صالون الصريح

الأمين الشابي يكتب: شهادة حيّة عن ‘عم علي بن سالم’… المناضل الذي وهب حياته لتونس..

chebbi
كتب: الأمين الشابي

عمّ علي المحبّ لبورقيبة…نعم هو غادرنا جسدا، و لكنه يعيش في داخل الجميع من أبناء بنزرت و حتّى خارج بنزرت. فـ ‘عم على بن سالم’ الذي فارقنا أخيرا ( 27 جويلية 23023 )، له شبكة علاقات تجاوزت المحلي و الجهوي و الوطني أيضا…

لأنّه، أوّلا، انسان و ما تعنيه هذه الصفة التي أصبحنا نفتقدها في زماننا هذا، و هو مناضل صادق و معارض شرس، كيف لا وهو الذي وهب حياته منذ شبابه إلى الوطن، و غادرنا و هو موشح بالعلم وقلبه ينبض حبّا لهذا الوطن.

سجنوه 11 عاما

بل حتّى من كان سببا في سجنه في الحقبة البورقيبية، و لمدّة 11 سنة، صرّح أمام الملأ و عبّر بالقول بأنّه قد سامح من كان وراء ذلك، لأنّ قضيته مع الوطن وليست مع الأشخاص فالوطن باق و الأشخاص زائلون، بل و اعترف في كلّ تصريحاته السابقة بأنّه محب لبورقيبة و يكّن له كل التقدير و الاحترام رغم كلّ ذلك…

خيّب الإعلام الظن بغيابه..

وحتّى نوفي هذا الرجل حقّه، لأنّنا رصدنا عدم اهتمام الإعلام عموما برحيل هذا العزيز على الوطن بأكمله، و لا على بنزرت فقط، باستثناء جريدة الصريح أون لاين التي خصّ له فيها، الأستاذ صالح الحاجّة، ‘نقشة’ مؤثرة جدا بمناسبة رحيل هذا المناضل الفذّ، نرى من واجبنا و لزاما علينا إلقاء بعض الضوء على حياته، و التي قضى معظمها، إمّا في النضال ضد المستعمر الفرنسي لينال حكما بالإعدام، أو في غياهب السجون بعد الاستقلال أو في معارضته الشرسة ضدّ حقبة بن علي وأيضا الدور الإيجابي الذي لعبه زمن الثورة.

من هو عم علي بن سالم؟

عم علي بن سالم، كما يحلو للجميع مناداته بذلك، هو من مواليد 1930 ببنزرت وأصيل الجهة، كان فنّيا ببلدية بنزرت بقسم الأشغال البلدية.. وكان دائما إلى جانب الحق و لا يتوانى عن التعبير عن رأيه مهما كان الشخص أو الجهة التي أمامه. و كان الفقيد خدوما مطيعا لأبناء جهته.
بل قد لا نوفيه حقّه إن قلنا بأنّه وهب كل حياته إلى وطنه منذ نعومة أظفاره، مما جعل محطات حياته متقلبة إلى حدّ كبير فعاش مطاردا زمن الاستعمار، وسجينا زمن بورقيبة و تحت رقابة البوليس السرّي زمن بن علي.
و هو متزوج و له أبناء وأحفاد. و نشير إلى أنّ زوجته الأولى توفيت و هو قابع وراء القضبان، ولكن ما حزّ في نفسه أكثر هو عدم السماح له من قبل السلطات وقتها بحضور جنازة والدته، حسب ما صرّح لنا به في احدى الحوارات المطولة معه، بجريدة الصريح، ذات جانفي 2011 .
وفي هذا الإطار، لا أنسى – وأني من أجل إجراء هذا الحوار- كيف غامرت للتنقل ليلا من تونس إلى بنزرت لأجري حوارا شاملا مع المناضل عم علي بن سالم – بعد أن تمّ تكليفي بذلك لفائدة جريدة الصريح – و لا أدري من أين استقيت تلك الشجاعة لأقبل بتلك المهمة الصعبة حتى لا أقول المستحيلة باعتبار خطر الطريق ومفاجآته و الوضع اللا مستقر التي تشهده البلاد عموما في تلك الفترة.
وبالفعل توجهت من تونس إلى بنزرت مع المساء و أجريت الحوار بمنزل عم علي ليلا، و عدت مع منتصف الليل في اتجاه تونس، و بدون أن أقف على بعض التفاصيل أذكر فقط كيف غامرت و اجتحت بالسيارة بعض العجلات المشتعلة في بعض الطرقات و الأنهج، و كيف تمّ ايقافي في نقطة تفتيش اعتقدت أنها تابعة للأمن… ولكن ما ان توقفت حتى تبيّن لي و أن بها عش دبابير من الصعاليك و من ألطاف الله أنّي نجوت بأعجوبة. و بالتالي تمّ نشر هذا الحوار- على أعمدة ” الصريح ” و الذي توقف عند العديد من محطات نضالات عم علي بن سالم و المعاناة الأسرية و الشعور بالضيم و الغبن و الظلم فضلا عن معاناة السجون و ما تسبب له من أمراض مزمنة.

عمّ علي المناضل الذي وهب حياته للوطن

” المرء حديث بعده ” كما يقال، و عم علي بن سالم، سوف لا و لن يتوقف الحديث عن مسيرته النّضالية سواء زمن الاستعمار أو زمن الاستقلال، بحقباته الثلاثة، البورقيبية و النوفمبرية و ” زمن الثورة “.

زمن الاستعمار، حوكم بالإعدام

في زمن الاستعمار، شارك عم علي، ضمن نخبة من الوطنيين في معركة التحرير سنة 1952 و قاوم و قارع الاستعمار الفرنسي و نال حكما بالإعدام لكنه تمكّن من الفرار و التجأ إلى ليبيا أين تلقى تدريبا هنالك ثمّ عاد إلى تونس ليلتحق بالمقاومين بالجبال.
كما قاد مجموعة من المتطوعين في معركة بنزرت في جويلية 1961 قبل أن يقع في أسر الاستعمار الفرنسي، إثر إصابته بشظايا في أسفل الظهر و الرقبة، ليتمّ اطلاق سراحه في اطار تبادل للأسرى بين الجيش الفرنسي و الحكومة التونسية.

زمن الفتنة اليوسفية و حكم بـ11 سنة سجنا

كما هو معلوم ودون الدخول في ملف الفتنة اليوسفية فالتاريخ سيتولى حقائق الأمور ما في ذلك شك، نقول فقط و أن عم علي بن سالم شارك سنة 1962 في المحاولة الانقلابية ضدّ النظام البورقيبي و ذلك فيما يعرف بالفتنة اليوسفية، و قد حوكم على اثرها بمدّة 11 سنة سجنا ثمّ اطلق سراحه سنة 1973. و في هذا الإطار يقول السيد بشير السحباني، الكاتب العام للاتحاد الجهوي ببنزرت واصفا وضع أولئك المساجين اليوسفيين ” لقد ساقني الفضول لزيارة الزنزانة التي سجن فيها المرحوم، كانت زنزانة شاهقة و مظلمة، تغطيها الرطوبة و الماء يقطر من جدرانها، بها نافذة لا تزيد عن 200 سم مربع حيث يربط السجين هنالك من رجله بسلسلة في كرة حديدية كبيرة جدا. و لا يخرج المساجين منها إلاّ ساعة واحدة في اليوم. كما تقدّم لهم وجبة واحدة في اليوم، و هي عبارة عن ” ربع خبزة بايتة و منفخة في الماء و أحيانا بالحمص” مثل الكلاب تماما.” و لكم أن تتخيلوا ما عاناه عم علي طيلة 11 سنة و هو على تلك الحالة و في ذلك الوضع؟

كان مناضلا حقوقيا و مدافعا شرسا

شارك عم علي بن سالم في تأسيس فرع بنزرت للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان سنة 1981، وهو أيضا عضو مؤسس للمجلس الوطني للحريات و عضو مؤسس ونائب رئيس للجمعية التونسية لمناهضة التعذيب و ودادية المقاومين. كما تولى رئاسة مجلس نواب الشعب في أولى جلساته بعد انتخابات سنة 2014 وهو الذي ترشح على قائمة نداء تونس.

وكان عم علي بن سالم من أشرس المعارضين لحكم بن علي إلى درجة كان يرابط الأمن، وقتها، أمام بيته ليلا و نهارا، و من حين لآخر تتمّ مداهمة بيته و يتم اقتياده إلى مخفر الشرطة. وكان جلّ المناضلين الحقوقيين، زمنها، يزورونه في بيته الذي جعل منه مقرا لفرع ببنزرت للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وذلك على غرار محمد المنصف المرزوقي و المختار الطريفي و السيدة راضية النصراوي، زوجة حمّة الهمامي، وغيرهم..

وداعا أيّها الإنسان و المناضل و الوطني ..

ها قد غادرنا عم علي بن سالم، يوم 27 جويلية 2023 و وري جثمانه الطاهر الثراء و ذلك، في جنازة مهيبة، حضرها والي الجهة، سمير عبد اللاوي، و عائلة الفقيد المصغرة و عائلته الموسعة، التي عاشرته و عرفته عن قرب سواء في ساحات النضال و في غيرها . و ما أجمل أن نراه و هو محمول على الأكتاف و موشح بعلم البلاد اعترافا بما قدّمه من تضحيات في سبيل تونس، و في سبيل عزتها، و في سبيل تحريرها، و في سبيل الدفاع عن حقوق الانسان والمواطن .

وعم علي بن سالم يستحق وصفه و عن جدارة بشيخ المناضلين، لأنّه رغم تقدمه في السن ( 93 سنة ) لم يغب و لا يوما ( رغم حالته الصحية ) عن أي تظاهرة ثقافية أو نضالية أو سياسية…
فهل ننتظر من الجهات الرسمية تخلّيد ذكرى هذا الوطني الحرّ و المناضل الفذّ، الذي أحبّ تونس كما لم يحبها أحد، و ذلك بإطلاق اسم عم علي بن سالم على أحد الشوارع الرئيسية ببنزرت و لم لا في العاصمة باعتبار و أنّ نضالاته تجاوز المحلّية؟
رحم الله عم علي بن سالم شيخ المناضلين و ابن تونس البار.. و إنّا لله و إنّا إليه راجعون ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى