صالون الصريح

عيسى البكوش يكتب: مائة عام (1924-2024) على استشهاد محمد الزغباني..المشهور بـ’الدغباجي’

issa bakouche
كتب: عيسى البكوش

الخمسة اللي لحقوا بالجرّه
ملك الموت يراجي
لحقوا بمولى العركة المرّة
المشهور الدغباجي

هكذا تغنّى الفنان الشعبي إسماعيل الحطاب (1925-1994) بالشهيد محمد الزغباني شهر الدغباجي وبرفاقه الخمسة.

لقد أضحى محمد الدغباجي في المخيال الجماعي بطلا أسطوريا فهو وإن لم يتجاوز عمره التسعة والثلاثين عاما فلقد أفناه في الذود عن الوطن واستبسل في مكافحة المستعمر حتى الشهادة.

لقد نظم الشاعر أحمد اللغماني (1923-2015) قصيدا أورده في ديوانه “ذرّة ملح على جرح” الصادر سنة 2001 عن دار سيراس للنشر تفوح أبياته إعجابا بهذا المناضل المتفرد:

تبعت خطاك من قفر الفيافي
إلى أقصى مآويك الخوافي
ومن يوم ابتدأت الشوط تسعى
لحتفك عند خاتمة المطاف
خرافي البطولة عند شعب
شجاع يعشق البطل الخرافي
ومازال اسمك الناري ومْضا
شراريا ولمحا ذا اختطــــاف

إنّ الإنسان إنما هو وليد البيئة والأبطال منهم الذين يقطفون اللحظة للولوج للتاريخ هذا التاريخ الذي قال عنه الجنرال ديڤول في مذكراته : إنّما هو “لقاء بين المرء والزمان” ولم يشذ الدغباجي عن هذا المصير فاقتفى أثر من سبقه في مقارعة المستعمر الذي قدم ذات 12 ماي 1881 بتعلّة حماية الإيالة التونسية ظانّا بأنه سوف لن يلقى صدّا، كلاّ لم تكن غزوته فسحة بل مغامرة سيّئة العواقب تحمل في ثناياها أسباب الزوال لأنّ الليل مثلما أنشد أبو القاسم الشابي: وإن طال فلا بدّ أين ينجلي وإنّ القيد وإن عمّر فلا بدّ أن ينكسر.

انتفاضة شعب

لقد انتفض الشعب التونسي منذ اللحظات الأولى ضد المحتل انطلاقا من معركة صفاقس التي قادها علي بن خليفة النفاتي (1807-1881) من 05 إلى 17 جويلية 1884 إلى معركة جرجيس في نفس الفترة والتي قادها منصور الهوش (1840-1895) ثم من بعد ذلك جاءت معركة الجلاز يوم 07 نوفمبر 1911 والتي نفذت على إثرها الدولة “الحامية ” يوم 26 أكتوبر 1913 حكم الإعدام في الشاذلي القطاري والمنوبي الخضراوي شهر “الجرجار”، فلم يثن هذا الزجر الدموي على المباشر – إذ أنّ الإعدام تمّ علنا في بطحاء باب سعدون- همم بني “الشعب الأبي” بحساب عنوان الكتاب المرجع للمنعّم عبد الكريم عزيز الصادر عن مركز النشر الجامعي سنة 2001.

ثورة من جديد

يقول الزعيم علي البلهوان في كتابه “تونس الثائرة” الصادر عن الدار العربية للكتاب: “رغم كل الاحتياطات اندلعت نيران الثورة من جديد في الجنوب وشاركت فيها بداية من عام 1915 قبائل بني زيد المعروفة ببأسها تحت قيادة بطلها الحاج سعيد بن اللطيف الذي أخذ يخوض المعارك الواحدة تلو الأخرى بعد وضع خططها”. ثم كانت معركة رمادة يوم 26 جوان 1916 التي قادها خليفة بن عسكر أصيل طرابلس الذي ألهب نار الثأر لدى الدغباجي المولود بالحامة سنة 1885 وهو المنخرط بالجيش الفرنسي صحبة رفيقه البشير بن سديرة المولود سنة 1892 ففرّا الاثنان واشتركا في شن مواجهات مع القوات الفرنسية فكانت معارك ” جبل بوهدمة” و “خنقة عيشة” سنة 1919 و”الزلوزة” و” الجلبانية” سنة 1920 قرب بني خداش.
ثم تراجع إلى القطر الليبي فسلمته السلط الإيطالية يوم 26 جوان 1922 للجيش الفرنسي فمثل أمام المحكمة العسكرية التي كانت أقرّت غيابيا حكم الإعدام ضده يوم 02 ماي 1921 فتم رميه بالرصاص في ساحة السوق بحامة قابس يوم 01 مارس 1924.
لقد خصّص الأديب محمد المرزوقي (1916-1981) إحدى كتبه لسيرة هذا البطل “محمد الدغباجي ” صدر سنة 1979 عن دار المنار ، كما أن المؤرّخين عدنان المنصّر وعميرة علية أتيا على ذكره في “المقاومة المسلحة في تونس” (من منشورات المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية).
وأصدرت وزارة المواصلات سنة 2002 طابعا بريديا تخليدا للدغباجي ووضع نصب تذكاري له بالحامة كما قدمت الإذاعة الوطنية السنة الفارطة مسلسلا يروي “ملحمة” الدغباجي.

معلم لذاكرة الدغباجي؟

ولكن أليس حريّا بنا أن نقيم معلما يحفظ ذاكرة الدغباجي ونظرائه من أبطالنا الأشاوس الذين أخصبت دماؤهم هذا الوطن إلى حين أينعت ذات 20 مارس 1956 ثمار الحرية.
لقد أنشد الميداني بن صالح (1929-2006) في ديوان ” قرط أمّي” الصادر سنة 1977 مهلّلا بشهر مارس:
مارس الأخضر مرحى بقدومك
هاهي الخضراء في فجرك عرسا
وشباب، يا لجيل الثورة الخضراء عزم
وبنـــــــــــــــــــا
يحمل الراية في الساحات: نجما وهلالا
في السّمــــــــــــــــــــــــــا
نجمة حمراء في لون دماء الشعب
أيّام النضـــــــــــــال
بين أحضان هلال
رفعتها عزيمة الشعب وأجيال النضال
وبطولات الرجال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى