نوفل سلامة يكتب/ في كتاب ‘إسرائيل تطبيقة كولونيالية والتفلسف مقاومة وتحرّر’: فتحي المسكيني مفكرا من خارج الصندوق

كتب: نوفل سلامة
من العادات الحميدة التي دأب عليها معرض تونس الدولي للكتاب في إطار إدخال مزيد من الحركية على هذا الحدث الثقافي، تنظيم ندوات فكرية وجلسات حوارية مع أصحاب الإصدارات الجديدة يحضرها المولعون بالقراءة والمحبون للفكر والثقافة…
قضايا غير مألوفة
وقد لفتت جلسة توقيع الكتاب الجديد ” هذه الذات ليست لك ” للمفكر التونسي وأستاذ الفلسفة والباحث في القضايا الفلسفية بالجامعة التونسية فتحي المسكيني انتباه الجمهور بما طرحه في مؤلفه من قضايا غير مألوفة ومن تفكير يصنف في الأدبيات الحديثة ينتمي إلى عالم الجنوب المناهض للاستعمار الثقافي والمتحرر من القيود التي وضعتها المعرفة الأوروبية على الفكر والتفكير بما جعل رؤيته رؤية من خارج الصندوق ومتخطية للإطار المرجعي للغرب وحداثته.
آلية جديدة
يعتبر فتحي المسكيني أن الغرب قد ابتكر آلية جديدة للمعرفة سماها الموضوعية وهي في الحقيقة قيمة ثقافية اخترعتها الذات الأوروبية وصنعت منها ما أطلقوا عليه إسم ” الإنسان الجديد ” المختلف عنا نحن أبناء الجنوب الفقير المتخلف وجعلوا من هذه الذات الغربية القدرة على تشكيل العالم وفق رؤيتها وبناء الفرد وفق أفكارها ونظمها الفكرية وأنماطها للحياة والقدرة على بناء علاقة كولونيالية حولت الإنسان غير الأوروبي إلى موضوع للدراسة ومختبر للبحث ومن هنا أصبح الإنسان العربي شأنه شان المنتمي إلى عوالم غير العالم الغربي يعامل كشخص آخر عن الذات المركزية وحقل دراسة وموضوع يتم بناؤه وفق العقل الأوروبي وأدواته ورموزه وعلاماته الخاصة.
الضبط الغربي
ما يجب الانتباه إليه هو أن الغرب لم يحول الطبيعة فقط إلى مجال بحث ودراسة واستكشاف وإنما قام بتطبيق القوانين الرياضية وحوّل مسار التجارب الإنسانية على بقية الإنسانية التي خضعت طيلة عقود من الزمن إلى الضبط الغربي، وهذا ما كشفته حقائق الموجة الأولى للاستعمار الأوروبي وما فعله الإسبان والبرتغاليون بعد سنة 1492 في شعوب أطلقوا عليها تسمية العالم الجديد حيث اقتبسوا اسم مستكشف إيطالي اميركو واطلقوه على الأراضي التي وصلوا إليها في رحلاتهم البحرية الاستكشافية ليصبح إسمها أمريكا ومنذ تلك اللحظة تم الاعتداء على السكان الأصليين و بنفس العقلية تعامل الغرب مع سكان جزر الكاريبي بعد أن حل بها كريستوف كولمبو وما حصل من تسمية السكان الأصليين بهنود المنطقة الغربية او الهند الغربية.
جيل تنويري
هذا كله لم يكن يعنينا ولا اهتممنا به يوما فنحن ننتمي إلى جيل في الأفق العربي والإسلامي المعاصر أراد أن ينظر إلى الأمور من زاوية إيجابية لتحقيق نوع من الاستعلاء والتسامي والتشبه بصاحب الذات الأصلية فسمى هذا الجيل العربي نفسه تنويريا أو حداثيا وكان يقول ربما كان الاستعمار غنيمة حرب تعلمنا منه اللغات الحية الحديثة وأردنا أن نشارك في حداثة ليست لنا قدمت إلينا من وراء البحار و توهمنا أن ما نقوم به هو حالة تفكير في أفق الحداثة وفكر الأنوار وأن الحداثة ليست وضعا خاصا و لا مكانا جغرافيا ومسار تاريخ الغرب لوحده ولم يكن مطروحا أنه بإمكاننا أن نصبح ذواتا يوما ما و لم ينظر إلينا كذلك فنحن لم نكتشف العلوم ولا انتجنا المعرفة وإنما كل ما قمنا به و نقوم ونتباهى هو مواصلة العمل في ورشة الغرب ولكن ما لم نتفطن إليه هو أنه علينا أن نقبل منه هذه القيمة الثقافية الجديدة ” الموضوعية ” التي ملك بها عقولنا وروضنا بها وهي حيلة كولونيالية لبناء نوع من المعرفة في خدمة معرفة عالم الشمال.
الغرب لم يغير شيئا
الغرب لم يغير شيئا من صورته منذ القرن السادس عشر كما لم يغير نظرته إلينا رغم أننا ادعينا وأعلنا أننا نقبل بخطابه وقيمه وحداثته المهم أننا قبلنا بهذه السردية وصدقناها وبدأنا نعمل بداخلها و أنتجنا أعمالا فرنسية وانقليزية وكنا نظن أننا بذلك ننتج المعرفة ونستحق أن نحترم ونسينا أننا في الحقيقية موضوعات للحداثة وليسنا ذواتنا فنحن في النهاية لنا نفوس وهم لهم ذوات.
يواصل المسكيني الحديث عن خديعة فكرة الذات الملهمة التي كلما أردنا أن ننخرط في مسارها إلا واكتشفنا أن هذه الذات ليست ذاتنا ومثال على ذلك مسألة الهوية و كولونيالية الهوية ، مبدئيا فإن الهوية لا تحتاج أن ندافع عنها لأنها هي إحدى اختراعات الدولة الأمة ودولة الحداثة فهل نحن فعلا كل تلك الأسماء التي تطلق علينا أم أننا تلك الذات المتخيلة التي تؤدي ذلك الدور الهووي الذي اخترعته الدولة الحديثة وحولت هذه الكتلة من الأجساد الحية إلى أسماء وألقاب خاصة و أن إحدى تقنيات الكولونيالية هي الضبط الجيو سياسي للأجساد فنحن في الواقع لا شيء لدينا لنملكه..
المقاومة
مقاومة كولونيالية الهوية تعني أن كل شعوب الجنوب تريد أن تعيد كتابة سردية نفسها وانتمائها هذه الشعوب ظنت في فترة معينة أن سياسات الهوية يمكن أن تكون ورشة جميلة للإنجاز هذه المهمة أي أن يصبح كل شخص بمقدوره أن يؤرخ لنفسه و يمكن أن يكون حرا بوازع من ذاته لكن الصدمة أننا استفقنا على أن ما كل ما نؤرخ له في سردية الخصم أو سردية الآخر هو في سياق معركة تحرير النفس / الذات وطبعا هناك أساليب كثيرة تنهي بها الشعوب سرديات كتبت لها وأعدت لها إعدادا منها سردية الحداثة أعتى وأقصى أنواع الالهاء التاريخي التي خضعت له الشعوب التي نظرت إلى الحداثة من جوانب مكاسب الحقوق والحريات والوجود الذي حققه الانسان الأوروبي.
وهنا نحتاج إلى شيء من التمييز بين الانسان الأوروبي الذي فكر وأبدع وبدأ في كتابة سردية التاريخ والإنسان الآخر المنتمي إلى شعوب عالم الجنوب فلو يعترضنا ديكارت مثلا سوف نتعلم منه أما المقيم العام في زمن الاستعمار فلا يمكن أن يكون هو ديكارت نفسه. في أمريكا اللاتينية يميلون الى هذا النوع من الاستنتاج فعندهم كل من وطأت قدماه أراضي أمريكا القديمة فهو غاز ومستعمر ولذلك فهم لا يفرقون بين مقولة أنا أفكر ومقولة أنا أغزو ماذا فعلنا نحن ؟ لقد درسنا التلاميذ أنا أفكر و لا أحد منا درس أنا أغزو.
سجال حقيقي؟
لو نظرنا نحن شعوب الجنوب من زاوية ما عشناه في منطقتنا فنحن لم ننتج كتبا فلسفية بالقدر الكافي لكي ندخل في سجال حقيقي مع ابستمولوجيا الشمال تلك التي قامت على اقصاء الهندي الأحمر والزنجي وإعطاء الرجل الأبيض الأوروبي الشمالي الحق في التفوق وما تعيشه الإنسانية اليوم هو نتاج كل ما أنتجه الغرب في مجال الجنس والفن والسينما والدولة والحكم والسيادة فكل هذه المفاهيم هي نتاج الإبستمولوجيا الشمال على حساب بقية الشعوب.
ما معنى أن تفكر من جنوب الحداثة ؟ وماذا يعني أن نفكر من خارج الدائرة الغربية المتحكمة ؟ إذا فهما أن المشكل الكبير يكمن في فرض مسألة الهوية فإن كل خطاب هووي مهما كان صادقا ومهما كان بريئا وجميلا فهو كولونيالي ومن ثم فلا يمكن للمسلم أن يكون علمانيا لأن هذا الموقف يفترض أن يكون الفرد مسيحيا أولا وهذا لا يعني أن العلمانية خاطئة ولكن يعني أننا مؤهلين إلى شيء آخر. فهل اكتشفنا هذا الطريق بأنفسنا إلى أنفسنا؟ الجواب طبعا لا ؟ لقد وجدنا طريقا علمانية فمضينا فيها وهذا ممكن حتى نجد أنفسنا فهذه الذات المتفوقة وهذه الأرضية المتحكمة التي ليست لنا.
إذن ماذا علينا لنفعله ؟