صالون الصريح

الأمين الشابي يكتب: هل تحوّلنا إلى عبيد لهواتفنا رغم خطورتها؟

Amine Chebbi ce
كتب: الأمين الشابي

هل يمكن القول و أنّ الإنسان أصبح بالفعل عبدا للهاتف الجوّال؟ فهو يتجوّل معه أين ما ذهب و أنّي له أن يحلّ؟ فهو يجلس معه على مائدة الإفطار؟ ويحتسي معه القهوة الصباح وشاي المساء؟ و يسهر معه أحيانا حتى مطلع الفجر؟…

بل أكثر من هذا يجعله يعيش منفردا رغم كثرة الحضور بجانبه؟ وينام وهو في أحضانه؟ و انطلاقا من هذه العبودية الجديدة و الطوعية، أسأل، هل بإمكان الإنسان أن يعيش و لو يوما واحدا بدون هاتفه الجوال؟ حتّى لا نقول إمكانية التخلص من هذا الإدمان ؟ فهل هي الصداقة الحميمية تجعل الإنسان مدينا لهذا الحدّ لهذا الكائن الغريب؟ وهل من الممكن التخلص منه باعتباره و أنّ مضرته تفوق منافعه؟

الاستعمال المفرط فيه مخاطر كبيرة

الهجمة الكبيرة لجهاز الهاتف الجوّال على حياة الإنسان وسيطرته كليا على وقت الانسان، بل واجتياحه لكل تفاصيل حياته، لم يترك هذا الجهاز للشخص ولو منفذا صغيرا للتخلص منه و لا حتى مهلة للتفكير في ما يمكن أن ينجرّ عن انخراطه في عالمه.
حيث فرض هذا الهاتف الجوال، على كلّ الشعوب، و لم يترك و لو فسحة للتفكير في المخاطر التي قد تتمخض عنه عند الإفراط في استعماله. و بالتّالي، و بالرغم عن الإيجابيات في استعمال هذه الوسيلة، من فتح أفق أرحب للتواصل مع كلّ العالم – و في أي مكان – صوتا و صورة أو عبر الرسائل النّصيّة و الاطّلاع عمّا يحدث في العالم بطريقة سريعة، و غيرها من المزايا الكثيرة، إلاّ أنّه يمثّل أيضا العديد من المخاطر سواء على صحة الإنسان خاصة الأطفال والنساء الحوامل و المدمنين على استعماله بلا توقف فضلا عن تأثير ذلك عند استعماله عند السفر بالطائرة و أيضا على الأخلاق العامة.

صحة الإنسان إحدى الضّحايا

الهاتف الجوّال ـ وما في ذلك أدنى شك ـ يمثّل خطرا محدقا على حياة الإنسان. فإنّ قلب الإنسان قد يكون الضحية الأولى لهذا الجهاز، و ذلك عبر ذبذبات البث التي قد تؤثر بشكل مباشر على تنظيم ضربات القلب. فضلا عن الإشعاعات التي قد تحدث تغييرات على أداء الجسم، و التي قد تؤدي إلى احتمال الإصابة بأورام سرطانية خاصة في منطقة الدّماغ. و هذا ما أثبتته بعض الدّراسات الأمريكية. وعليه أطلقت هذه الجهات العلمية صيحة فزع خاصة عند ترك الهواتف الجوالة بين أيادي الأطفال كأداة للعب لإلهائهم، لأنّ خلايا المخ في هذه السّن تنمو بسرعة، و بالتالي يؤدّي تعرضها للموجات الكهرومغناطيسية إلى مخاطر صحية عند الأطفال.. فضلا عن توصية للتقليل من استعماله لدى النساء الحوامل باعتبار تأثيره المزدوج على صحّة الأم و الجنين.

وعلى سلامة السفرات الجوّية

وإن تعرضنا، سابقا، إلى المخاطر عموما على صحة الإنسان، فما بالك بمدى تأثير هذه الهواتف الجوالة على التجهيزات و الآليات الأخرى. و كتمهيد لهذه التأثيرات السلبية في مجال الطيران، نطرح سؤالا مفاده، لماذا يطلب من ركاب الطائرة إطفاء هواتفهم الجوالة؟ الجواب، ببساطة، يقول أنّ إمكانية التشويش على أجهزة الطائرة و هي في الجوّ واردة جدّا، و ما يمكن، لا قدّر الله، أن ينتج عن ذلك من حوادث خطيرة. و عليه استمرت شركات الطيران على حظر استخدام الهواتف المحمولة.
فضلا عن مشاكل أخرى تتعلق بترابط الشبكات اللاسلكية بسلسلة من الأبراج حيث تصبح هذه الشبكات مثقلة بالأعباء إذا كان جلّ الركاب بالطائرة يستخدمون هواتفهم الجوالة. و هذا ما أدّى بشركات الطيران إلى فرض شروط معيّنة في استعمال الهواتف الجوالة داخل الطائرة و ذلك لأسباب تتعلق بالسلامة خاصة عن الإقلاع أو الهبوط.

…ويبقى الإدمان هو المعضلة

للتأكيد على إدمان الأشخاص على استعمال الهاتف الجوّال، يكفي أن تلاحظ، إن كنت في الشارع أو في المقهى أو في السوق أو الفضاءات التجارية الكبرى أم عند قيادة السيارة أو الحافلة أو حتى في البيت، كيف الكل ودون استثناء منسجم مع هاتفه الجوال وكأن كل هذه الأمكنة خالية أمامه. الكلّ يتحدث، الكلّ يفاوض، الكلّ يحاور، و بدون أن ننسى عمليات الإبحار الأخرى.
وتأكيدا لهذا الإدمان، تجد حلقة كبيرة من رواد المقاهي مجتمعين و كأنهم غير مجتمعين. ” كلّ فول لاهي في نوارو ” و لا أحد يهتم للآخر، فهم جمع في شكل فرد .. و حتى داخل البيت، الكل يتغنى بليلاه : الأب و الأم و الأبناء و لا أحد معني بجهاز التلفزيون المفتوح و لا أحد مهتم بما يتمّ بثه؟ و لا أحد يتحاور مع أخيه أو والديه ؟ و هنا نضع سؤالا ملحا للغالية و مفاده هل يمكن ترشيد استعمال هذا الهاتف الجوّال؟ و كيف..؟

ضرورة الترشيد

في هذا الباب بالذات نقرّ و نعترف و أنّنا ” بحرنا ” و جرفنا الطوفان أمام العدد المهول لمستعملي الهاتف الجوّال و خاصّة في غياب ادراك ما ينجرّ عنه من مخاطر وسلبيات. و السؤال هنا، وهو موجه لأهل الذكر، يقول هل من الممكن أن نحدّ من مخاطر هذا الاستعمال المفرط؟ و بالتالي إيقاف هذا النّوع الجديد من الإدمان الذي يعصف بالجميع؟ و يهدد الجميع ؟
وهل الحملات التحسيسية قادرة على إيقاف هذا النزيف صحيا وماديا؟ و من هي الشريحة التي الأولى بهذا الترشيد و التوعية؟ الأكيد هم الأطفال، و ذلك انطلاقا من المدارس و المعاهد، و عبر تنظيم حملات توعوية بهذه المدارس، يشارك فيها المهندس في هذا المجال و الطبيب النفساني و المربي. باعتبار تأثير هذا الإدمان الإلكتروني على المستوى الذهني و الفكري و السلوكي لدى الأطفال؟ هل العودة إلى تعاطي الأنشطة الرياضية بالمدارس و العودة إلى النوادي بالمدارس و المعاهد قادرة على الحدّ من هذا الإدمان الإلكتروني؟ ننتظر أهل الاختصاص لإفادتنا..؟

كلمة الختام

نقول في الختام، أنّ كلّ ما رصدناه من أضرار سابقة هي أضرار صحية. بحتة و لكن هناك مضرة أخطر و لا تقلّ أهمية عن الأولى. هي المضار الأخلاقية و ما تمثله من خطر أخلاقي على المجتمع ككل. فاستعمال الهاتف المحمول في أغراض لا أخلاقية، كإزعاج و معاكسة الآخرين و بدون التكهن بما قد يتسبب ذلك فيه من ضرر معنوي للآخرين. كأن يتم ارسال صور و أفلام لا علاقة لها بالأخلاق الحميدة، تصبح هاجسا يقض مضاجع الأولياء خاصة على أبنائهم الذي هم في طور المراهقة.؟
ولكن السؤال الذي لابدّ من الإجابة عليه أيضا من قبل المختصين يقول هل نحن فعلا أصبحنا عبيدا – و برضائنا – لهواتفنا الجوالة؟ و هل أصبحت هذه الهواتف شرّا لا بدّ منه؟ و لإن هو، حاليا، تمكّن منّا و سيطر على عقولنا و كل حواسنا إلى درجة الإدمان، فهل سيأتي اليوم الذي نعي وندرك أخطاره الصحية و الأخلاقية التي يسببها لنا ؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى