلال وبناء دولة لهم.

الأونروا عقبة في وجه اسرائيل

فهذه المنظمة بما تقدمه من خدمات إنسانية متعددة الأوجه والأبعاد وبما تقدمه من مساعدات للفلسطينيين وبما تمثله من حضور في حياة الشعب الفلسطيني هي اليوم عقبة كبرى أمام الجيش الإسرائيلي حيث فهم اليهود أنه طالما وأن هذه المنظمة موجودة على أرض الميدان وطالما أنها مواصلة في تقديم خدماتها وإعانتها للشعب فإن الفلسطينيين لن يغادروا أرضهم ولن يتركوا مساكنهم وأحياءهم. فمن بين الأسباب التي تشجع الفلسطينيين على البقاء وتجعلهم يرفضون التهجير القصري وجود هذه المنظمة التي تقدم الدعم المادي والمعنوي لهم وطالما وأن الأونروا موجودة فإن إسرائيل لن تستطيع تهجير السكان بسهولة…
ومن هنا بدأ التفكير في تصفية المنظمة وتنفيذ الاستراتيجية الجديدة وهي قطع كل شرايين الحياة عن سكان غزة وكل ما من شأنه أن يديم البقاء فوق الأرض.

اتهامات باطلة

فكان القرار الذي اتخذته إسرائيل دعوة جميع الدول الأوروبية والحكومات الغربية التي تقدم الدعم المادي لوكالة غيث اللاجئين وتشغيلهم أن توقف دعمها لها بتعلة أن بعض العاملين بها قد تورطوا في عملية طوفان الأقصى التي قامت بها حركة حماس يوم 7 أكتوبر من العام الماضي والغريب في الأمر، والذي لم يعد غريبا اليوم بعد أن افتضح أمر النظام العالمي الذي يحكم العالم وانكشفت حقيقة قيمه ومبادئه ومنظومة أفكاره المنحازة وغير العادلة وتعرفت الإنسانية على ظلم قيم الحداثة الزائفة واهتزاز هياكل هذا النظام العالمي وتراجع منظومة قيمه الكونية و منظومته لحقوق الانسان..

وقف دعم الأونروا!

الغريب أن معظم الدول الغربية الداعمة للأونروا قد أعلنت توقفها عن دعمها المادي في عملية مساندة عمياء وفورية دون أخذ مسافة للتثبت من صحة ادعاءات إسرائيل في حق بعض العاملين في هذه المنظمة التي حتى وإن ثبت تورطهم فإن المنطق يقول أن لا تتوقف المساهمات المادية وأن لا نعاقب الأونروا التي تقدم برامج إغاثة مباشرة لقرابة المليون ساكن وتلعب دورا أساسيا في بقاء الفلسطينيين أحياء رغم الاحتلال وأعمال الطرد والقتل والإبادة التي يتعرضون لها وتوفر احتياجات أساسية في مجالات إنسانية من تعليم وصحة وغذاء وبنية تحتية ومعاشات للعائلات الفقيرة والإغاثة الاجتماعية للكثير من السكان وغير ذلك من أوجه التدخل الأخرى كحالات الطوارئ وغيرها…

قرار فردي

اللافت أن القرار الفردي الذي اتخذته إسرائيل في حق الأونروا ودعوتها العواصم الأوربية أن يوقف قادتها مساهماتهم المادية ودعمهم لها بسبب ادعاءات لم تثبت بعد في حق بعض العاملين بهذه المنظمة، قد استجابت لها على الفور الكثير من الدول الأوروبية و انصاعت إلى قرار دولة الاحتلال في حين أن قرارا آخر أكثر أهمية صادر عن محكمة دولية تابعة لمنظمة الأمم المتحدة إحدى أجهزة النظام العالمي الذي يحكم العالم يطالب إسرائيل باتخاذ تدابير مخففة للحيلولة دون إرتكاب جرائم إبادة بحق الفلسطينيين وتضمين ذلك في تقرير يرفع لمحكمة العدل الدولية خلال شهر قد أدانته هذه الدول التي تشكل النظام العالمي واستغربت منه الولايات المتحدة الأمريكية الدولة التي تقود نظام العولمة الحالي وتحكم به الإنسانية .. لقد كشفت حرب غزة أننا نعيش اليوم في ظل نظام عالمي تتحكم فيه إسرائيل وفي حداثة يقودها اليهود ونظام قيم ومعايير ومبادئ تشكلت بتحالف مسيحي يهودي ، نظام عالمي كل شيء فيه في خدمة الصهيونية ودولتها المارقة والمتحكمة والمتنفذة في كل مفاصل العالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى