صالون الصريح

الأمين الشابي يكتب: عدم إضفاء المشروعية على المقاومة وترسيخ الاحتلال هي أهم أهداف الكيان

chebbi
كتب: الأمين الشابي

أعتقد جازما أن الكيان أراد بعد أحداث 7 أكتوبر استغلال الفرصة لشيطنة المقاومة وعدم إضفاء عليها المشروعية و محاولته الجادة لتمرير هذه السردية لكل العالم. والكلّ يستحضر شتّى النعوت التي استحدثها الكيان الصهيوني لرمي المقاومة في مقتل وتصويرها على أنّها إرهاب، فضلا عن نعت المقاومين بكونهم حيوانات بشرية لابدّ من القضاء عليهم و لا حق لهم في الحياة.

سردية كاذبة

ومن هنا يتّضح جليا وأن الكيان انتهز أحداث 7 أكتوبر لترسيخ الاحتلال وإقناع العالم – عبر الكذب و التلفيق و ابتداع السرديات التي تناسب تحقيق هدفه بأنّه لا وجود لمقاومة سوى عصابة إرهابية و إجرامية. ولكن هناك عدّة أسئلة تفرض نفسها ومفادها، متى كانت مقاومة الاحتلال إرهابا؟ وما موقف القانون الدولي في التفريق بين المقاومة والإرهاب؟ ولماذا صمتت الأنظمة العربية والإسلامية على نعت المقاومة بالإرهاب؟ وهل نجح هذا الكيان في تمرير هذه الكذبة أم خابت كلّ مساعيه؟

متى كانت مقاومة الاحتلال إرهابا؟

ما إن انطلقت عملية ” طوفان الأقصى ” حتّى كشّر الغرب المتحضر جدّا وانساق مع السردية الصهيونية بكون المقاومة إرهابا لابدّ من التصدي لها. بدليل أكثر من مسؤول غربي انخرط في هذه الجوقة. ولعلّ في مقدمتهم الرئيس الأمريكي ” جون بايدن ” الذي وصف المقاومة الفلسطينية على أنّها ” تنظيم إرهابي ” ولا فرق بينها وبين داعش. وبالتالي لا بدّ من التصدي لهذه المقاومة وانهاء وجودها تماما.
ولو تطلب الأمر حرق الأرض وتهجير كلّ الفلسطينيين؟ بل ما هو خطير في الأمر هو إصرار بعض الأقطاب السياسية والثقافية في الغرب بوصف حركات المقاومة بالإرهاب؟ و قد تناست هذه الجهات حركة المقاومة في الغرب الني تصدت للاحتلال النازي.. أمّا الأمر يتعلق بازدواجية المعايير؟
عند الغرب مقاومة في وجود النازية وفي فلسطين إرهاب في وجود المحتل؟ بل وأطرح على الغرب سؤالا واحدا يقول، كيف يتنكّر هذا الغرب لحق المقاومة في فلسطين ولا أعرف كيف لا يخجلون حين يصبح كلّ من يعمل لصالحهم مقاوما ومناضلا. ومن يعمل ضدّ مصالحهم، إرهابيا ولو كان دفاعه مشروعا ويصبّ في مصلحة بلاده؟

هذا التناقض المدقع في الفكر الغربي ” يلزمو عزّام ” حتّى يفهمه الشخص العاقل والموضوعي.. وإلاّ اختلط الحابل بالنابل واختلطت قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان بالاحتلال والاستعمار في ظل تناقض صارخ لهذه المفاهيم؟ بل والخطير فعلا والغريب أنّ الغرب استغل تنظيمات إرهابية و على رأسها داعش لتحقيق مصالح له و ذلك عبر تزودهم بالتنظيم و الخطط و المال و السلاح؟ بربكم عن أي إرهاب هذا الغرب يتحدث؟
وما موقف القانون الدولي و مدى التفريق بين المقاومة والإرهاب؟

خلط بين المقاومة والإرهاب

دون الخوض وارهاق القارئ في حيثيات القانون الدولي، نقول وباختصار شديد وأنّ القانون الدولي أعطى حق مقاومة الاحتلال، وذلك في ظل ما أقرته اتفاقية جينيف لسنة 1949. ولكن هذا الخلط المستراب والدمج المتعمد بين ” الإرهاب ” و ” المقاومة ” مازال مستمرا ليومنا هذا، رغم أنّ المقاومة في نظر القوانين الدولية والشرائع السماوية والتجارب والممارسات الإنسانية عملا مبررا وشرعيا بل ونبيلا وجديرا بالاحترام والتقدير.
وذلك في تناقض صارخ مع الإرهاب الذي يعتبر عمل عدواني أعمى لا يمكن أن يحظى بأي تعاطف أو تقدير، وبالتالي مقاومة الاحتلال وبكل الوسائل المتاحة حق مشروع ومكفول بالمواثيق الدولية والأعراف الإنسانية. وهو أيضا دفاع مشروع في كل الشرائع والأديان. وعليه من حق الشعوب المحتلة أن تهبّ وتتصدى لمواجهة قوى الاحتلال المعتدية على أرضها ومقدراتها وانسانيتها وكرامتها.

حق مقاومة الاحتلال

ووضع فلسطين لا يخرج عن هذه الدائرة، بكونها دولة محتلة من قبل الكيان، وبالتالي لماذا هذا المدّ الغربي لإنكار حق الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال الصهيوني والدفاع عن أرضه وشعبه وعرضه؟ وما يجلب الانتباه هو إصرار بعض الأنظمة الغربية على وصف المنظمات الإسلامية بالإرهاب؟ في حين أنّ الأمم المتحدة أقرّت حق المصير للشعوب بالاستقلال والتحرر بقطع النّظر عن من يقوم بعملية مقاومة الاحتلال.
وموقف الدول الغربية التي ترى في المقاومة الفلسطينية إرهابا يتناقض تماما مع موقف الأمم المتحدة.. وبالتالي السؤال الذي يطرح نفسه، أي المراجع نعتمد للتمييز بين المقاومة والإرهاب؟ هل نتبع مواقف بعض الدول التي تبحث عن مصالحها و ما يحدث في فلسطين و تحديدا في عزّة كشف و جليّا مدى الانسياق الأعمى للغرب مع السردية الصهيونية ؟ أم نعتمد رأي الأمم المتحدة التي تعمل على إقرار الحقوق لكل الشعوب وعلى رأسها حق مقاومة الاحتلال؟ أم نعتمد على القانون الدولي والشرائع السماوية التي تؤكدّ حق المقاومة من أجل التحرر من نير الاحتلال؟

لماذا صمتت الأنظمة العربية والإسلامية؟

الأكيد أن المقاومة الفلسطينية أبلت البلاء الحسن في مقارعة الاحتلال وتحميله خسائر لم يقرأ لها أي حساب في العتاد والأرواح والأهم من هذا في جعل معنويات العدو تحت الصفر، وهذا بشهادة العدو الصهيوني نفسه، بالرغم من عدد الضحايا المرتفع في صفوف المدنيين الفلسطينيين والدمار الذي شمل كل مناحي الحياة. ولكن في خضم هذا كلّه سؤال يطرح نفسه ومفاده، ما تبرير هذا الصمت المدقع للأنظمة العربية والإسلامية؟ هل هناك أسباب موضوعية لصمتها؟ هل فعلا هي أنظمة عربية وتنطق بلغة الضاد؟ وهل هي دول إسلامية تنتمي للدين الإسلامي الحنيف؟

أ لا تعمل هذه الدول العربية والإسلامية وأنّ لحركات المقاومة لها شرعيتان، الأولى دينية إن كانت مسلمة. والثانية فطرية إنسانية، بغض النّظر عن الدين التي تعتنقه، والشرعية الدينية، فالأدلة عليها لا تحصى ولا تعدّ، في القرآن الكريم وفي السنة النبوية الصحيحة. وأمّا الشرعية الإنسانية فتتمثل بقواعد الحرب وهي أيضا من لبّ الدين الإسلامي.
وهذا يعني وأن الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى والمتعبدون والأشجار والأنهار والزرع والضرع، هي ليست أهداف في الحرب؟ بل نضيف وأنّ التمثيل بالجثث غير مسموح به، والأسير له حق الرعاية.

انتهاك صارخ

كلّ هذا ينتهك، في حق الفلسطينيين، من قبل الكيان والأنظمة العربية والإسلامية لا تحرّك ساكنا بل اكتفت بدور المتفرج والخطب الرنانة والمواقف المحتشمة و الوساطات التي سوّت بين الجلاد و الضحية؟ أتمنى كمواطن عربي ومسلم أن تفيدنا هذه الأنظمة العربية، المغلوبة على أمرها، ولو بسبب واحد يفسّر صمتها وموقفها السلبي تجاه ما يجري في الأراضي الفلسطينية؟ فماذا يعني ذلك؟ هل غاب الضمير الإنساني؟ هل غابت النخوة العربية والإسلامية؟ هل أنتم مع الفلسطينيين أم ضدهم؟ بالله عليكم إن كان العدو واضح وجلي لنا كشعوب عربية، فأنتم كأنظمة عربية وإسلامية مع من؟ أجهروا بموقفكم حتى نتبيّن حقيقتكم؟ وأسقطوا أقنعتكم حتّى نعرف حقيقة وجوهكم؟ أمّا الوقوف في المنطقة الرمادية فهو أخطر من عدو واضح؟ وبالتالي هل أنتم مع الكيان الصهيوني المحتل أم مع المقاومة العربية / الاسلامية؟

هل نجح الكيان في جعل حماس منظمة ‘إرهابية’؟

يبدو وأن السحر انقلب على الساحر فيما روّج له الكيان، بعد 7 أكتوبر، على أنّ حماس منظمة إرهابية. وبالرغم من انسياق الأنظمة الغربية وتماهيها مع هذه السردية في البداية، فإن الساحة الدولية عرفت تراجعات عديدة في مواقفها. بل يمكن التأكيد على أن هذا الكيان هو من أضحى في نظر العالم ارهابيا بامتياز. و ذلك أمام فضحه، بالصوت و الصورة، عللا أساس ما ارتكبه هذا الكيان من فظاعات في حق المدنيين الفلسطينيين، من إعدامات ميدانية و هدم البيوت على رؤوس ساكنيها و هدم المستشفيات و المدارس و المساجد و الكنائس و تجريف البنى التحتية و ممارسة الإرهاب بكل أشكاله و بدون التمييز بين المدنيين العزل من نساء و أطفال و شيوخ و بين المقاومين..

بل يمكن القول وأن الكيان خسر على أكثر من صعيد. خسر عسكريا وخسر إعلاميا و خسر ترويجيا وخسر معنويا ـ على أنّه ضحية بدليل التحركات الشعبية التي تدين أفعال و اجرام هذا الكيان بالآلاف و يوميا. وهذا ما يفسّر تراجع بعض الأنظمة الغربية عن مواقفها الأولية وبدأت تشعر بالحرج الكبير أمام شعوبها الذي يتهما بالوقوف مع اجرام اسرائيل.

مع الملاحظة وأن الكيان يسعى جاهدا وبكل الوسائل وعلى كل الأصعدة، اجهاض كافة المحاولات لإضفاء الشرعية الدولية على حركة المقاومة حماس خاصة بعد إصدارها أخيرا وثيقة سياسية جديدة، تحمل لأول مرّة مبادئ وسياسات أكثر اعتدالا. لذلك سيبذل الكيان أقصى جهده من أجل حرمان حماس من أي دور سياسي في القضية الفلسطينية. حيث عرفت الحركة نفسها في هذه الوثيقة على ” أنّها حركة تحرر ومقاومة وطنية فلسطينية إسلامية، هدفها تحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني، ومرجعيتها الإسلام في منطلقاتها وأهدافها ووسائلها ”
والسؤال هل تنجح المقاومة في قلب الطاولة على من وصفها بالإرهاب ويتبادل كل منهما الأدوار؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى