صالون الصريح

عيسى البكوش يكتب/ الرفيق محمد بن عثمان (1945-2024): أحد الوطنيين الأخيار كما عرفته…

ISSA BACCOUCH
كتب: عيسى البكوش

تمّ يوم الأحد الفارط تشييع جثمان الرفيق محمد بن عثمان في جنازة مهيبة إلى مثواه الأخير بمقبرة سيدي يحي إلى جوار والده الرسام ورجل المسرح المنعّم محمود بن عثمان ووالدته المنعّمة شريفة النيفر وأخواته جليلة والدة العلاّمة الجهبذ عبّاس البحري وهادية مزالي وثريا.

ولمن لا يعرف هذا الرجل الهمام فإنّه ليكفيني وأنا الذي صادقته منذ أكثر من 55 عاما أن أختزله في كلمات ثلاث ‘أحد الوطنيين الأخيار’.

خدمة الناس

لقد نشأ في بيئة من أركانها أعلى الفضائل وأغنى القيم.
ولقد جبل منذ شبابه على خدمة المجتمع والتطوّع من أجل تطوّر المجتمع ونصرة المحرومين ومقاومة الفساد أيّا كان منبعه وأينما كانت تمظهراته.

وليس من الغريب أن ينضمّ حالما أكمل دراسته العليا إلى مؤسسة هي من أهمّ مؤسسات الدولة المدنية: الصندوق القومي للضمان الاجتماعي، ولم يغادره إلا مرتين: الأولى عندما اصطفاه الوزير محمد الناصر للعمل في ديوانه بوزارة الشؤون الاجتماعية، والثانية عندما انتخب نائبا عن جهة تونس 2 في البرلمان.
ولقد نال ثقة ناخبيه في منطقة العمران والجبل الأحمر وباردو التي أبلى كلّ البلاء في خدمة متساكنيها عندما تحمّل وِزر الجامعة الدستورية المحلية..

عطاء وإخلاص

لقد عرفته فعلا وهو ما زال طالبا في المدرسة العليا للتعاضد وكنت وقتئذ أمينا عاما مساعدا لاتحاد الطلبة، ومن ذلك الزمان لم نفترق قطّ، ولقد عاش معي ومع زمرة الإخوة الخلّص كلّ النضالات التي خضناها والمحن التي واجهناها إبّان انعقاد المؤتمرين السابع عشر بالمهدية والثامن عشر بقربة، فجازاه الله خيرا على عطائه وإخلاصه. لقد تحاببنا في الله ولم يكن ولاؤنا إلا للوطن وحده.
ثمّ من بعد ذلك شدّ الفقيد أزري في مراحل أخرى من حياتنا التي مهما طالت فهي إلى وقت معلوم.
لقد انخرط إلى ذلك في الحياة الاجتماعية والثقافية وأبلى فيهما كما لم يبلو أحد إذ أنه عمل السنين الطوال في الاتحاد الوطني لأصحاب الهمم وشغل فيها خطة أمين مال إلى جانب رئيسها الدكتور الصديق الجدّي ثمّ بمثل تلك الخطة تحمّل في صلب هيئة الرشيدية إلى جانب رئيسها المنعم محسن بولحية.

عازف بارع

لقد أشرف داخل هاته الجمعية على الدروس التي استفاد منها كمّ هائل من الموسيقيين الشبّان. وهو وإن لم يتلق درسا في الموسيقى فلقد كانت له أذُن موسيقية عجيبة، وكان يعزف على جلّ الآلات لأنّه تمكّن من ذلك بالسماع.
لقد كان برّا بوالديه وقلّ أن يوجد مثيل له، ولقد كان ” يتغذّى” من عطاء والده الفنان الملهم والمترجم القدير وبالخصوص مسرحيات موليير حتى أنه أعدّ كتابا ضمّنه أشهر اللوحات المرسومة.

مشهد رائع

ولقد أوكل لي وإلى الصديق علي اللواتي مسؤولية كتاب التوطئة لهذا العمل الفنّي. ولقد آثرت فيما يخصّني أن أتحدّث عن مشهد رائع سجلته في مخيلتي وهو في ليلة زفافه سنة 1976 أشار إليّ الفقيد بأن نصطحب سي محمود إلى البيت مغادرين قاعة النزل مقام الفرح وترك زوجته جالسة لوحدها على المنصّة ولمّا وصلنا حمل الابن والده إلى الفراش ثمّ قبّل جبينه ويده وقفلنا إلى النزل وكأنّ شيئا لم يكن ولكن أي شيء كان ” أليست هذه لوحة نستشفّ من خلالها معدن الرجل الذي افتقدناه في أيّام العيد.
هذا الرجل الفرد الذي أهدى بفضل الله إلى المجتمع ثلاثة دكاترة أسماء وريم في علوم الأحياء وهند في علم العمران وتترأس هذه الأخيرة الجمعية التونسية لمخططي المدن.
رحمك الله أيها الرفيق الحميم وأسكنك فردوس الجنان ورزق معشر الوطنيين الذي صدقوا الله وما بدّلوا تبديلا، جميل الصبر والسلوان
وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى