صالون الصريح

هادي دانيال يكتب: كي يَصِلَ رغيفُ الخبز إلى كُلِّ فَمٍ في مَنطِقَتِنا والعالَم

adanille
كتب: هادي دانيال

منذ أوائل القرن الحالي تُقْرَع الأجراسُ المُنذرة بأنّ الأمن الغذائي العالمي بات مُهدَّداً إمّا بسبب الجفاف وضمور المائدة المائية كأحد نتائج ظواهر الطقس الشديدة المرتبطة بالتغيُّر المناخي، مثل الجفاف التاريخي في القرن الأفريقي أو الفيضانات المدمرة في باكستان، والكوارث الطبيعية كالزلازل والأعاصير وآخرها ما شهده المغرب وليبيا، وإما بسبب النزاعات الساخنة والحروب الأهلية والبَيْنِيّة.

وكما أنّ الولايات المتحدة التي تمثّل 15بالمائة من انبعاث غازات الاحتباس الحراري العالمية قد سبق وأن انسحبت من اتفاقية المناخ المعروفة باتفاقية باريس التي وُضِعَتْ عام 2015 لتعزيز الاستجابة العالمية لِخَطَر تَغَيُّر المناخ، فإنّ واشنطن عينها إيّاها تقف مباشرة أو مواربة وراء جميع الحروب الأهلية والبَينية عبر العالم.

مزاعم أمريكية

وإذا كان يحلو للإعلام الأمريكي أن يزعم سابقا بأنّ الخطر المُحدق بالأمن الغذائي العالمي سببه “نهج حديث يتبعه أغلب سكان العالم في دمج المزارع الصغيرة المتنوعة في مزارع أكبر وأكثر إنتاجا، الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى تقليص عدد المزارع الصغيرة”، وأنّ “أصغر المزارع الموجودة بالعالم، والتي تشكل نحو 25% فقط من حجم الرقعة الزراعية حول العالم مسؤولة عن إنتاج ثلث الطعام العالمي”.
إلّا أنّ هذا الإعلام نفسه يزعم الآن (كما أشرنا في مقال سابق نشرناه هنا) أنّ الخطَر يكمن في أنه مقابل كل 100 سعيرة حرارية من المواد الغذائية المتداولة في أنحاء العالم يأتي 12 سعيرة حرارية من روسيا وأوكرانيا، وأنّ الأخيرتين تؤمنان ثلث قمح العالم، وأنّ قرار موسكو وقف تصدير الحبوب عبر البحر الأسود يهدد الأمن الغذائي في المنطقة العربية (؟!).

استفزاز موسكو

وواقع الحال أنّ واشنطن وحلفاءها في أوربا هم الذين تسببوا في بدء الحرب القائمة في أوكرانيا عندما دَفَعوا حكومة “كييف” العميلة إلى استفزاز موسكو بتهديد الأمن القومي الروسي، وهم أيضاً الذين يدعمون “زيلينسكي” كي لا تقف هذه الحرب وتستمرّ إلى آخر جندي أوكراني، وهم الذين يتحمّلون أيضاً مسؤولية تداعيات وقف اتفاق تصدير الحبوب على البحر الأسود، لأنّ الغرب هو مَن دفْعَ موسكو دفعا إلى الانسحاب من اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، لأنّ هذا الغرب الأمريكي/ الأوربي الذي يحتكر ثلثي قمح العالم و 88 بالمائة من السعيرات الحرارية من مواده الغذائية، هو الذي تعمّدَ خرْقَ الاتفاق عندما رفض الالتزام بالجانب الذي يهم روسيا منه وخاصة رفع العقوبات لتتمكن موسكو في الوقت نفسه من تصدير قمحها وما تنتجه من محاصيل زراعية أخرى إلى جانب الأسمدة.

استهداف

علما أنّ الغرب مطمئنّ إلى أنّ قدرة أوكرانيا على إنتاج القمح والذرة وزيوت عباد الشمس قد انخفضت بحدّة قبل أن تنسحب موسكو من الاتفاق، لأنه بسبب الحرب لم تعد أوكرانيا قادرة على تأمين الإمكانات التقنيّة والمساحات الشاسعة من الأرض الصالحة لزراعة القمح والذرة وعباد الشمس، ولم يعد متوفرا العدد الكافي من المزارعين الأوكرانيين، كما أنّ الغرب ذاته هو مَن أوعز إلى قوّات عميله “زيلنسكي” بالهجوم على السفن في البحر الأسود كي يُصبح مُغلقاً أمام استخدامه لتصدير القمح الروسي وما تبقى من القمح الأوكراني، وبالتالي هو يستهدف قدرات روسيا العالية على تصدير القمح والذرة وعباد الشمس والأسمدة الزراعية إلى دول العالم كافة وخاصة العربية والأفريقية التي يريد الإعلام الغربي أن يوهمها بأنّ روسيا هي وراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية، بينما واقع الأمر أنّ سياسة الرئيس بوتين هي تمكين الدول والشعوب وخاصة الضعيفة منها من القمح الروسي بتسهيلات وأسعار مناسبة وأحيانا مجانا.
وغَرَض الغرب من التمسّك بفرْض العقوبات على روسيا أن يستفيد من نقص الحبوب في العالم ويحافظ على ارتفاع أسعارها في السوق العالمية كي يبيع هو ما يحتكره من حبوب ومواد غذائية أخرى بأثمانٍ باهظة فيملأ خزائن ماله على حساب تجويع فقراء العالم، وفي الوقت نفسه يتذرّع بهذا الأمر الواقع الذي يفرضه بفجور وبدون أي وازع أخلاقي لابتزاز الدول النامية سياسيا مقابل تقطير “إعاناته” المُذِلّة، من جهة، ولتقويض القدرات الزراعية أو التصديرية لمنتجي الخبز الآخرين كروسيا وروسيا من جهة أخرى.

لِتَرحَل القوات الأمريكية

وتمعن هذه البروباغندا الغربية في تضليلها الوقح إلى درجة أن تزعم أنّ برنامج الأغذية العالمي استورد 80 بالمائة من احتياجات القمح من أوكرانيا حتى جويلية 2023، لكن القيود المالية أجبرت البرنامج على “التوقُّف عن توزيع الغذاء لــ 2.5 مليون أسرة في سورية”. هذا ‘الإعلام العاهر’ يتجاهل حقيقتين أساسيّتين، الأولى أنّ سورية قبل المؤامرة الغرْبية التي استهدفتها بدءاً من 20 مارس 2011 كانت مكتفية ذاتياً في غذائها وكسائها ووقودها، خاصة في مجال القمح الذي كانت تصدّره بل وتهبه لأشقّائها العرَب في الأزمات، وبالتالي فإنّ مَن يسرق نِفطها وقَمحها حتى هذه اللحظة هم القوات الأمريكية في شمالي سورية وعملاؤها المحليون. والحقيقة الثانية أنّ “القيود المالية” سببها العقوبات التي تفرضها واشنطن والحكومات الأوروبية التابعة لها (كما يتبع العبدُ سيّدَه ) على روسيا وبنوكها، ولذلك:

لِتَرحَل القوات الأمريكية عن كُلّ شبْرٍ من الأرض السورية، وَلْتُرْفَع العقوبات الغربية الجائرة عن روسيا، فَعندئذٍ، سيصل رغيف الخبز من القمح السوري والقمح الروسي إلى كلّ فَم في المنطقة العربية والعالَم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى