صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب/ منع المناولة: قانون ينتصر لحقوق العمال وفيه تغيير من واقع العلاقة الشغلية..

slama
كتب: نوفل سلامة

في يوم عدّه البعض تاريخيا يُشبه ما حصل في أواخر القرن التاسع عشر حينما أقدم أحمد باي في حركة غير مسبوقة في ذلك الزمان على إلغاء العبودية في تونس وحرم الرق والمتاجرة بالبشر سنة 1846…

وفي سياق أريد له أن يكون شبيها بتحرير العبيد في المملكة التونسية زمن حكم البايات، صادق مجلس نواب الشعب يوم الأربعاء 21 ماي 2025 على القانون عدد 16 لسنة 2025 المتعلق بتنظيم عقود الشغل ومنع المناولة القضية التي شغلت بال الرأي العام وأخذت حيزا كبيرا من النقاش والجدل في علاقة بإنهاء كل آليات التشغيل الهش، وكل الظلم والحيف الذي يتعرض له العمال وكل الانتهاكات التي تطالهم نتيجة العلاقات الشغلية غير المتكافئة..والتشغيل القائم على الوساطة وعلى امتصاص عرق العامل وجراء آليات وطرق تشغيل تستغل الثغرات الموجودة في القانون لتحقيق مكاسب مالية والإثراء على حساب جهد وعرق العامل وإنسانيته وكرامته…

لن نعود اليوم للحديث على واقع العمل قبل صدور القانون الجديد ولا عن مبرراته ولن نتطرق إلى مبررات المناولة، وكيف انحرفت هذه الآلية عن مسارها الذي رُسم لها منذ حدوثها، ولن نعود إلى الأرقام والبيانات التي كشفت عن غياب العدالة الاجتماعية في بعدها التشغيلي وما حصل للكثير من الشباب العاطل الذي اضطرته الظروف إلى الرضوخ إلى عقود شركات المناولة، وإنما سوف نخصص الحديث حول أهم وأبرز المسائل الجديدة التي جاء بها قانون منع المناولة…

تنظيم عقود الشغل

في البدء تجدر الإشارة إلى أن قانون منع المناولة يتكوّن من أربعة أبواب تتناول بالتفصيل تنظيم عقود الشغل ومنع المناولة ويشتمل على عشرة فصول فصلان منها تتعلق بالأحكام الانتقالية وأهم ما جاء به هذا القانون أنه أنهى العمل بصيغة المناولة وجرّم عملية تشغيل العمال باستعمال طرف ثالث يكون وسيطا بين العامل وطالب الخدمة في مهام تكون أساسية ودائمة وضرورية داخل المؤسسة سواء كانت عمومية أو خاصة…
مع فتح الباب قليلا للجوء إلى شركات المناولة عندما تحتاج المؤسسة إلى القيام بأعمال فنية وظرفية لا تدخل من ضمن مهام المؤسسة ونشاطها الأصلي…

إنهاء الغموض

الجديد الآخر أن القانون قد حسم مسألة صورة العمل وأنهى كل الغموض بخصوص العلاقات الشغلية، بأن جعل القاعدة العامة والمبدأ العام والحالة الطبيعية أن يكون العمل دائما والعلاقة الشغلية مستمرة غير منقطعة وغير محددة المدة، وهذا مكسب للعامل الذي لن يصبح في المستقبل خائفا على مستقبله أو تصبح وضعيته الاجتماعية غير مستقرة ولا مريحة…
وهي صيغة طبيعية تحقق الاستقرار للإنسان حتى لا يصبح قلقا على حياته وحياة عائلته غير أن هذا الوضع العام للعلاقات الشغلية لا يعني أن لا تكون هناك أعمال وقتية بعقود محددة المدة أو أعمال موسمية تخص بعض المهن التي تنتهي بالمدة أو تكون ظرفية لطبيعتها…
لذلك أقر هذا القانون الجديد أن الاستثناء للعقود الدائمة والتشغيل الدائم هو في إبرام عقود محددة المدة ولفترة محدودة تنتهي بانتهاء المهمة التي من أجلها تم إنتداب العامل وجعل لها المشرّع مجالات محصورة حتى لا يُفتح الباب للتأويل وتصبح هي القاعدة وحصرها في حالات خاصة ومبررة مثل ارتفاع مؤقت في حجم نشاط المؤسسة أو في حالة تعويض عامل متغيب بآخر أو احتياج المؤسسة إلى إنجاز أعمال موسمية ظرفية.

عقود إلزامية

الجديد الآخر هو إلزامية إبرام عقود شغل وإلزامية الكتابة والابتعاد عن علاقات العمل الشفوية، ومنع أي تشغيل سواء كان دائما أو محدد المدة من دون ابرام عقد شغل يكون مكتوبا، وذلك لقطع الطريق أمام كل طرق التشغيل التي لا تعتمد الكتابة بغاية التأكيد على توضيح حقوق وواجبات أطراف العلاقة الشغلية…
وهذا يعني أنه مستقبلا لن يسمح بتوظيف عملة من دون عقود شغل وهذا الإجراء هو الآخر يعد مكسبا للعامل وخاصة أصحاب المهن الموسمية والظرفية الذين كثيرا ما تضيع حقوقهم جراء عدم الالتزام بالإجراءات القانونية.
وأهم جديد جاء به هذا القانون هو ما أقره في باب الاحكام الانتقالية من أن كل العمال الذين تم تشغيلهم في إطار عقود مناولة وتوظيفهم في الدواوين والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الصناعية والتجارية كـ الوكالات وغيرها والمؤسسات العمومية الفلاحية يعتبرون مرسمين بالمؤسسات المستفيدة بمجرد دخول هذا القانون حيز النفاذ وتُحسب أقدميتهم منذ بداية عملهم إن لم يتخللها انقطاع لأكثر من سنة.
وبالنسبة للوضعيات الجديدة والتي سوف تطرأ بعد صدور هذا القانون فان عقود الشغل لن تمر عبر شركات المناولة وإنما مباشرة من خلال المؤسسة الطالبة للخدمة و بعقد عمل دائم يكون خاضعا لفترة تجربة مدتها 6 أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة ولنفس المدة، وخلال هذه الفترة يمكن لأي طرف إنهاء العلاقة الشغلية بعد إعلام الطرف الآخر كتابيا قبل 15 يوما وبانتهاء مدة التربص وإبرام عقد عمل يعتبر العقد دائما ومتواصلا…

إشكال مطروح

يبقى الإشكال الكبير في وضعية عملة الحراسة والبستنة والنظافة في علاقة بعدم حاجة المؤسسة الطالبة للخدمة وعدم رغبتها في انتداب هذه الشريحة من العمال بصفة دائمة وغير مستعدة لتحمل أعباء التغطية الاجتماعية وأعباء التأجير العادي ويناسبها الاستعانة بهذه النوعية من العمال وفق آلية المناولة…
واليوم بعد صدور القانون يمنع مناولة عملة النظافة والحراسة والبستنة فإن الكثير من هؤلاء العمال سوف يجدون أنفسهم في وضع البطالة وسوف لن يجدوا في المستقبل أماكن عمل تضمن لهم ولو الحد الأدنى من الأجر، وهم يقبلون بهذه النوعية من التشغيل بدل وضع البطالة رغم أن تشغيلهم يوصف بـ التشغيل الهش فالحصول على مرتب مضمون أفضل في نظرهم من فقدانه..
وفي هذا السياق فإن ما يطرحه القانون الجديد هو تشغيل هذه الفئة الأخيرة ضمن صيغة إسداء خدمة مما يحتم على شركات المناولة التي تشغل في هذه النوعية من العمال أن تغيّر من طبيعة نشاطها من شركات مناولة إلى شركات إسداء خدمات، وهكذا تضمن مواطن شغل مستقرة لعمال النظافة والحراسة والبستنة..
ويبقى هذا الخيار رهين الأوامر الترتيبية التي لم تصدر بعد لتوضيح الكثير من المسائل التي بقيت عالقة ويحفها بعض الغموض…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى