صالون الصريح

الأمين الشابي يكتب: العهر بالجسد أعف من العهر بالسياسة..

chebbi
كتب: الأمين الشابي

شخصيا أرى أنّ العاهرة التي تقتات من جسدها ـ وهذا ليس تبرير لهذه المهنة القديمة قدم التاريخ ـ هي أشرف من حفنة الساسة القتلة الذين لا يتحرك بداخلهم الوازع الإنساني و هم يقتلون بل و يبيدون شعبا بأكمله و يمحون وطنا من على الخارطة الجغرافية.

فالعاهرة التي تأكل من ثدييها، هي في النهاية ضحية ونتاج لسياسة من يعتاش على فقرها وبؤسها و دمها و مستقبلها ومستقبل عائلتها، لأنّه فعلا هو من أوصلها إلى تلك المنزلة من الفساد و العهر…

لنسمي الأشياء بأسمائها

ولكن حين يطال العهر السياسي دولا، تدّعي التحضر و التقدم، و ذلك في حق دولة فلسطين و شعبها، فتلك أقوى درجات العهر.
فهذا النوع من العهر لا يغتصب جسد امرأة بل يغتصب شعبا بأكمله و يغتصب الأرض و العرض و تاريخ و مقدرات وطنا بكل ما تعنيه الكلمة.
وهنا دعنا نسمي الأشياء بأسمائها، و إلاّ لماذا خلقت الأسماء؟ وبالتالي إنّ ما يجري في فلسطين اليوم وعلى مدى أكثر من سبعة عقود، ماذا نسميه؟
فهذا الذي يجري ليس كما يسوق له الغرب ـ و من لفّ لفهم ـ بكونه صراعا بل هو احتلال استيطاني؟ و ليست حربا تلك التي تدور راحها بفلسطين الأبيّة بل إبادة جماعية للشعب الفلسطيني بمختلف ألوانه السياسية و ألوية المقاومة فيه؟ و ليس إرهابا ما يقوم به الشعب الفلسطيني، كما يحاول التسويق لذلك الغرب الموالي للكيان الصهيوني بل هو مقاومة شعب لمحتل اغتصب أرضه وتاريخه ونكّل بشعبه قتلا وأسرا و تعذيبا و تهجيرا؟
بل هذا الشعب و رغم بشاعة الاستعمار الصهيوني و رغم كلّ وسائل التنكيل بهذا الشعب و بالرغم من الآلاف من الشهداء و الآلاف أيضا من الجرحى و تهديم كل ما هو على الأرض و تحت الأرض بكلّ قسوة و حقد، فإنّه لا يزال صامدا و متمسكا بأرضه و بزيتونه و قدسية مكانه و معتزا بتاريخه و الأهم أنه صامد في وجه أعتى المحتلين حقدا و تعسفا و تقتيلا وتنكيلا لما يزيد عن 75 سنة؟

كلّ هذا الإجرام لم تفعله عاهرة الجسد

والشعب الفلسطيني المنكوب، لم تنكبه عاهرة تبعا لبيع جسدها، و هذه الأزمات الدولية لم تفتعلها عاهرة، بل وراءها عهر سياسي من الحجم الكبير؟ و شجعه صمت الخانعين و المستكينين، و تواطأ غريب من بعض الأنظمة العربية التي لم تحرّك ساكنا رغم كلّ ما يجري أمام أعينها في حق الفلسطينيين العزل؟
ويتشدق هذا الغرب بكونه صاحب قيم و يسوّق هذه القيم إلى كلّ العالم باعتباره ” حداثي ” يؤمن بالحرية و القيمة الانسانية للحياة و لكن أفعاله و حقيقته فضحتها أفعاله الحقيرة في فلسطين؟
فهذه أمريكا، التي يفتخر أهلها بكونها علامة من علامات التقدم و التحضر و بلد حقوق الانسان بل و تحاول معاقبة من يجرأ على المس من حقوق الإنسان عبر العالم و لكن هي في الأصل من يشجع على الدوس و النيل من هذه الحقوق؟ و ما يجري على أرض فلسطين فضح المستور لكل هذه الادعاءات؟ و إلاّ بماذا نفسّر ما صرّح به وزير الدفاع الأمريكي أخيرا بكونه ‘لا يسمح بانتصار حماس على إسرائيل’…

ألا يعدّ هذا من أفدح العهر السياسي فضيحة العصر لدولة تدعي و تسوّق بكونها بلد الحقوق و الحريات و هي تدوس على كلّ تلك الحقوق في حقّ الفلسطينيين.
أليس عهر العاهرة بجسدها أفل ألف مرّة وطأة من عهر هؤلاء الساسة و خاصة حين ينتمون ” لأكبر دولة ” تدعي حماية الحقوق و تدعم حرية الشعوب ؟ فماذا يعني الضرر التي ينجر عن بيع عاهرة لجسدها أمام الدوس على وطن بأكمله باسم ” الدفاع عن النفس ” لمحتل للدولة الفلسطينية التاريخية؟

أليس العهر السياسي أشدّ فداحة من العهر من تأكل بثدييها؟ يتحدثون عن الشرف والعزة والعفة والكرامة، وحقوق الأقليات، وهم يوغلون في تفكيك دول بأكملها و ما حدث بالعراق مازال أمام أعيننا، ، وفي المقابل يتحدثون عن إرهاب أبناء فلسطين، بل و يمدّون الكيان الغازي و الكيان المحتل لغيره و الكيان النّازي بأحدث الأسلحة و أدقها حتّى ” يدافع عن نفسه ” ممّن يدافع عن نفسه؟ و من هو في الحقيقة الإرهابي؟ هل هو ذلك الشعب الفلسطيني الذي يدفن و يوميا تحت ركام بيوته بعد تهديمها بهذه الأسلحة المهداة للكيان من قبل ماما أمريكا؟ عن أي دفاع عن النفس تتحدثون؟ أ لم تختشوا من أنفسكم؟

لا نلوم الغرب في النهاية بل نلوم صمتكم

بالفعل لا علينا أن نلوم الغرب، فهو بطبيعته مستعمر سابق و أياديه عبر التاريخ ملطخة بدماء المستضعفين لأنّه في النهاية يبحث عن السيطرة عن مقدرات الشعوب حتى يعيش شعبه في رفاهية و لو على جثث الأبرياء. هذا هو الغرب عموما، فلماذا نستغرب من تصرفاته و نتعجب مما يأتيه في حق الفلسطينيين و ما أتاه أيضا في حق العراق و أفغانستان و القائمة طويلة في ” بطولاته وصولاته وجولاته ” في الدوس على الضعفاء من الشعوب و خنق حرياتهم و الدوس على كرامتهم ؟ ولكن اللوم كلّ اللوم على الأنظمة العربية و الإسلامية التي تكتفي بالفرجة على ما يجري أمام أعينهم من عربدة هذا الكيان بمساعدة غربية و خاصة أمريكية و في وضح النّهار؟ فلماذا أيتها الأنظمة العربية و الإسلامية لا تحذون حذو الغرب و أمريكا تحديدا للقيام بواجبكم تجاه الشعب الفلسطيني كما تقف اليوم أمريكا نظاما و عتادا و مالا و مساعدات مع هذا الكيان المجرم؟ بالله عليكم ماذا تنتظرون للوقوف مع الشعب الفلسطيني و هو يذبح كلّ يوم أمام أنظاركم؟ ألم تكفيكم أشلاء الفلسطينيين؟ بل و الرؤوس المقطوعة لأبناء فلسطين؟ ألم تكفيكم آلاف الشهداء وآلاف الجرحى وآلاف البيوت المهدمة؟

ماذا تنتظرون؟

بالله عليكم ماذا تنتظرون للتحرك و نجدة الفلسطينيين؟ هل تنتظرون الضوء الأخضر من ماما أمريكا؟ أو تعتقدون أنّها ستبيع الكيان الصهيوني بيعكم لفلسطين؟ لا أعتقد ذلك بل و بتاتا لأنّهم مجرمون مثل الصهاينة بل و أكثر؟ و بالله أيتها الأنظمة العربية إن كان لديكم سببا، نحن الشعوب العربية و الإسلامية، لا نعلمه لوقوفكم وقفة المتفرج أمام ما يجري في فلسطين، فأنيرونا يرحمكم الله، حتّى نجد لكم عذرا، عدى الخيانة والتواطؤ وبيع الأوطان أم هو بسبب الخوف الذي يسكنكم باعتبار حبّكم للكراسي و تشبثكم بالحكم حتّى ولو كان ثمن ذلك حياة ومستقبل فلسطين الجريحة؟ و لكن تأكدوا و أنّ الدّور قادم عليكم ليتهمكم الذئب فرادى؟

الأفعال بخواتيمها

وتبقى العاهرة الشخص عاهرة نعم، ولكن العهر الموضعي الفردي أهون بكثير من العهر المسؤول، و العهر السياسي المفضوح، و هو عهر للأسف غير قابل للتوبة…
لأنه كم من عاهرة بالجسد تاب الله عليها و أصبحت ذا شأن بل البعض من هن وصلن حتّى إلى سدّة الحكم و لكن هذا العهر السياسي يبقى بلا دواء و بلا توبة إلى أن يرث الله الأرض و من عليها و عندها يكون الحساب عسيرا لا على العاهرة بالجسد فحسب بل و على من مارس العهر السياسي و بامتياز و منها الأنظمة العربية و الاسلامية الصامتة أمام كل ما يجري على الأراضي الفلسطينية و في حق الفلسطينيين من قتل وهدم وتهجير قسري و مصادرة لكل الحريات؟
فالكل عاهرات و لكن لكل درجته في العهر و شخصيا أفضل العاهرة بالجسد، لأنها قد تكون مدفوعة إليه بحكم الظروف الاجتماعية ولكن عهركم السياسي هو اختيار منكم عليكم تحمّل تبعاته؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى