صالون الصريح

أحمد القديدي يكتب: كيف أخطأت المخابرات الأمريكية في استشرافها لعصرنا؟ (الجزء 2 من 2)

كتب: د.أحمد القديدي

استعرضنا في الجزء الأول من المقال أبرز ملامح عصرنا اليوم حسب خبرائها وفيه نجاحات في الرؤية والتوقع و في هذا الجزء نستعرض أهم الإخفاقات التي اتضحت لنا بعد 20 سنة من تحرير التقرير و أبرزها غياب محاذير الحركات التمردية العربية التي أطلقنا عليها نعت (الربيع العربي)…

أين الربيع العربي؟

فلم نجد في التقرير ما يؤكد أن مركزية في حجم (السي أي إي) لم تستمع الى بوادر انتفاضات في حجم ما وقع عامي 2010 و 2011 حين تزعزعت أركان بعض دول عربية طالت أعمار رؤساء جمهورياتها إلى درجة التعفن و الانحلال…

ولكن التقرير أشار في الصفحة 112 ضمن الشرق الأوسط و شمال إفريقيا أن نسبة عالية من شباب تلك الدول بدأت تفكر في الهجرة بعد حصولها على شهادات من جامعاتها و لم تجد شغلا لا في إدارات الدولة و لا في مؤسسات خاصة.

مصدر قلق

واكتفى التقرير بالإشارة الى ميول شبابية ومجتمعية نحو الانتماء الديني بعد فشل الحركات القومية والوطنية والشيوعية في استقطاب الشباب المتعلم! وعدّد التقرير الملامح الأساسية الثلاثة عشر للمستقبل لما يسميه التقرير مواقع عدم الاستقرار أو النقاط التي يخيم عليها الشك أي في الواقع تلك التي لم يتفق بشأنها الخبراء الذين أعدوا التقرير وهذه النقاط هي:
1) صحيح أن العولمة ستتسع ولكنها لن تحل معضلة الدول الأقل حظا من التنمية وسيبقى الظلم على مستوى العلاقات الدولية مصدر قلق وأزمات حادة إذا لم يقع تدارك الهوة السحيقة في التنمية بين الشعوب.
2) ستكون الهوة الاقتصادية بين الأمم سببا مباشرا في تصاعد الحركات الدينية والعرقية المتطرفة وتتأخر الديمقراطية عن مناطق كاملة من القارات الفقيرة أي آسيا و إفريقيا.
3) سينطلق سوء تفاهم بين مناهج الحكم بين التقليديين والإصلاحيين في تحديد المرجعيات الفكرية للسلطة.
4) هل ستحل أوروبا مشاكلها الراهنة مع العمال المهاجرين المستقرين في الاتحاد الأوروبي و هل ستنجح القارة الأوروبية في الاندماج في دورة الاقتصاد العالمي مع مشاكلها القائمة بسبب العملة المشتركة اليورو و الفوارق التنموية بين أعضاء الإتحاد الأوروبي؟
4)إلى أي مدى سيتأثر سعر الطاقة والغاز والمواد الأولية بالمعضلات السياسية و العرقية للدول المنتجة للنفط والمعادن الثمينة و الضرورية للاقتصاد العالمي؟
6) كيف سيتوصل المجتمع الدولي إلى إيجاد صيغ مقبولة و متفق عليها للملائمة بين دساتيرها و قيمها و بين المواثيق الأممية و الدولية فيما يسمى اليوم بالخصوصيات الثقافية و التاريخية للأمم؟
7) هل سيحل العالم الإسلامي إشكالية تنامي ظاهرة الإسلام الجهادي؟ ومدى صمود استقرار بعض الدول المسلمة أمام المد الجهادي السياسي مع عدم حل الأزمات الإقليمية الراهنة وتحديدا في الشرق الأوسط (العراق سوريا مصر اليمن)؟
8) هل ستتوصل بعض التنظيمات العنيفة والإرهابية إلى امتلاك أسلحة الدمار الشامل البيولوجية والكيماوية والنووية في ظل الفوضى الحالية في العلاقات بين الدول؟
9) يتوقع سقوط بعض الأنظمة التي لم تدرك التفاعل مع التحولات الدولية وتطوير أساليب الحكم و التعامل مع المجتمعات المدنية و خاصة الأنظمة العسكرية أو شبه العسكرية..
10) ستتسبب المزاحمة حول امتلاك المواد الأولية ومصادر المياه الصالحة للشراب والري في أزمات إقليمية لن تتحول إلى صدام عالمي لكنها يمكن أن تصيب بالفوضى العلاقات الإقليمية، وقد لا تستطيع منظمة الأمم المتحدة إدارة هذه الأزمات (خاصة بلدان مجرى النيل أثيوبيا السودان مصر.
12) ربما يسير العالم إلى تصادم بين الاكتشافات التكنولوجية والطبية وبين النواميس الأخلاقية والدينية وبخاصة في المجال الهندسي الوراثي والإخصاب.
12) إمكانية تقدم كبير لبعض الدول في مجال التقنيات الإلكترونية لتتفوق حتى على الولايات المتحدة، مما يعقد قطاع التعاون بين المجتمع الدولي وهذه القوى الصاعدة.

خلاصة المفكر ألكسندر أدلر: الصدام بين الغرب والإسلام هو قدر العالم!

قرأنا أبرز الملامح التي يرسمها علماء مركزية المخابرات الأمريكية منذ عقدين لعالم اليوم لكن كاتب مقدمة التقرير يتلاعب بالنتائج ويسخرها لخدمة ايديولوجيته الشخصية عوض خدمة الحقيقة. فهو يقسم اتجاهات الإنسانية في مطلع القرن الحادي والعشرين إلى مسارين أساسيين يطلق عليهما شعارين من عنده و هما:
1- مسار دافوس.
2- مسار الخلافة.
ويقول الكاتب بأن مسار دافوس هو الذي اتفقت عليه الدول المشاركة باستمرار في قمة دافوس الاقتصادية التي تنتظم كل شتاء في جبال سويسرا وهو المسار الذي يكرس نهاية التاريخ باكتساح النموذج الغربي الليبرالي أو تحديدا الأمريكي للعالم بأسره، وهو المسار الذي ينعته الكاتب أيضا بالعولمة الأمريكية التي يقبل الجميع بتفوقها و يحتضنون قيمها السياسية و الثقافية دون عقد و القبول بها وصية على مصير البشرية باتساع استعمال وسائل الاتصال الإلكترونية التي هي أساسا أمريكية….
أما مسار ما أسميه الخلافة فهو المسار النقيض لمسار دافوس والداعي إلى قيام الوحدة الإسلامية، وهنا بالفعل فإن التقرير يقول في الصفحة 83 حرفيا بأن إمكانية قيام تنظيم سياسي عالمي خارج عن نطاق الدول القطرية مؤسس على حضارة الإسلام هي إمكانية لا بد أن نأخذها بعين الاعتبار و نقرأ لها ألف حساب.
وهذا يعني بأن خبراء المركزية الأمريكية يتوقعون قيام وحدة إسلامية لكن بالمعنى الاقتصادي و الثقافي والأخلاقي الحديث كما خطط لها رجال من أمثال علي عزت بيغوفتش و نجم الدين أربكان و مهاتير محمد والمفكرون المسلمون المعاصرون ويستعرض (ألكسندر أدلر) التحولات العميقة التي تعيشها القارة الأمريكية الجنوبية بأن عقيدة (شي غيفارا) تستلم السلطة.
يقول الكاتب: أن أمريكا اللاتينية ستنزلق تدريجيا نحو اليسار المعادي للولايات المتحدة بثبات منذ العام 2003، فالبرازيل ربما سيوصل للحكم الاشتراكي (لولا)، والأرجنتين لعله يوصل لسدة السلطة الزعيم البيروني الاشتراكي (نستور كيرشنار) و سيصل إلى الحكم في تشيلي (ريكاردو لاغوس) الاشتراكي المتشدد و في الأوروغواي سينجح المناضل (تاباري فاسكيز)، و تصاب البيرو والاكوادور بنفس أعراض الفنزويلي (هوغو شافيز) المعجب بالزعيم الكوبي ونفس التوجه نلاحظه في بوليفيا.

قارة حمراء!

المهم بأن قارة أمريكية متاخمة للولايات المتحدة أصبحت حمراء بفعل الانتخابات الحرة لا بفعل الثورات وهذا ما يقض مضاجع اليمين الغربي الذي يقول بأن الخطر القادم على مسار دافوس هو التلاحم بين أمريكا الجنوبية والوحدة الإسلامية!
فلنقرأ نحن المسلمين والعرب ماذا يخبأ لنا الغرب في توقعاتهم لأننا نحن أمة لا تستشرف المستقبل بعلم بل ترجم بالغيب وتتخبط دون تنسيق بينها.
ولهذا السبب نبارك قمة ماليزيا (18-21 ديسمبر 2020) لأنها بداية عصر وعي إسلامي استعجالي وضروري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى