صالون الصريح

عيسى البكوش يكتب: مائة عام على رحيل أحد روّاد الإصلاح/ الشيخ محمد النخلي (1869-1924): الترجمان، الشاعر والعاشق

ISSA BACCOUCH ce
كتب: عيسى البكوش

مرّت يوم الجمعة مائة عام على رحيل الشيخ محمد النخلي المولود بالقيروان في شهر جوان سنة 1869، حفظ القرآن في موطنه في سنّ مبكرة ثم تحوّل سنة 1886 إلى مدينة تونس للدراسة بالزيتونة حيث تتلمذ إلى صفوة من المدرسين ومن أصفاهم أبو النهضة التونسية سالم بوحاجب (1829-1925)..

عندما أحرز على شهادة التطويع سنة 1897 باشر التدريس بالجامع الأعظم مع متابعة دروس المراتب العليا حتى أدرك سنة 1902 درجة الطبقة الأولى، وبالموازاة مع وظيفتي التدريس بالجامعة والمدرسة الصادقية والإشهاد بالقيروان خلال العطل الصيفية، كان مهووسا بمتابعة أنشطة روّاد الإصلاح في تونس وفي الشرق، ولمّا أصدر الشيخ محمد عبده “رسالة في التوحيد” شرع في تدريسها ممّا أثار حفيظة المحافظين من أترابه وشيوخه.

الثبات على النهج

جاء في كتاب ” آثار الشيخ محمد النخلي” من جمع ابنه عبد المنعم وتحقيق أستاذنا الجليل المنعّم حمادي الساحلي والصادر سنة 1995 عن دار الغرب الإسلامي: “حين التقى به شيخ الإسلام محمود بلخوجة خاطبه قائلا: يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمّك بغيا”!.
ولكنه لم يثنه ذلك على الثبات في ذلك النهج خاصة وأنه كانت بينه وبين عبده مراسلات ومن ضمنها الرسالة المؤرخة في 15 جمادى 1318/ جوان 1900 والتي أبان فيها المصلح المصري عن ” تقديره لعلم النخلي والثناء على استقلالية رأيه وإكبار لنهجه الفكري القائم على الاجتهاد والفكر الحرّ ونبذ التعصب”.
ولقد شدّ أزره في هذا الشأن عدد من تلامذته الذين طارت شهرتهم في الأفق من بعده أمثال محمد الطاهر بن عاشور (1877-1973) ومحمد العزيز جعيط (1886-1970) والبشير النيفر (1888-1974) والصادق النيفر (1883-1938) والطاهر الحداد (1899-1935) وأبي القاسم الشابي (1909-1934) والجزائري عبد الحميد بن باديس (1889-1940) وأحمد توفيق المدني (1899-1983).
لقد أنشد محمد الطاهر بن عاشور في حق شيخه ذات يوم من سنة 1988 :
السيد الغطريف ذاك المرتضى
بمهنّد الأفكار أمسى يعصب
سمّوه باسم الحمد إشعارا به
وتوسّموا فيه العلا فتصوّبوا
مذ قد بدا حمدُ الأنام بفضله
بمحمد النخلي صار يلقب

تابع الحراك الثقافي

واكب النخلي الحراك الثقافي والفكري الذي انفجر سنة 1896 بتأسيس الخلدونية كتاب من نشطائها وكذلك الشأن بالنسبة لجمعية قدماء الصادقية سنة 1905 وقد كان من أوائل المحاضرين على منبرها سنة 1906 إذ ألقى يوم 31 مارس من تلك السنة مسامرة بعنوان “نضارة التمدن الإسلامي” وهي بمثابة حمّالة أفكار الشيخ التي ضمّنها فصولا عديدة في مختلف الصحف التونسية أمثال “النهضة” و”الزهرة” و”خير الدين” و”لسان الأمة” وكذلك بمجلة “السعادة العظمى” لصنوه الشيخ الخضر حسين (1873-1958).

دعا إلى تطهير العقيدة الاسلامية

يقول ابنه المنعم: “كان يدعو إلى تطهير العقيدة الإسلامية من خرافات وأوهام وما اختلط بها من باطل مناف لروح التوحيد”.
كما ذكر الابن أنّ والده اطلع على كتاب Montesquieu “روح القوانين” الصادر سنة 1891 في طبعة عربية بترجمة يوسف آصاف.
لقد انضم الشيخ إلى كلّ اللجان المعنية بإصلاح مناهج التعليم بالزيتونة وبالصادقية.
كما ألف لفائدة تلاميذه كتابا علميا وهو الضالع في مجالات اللغة والبلاغة من ذلك “ألفية في الجغرافيا ” و”أرجوزة في علم المسافة”.
وقد نشر عددا من الدراسات في مجال التفسير ومن ضمنها دراسة في تفسير قول الله تعالى: “ألم تر إلى ربّك كيف مدّ الظل ولو شاء لجعله ساكنا” سورة الفرقان آية 45.
أورد جمال الدين دراويل في فصل ضمن مجلة الحياة الثقافية عدد مارس 2008 في خصوص آثار النخلي: كتب الشيخ رسالة في المرأة معدودة من آثاره المفقودة قال بشأنها تلميذه أحمد توفيق المدني: ” تكاد تكون فريدة في بابها حيث ذكر فيها من مظاهر عناية الشريعة السمحة بالمرأة وتوفيتها حقها مع الأدلة ما لا يوجد في مؤلف”
وممّا لم أعثر عليه في مؤلف هو هذا الرأي الذي أفصح عنه الراحل في جريدة “لسان الأمة” الصادرة يوم 06 أفريل 1907 عن الفنّ الرابع “هذا الفن من أجلّ الفنون التي استعان بها علماء أوروبا على تهذيب الأخلاق وتربية الملكات الفاضلة…
هذا الفن وضع حجر أساسه العرب في عهد نهوضهم بما ترجموا من كتاب “ألف ليلة وليلة” و “كليلة ودمنة” ثم جاءت المدنية الأوروبية فظهر هذا الفن النافع في جملة ما ظهر من المعارف كان المصريون في الشرق من المجلين لهذا الفن فأسّست المسارح.
أمّا التونسيون فلم تزل بلادهم في غفلة من هذا الفن فعسى أن ينطلقوا من عقال الخمول ويستعملوا همّتهم للقيام بهذا المشروع الذي تفرضه عليهم نهضتهم الأدبية”.

توفي في عام 1924

توفي الشيخ محمد النخلي يوم 16 فيفري 1924 ودفن من الغد بالقيروان.
وقد أبّنه فيمن ابّنه تلميذه أبو القاسم الشابي وعمره لم يتجاوز الخامسة عشر.
يا لهف نفسي أغاض بحر العلم فار
بدّت وجوه الدهر بالأحزان
يا نفس فيضي بالأسى شعرا وبا
لآلام سحا دائم الهطـــــلان
يا دهر فجعتنا في نبعنـــــــــــــا
يا دهر إنّك منبع الأحــــزان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى