صالون الصريح

الأمين الشابي يكتب: لو حكينا عن معضلة الشرق الأوسط، ‘نبتدي منين الحكاية’؟

chebbi
كتب: الأمين الشابي

صدقا لا أدري، رغم رغبتي الملحة في الكتابة حول ما يجري في الشرق الوسط، ولا أعرف كيف سأبدأ وما سأتحدث عنه، والوضع هنالك يتدحرج نحو الأسوأ؟ خاصة أمام غياب عربي محيّر – وكأن ما يجري في محيطه لا يعنيه..

وأمام أيضا صمت مطبق للمجتمع الدولي وهو يرى عربدة اسرائيل هنا وهنالك من القتل على الهوية والإبادة الجماعية لشعب يحاول ـ بوسائل بدائية ـ الدفاع عن أرضه وعرضه وسيادته ووطنه. وأمام طابور خامس لا يتورع في بيع ذمته ووطنه ووطنييه ومقاومته بحفنة من الدولارات المغموسة بدماء الأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء والرجال الذين نذروا أنفسهم للدفاع عن الوطن.

أين الدول العربية فيما يجري في عقر دارها؟

هل فعلا دولنا العربية، باستثناء المقاومة في لبنان واليمن وفلسطين والعراق، تعي وتدرك وأن رحى الحرب تدور في عقر دارها؟ وهل تدرك أيضا – أنّه، آجلا أم عاجلا – سيأتي عليهم الدور من قبل كيان متمرس في الاجرام والجريمة ولا تهمه إلاّ بسط نفوذه على كل العالم العربي بمؤازرة غربية لتحقيق أهدافه ومصالحه – وفي مقدمتها أمريكا..
وقد زادت الصورة وضوحا بمناسبة ما يجري منذ 7 أكتوبر 2023 بغزة وفلسطين عموما؟ وهل يعقل أن تصمت كل هذه الدول العربية كل هذا الصمت منذ ما يزيد عن 75 سنة عن احتلال دولة عربية دون تحريك ولا ساكن باستثناء تحرك 1973؟
هل هو الخوف من خسارة دفة الحكم وما تجنيه منه من مزايا ومصالح ومحافظة على هذه الخيرات السلطوية، هو سبب مقنع لصمتها؟ أم هو الخوف من تحريك الغرب عموما لبعض الأوراق الذي قد يقلب على حكامنا الطاولة عبر تحريك بعض الملفات التي يعلمها هذا الغرب؟ أما لحكامنا العرب من الأسباب التي تبرّر كل هذا الصمت، والسارق المجرم قريبا سيحل في ديارهم فرادى إن واصلوا لعبة الصمت؟

أي تفسير؟

حقيقة لا أجد تفسيرا واحدا مقنعا لصمت حكامنا العرب أمام ما يجري في الشرق الأوسط، إلاّ في غياب أولا الإرادة. وثانيا في خوفهم من شعوبهم – و قد ثبت بأن الشعوب في واد و الحكام في واد آخر – خاصة فيما يتعلّق بالقضية الفلسطينية بالتحديد رغم بعض التصريحات والتنديدات هنا و هنالك لذرّ الرماد في العيون؟
وثالثا، في وجود الكثير من الدول العربية تسبح في فلك الغرب بل و تتعامل مع الكيان و تطبع معه، بما يعني أنّها لا تهتم لا من بعيد ولا من قريب بالقضايا التي تهم العالم العربي وعلى رأسها القضية الفلسطينية؟ وبالتالي لمن تقرأ كتابك يا داوود؟

وهذا ما دفع جلّ الشعوب العربية تتضامن مع الفكر المقاوم، بقطع النظر عن دينه ولسانه وعقيدته، حتى ولو كان في الصين أو إيران أو في جنوب أفريقيا أو لدى بعض الدول الإسلامية أو غيرها. سؤالي لكلّ هؤلاء الحكام العرب، أمام خذلان القضية الفلسطينية و خاصة إلى السلطة الفلسطينية الرسمية المعترف بها دوليا، مفاده، متى سـ تكفون عن المتاجرة بها؟ وأضعف الإيمان ألاّ تعطلوا عجلة الخندق المقاوم لتحقيق ما عجزتم أنتم عليه؟ ونصيحتي لكم أن تبيعوا ما لديكم من ترسانات حربية أكلها الصدأ والغبار في سوق الخردة ما دامت لا تدافع على الأوطان بل جلّها ينام بين كثبان الرمال بلا فائدة تذكر، رغم أنّه تمّ شراءها من المال العام؟

الغرب واضح لوقوفه مع الجلاد

لا أحد يستغرب، مقارنة مع دولنا العربية المتنكرة لقضاياها، من وقوف الغرب إلى جانب الكيان الصهيوني المحتل، وخاصة الدول الكبرى منها وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وجلّ الدول الأوروبية.
فهذه الدول على الأقل واضحة وصريحة متصالحة مع ذواتها؟ والأدلة واضحة وضوح الشمس خاصة منذ الـ 7 أكتوبر 2023. فـ حاملات الطائرات حلّت بالمياه الإقليمية القريبة من مواقع الصراع. واللوجستيك بمختلف أنواعه وأشكاله من خدمات استعلامية ومخابراتية، هي الأخرى لم تبخل بها على الكيان هذه الدول الغربية.
والزيارات المكوكية لجل حكام الغرب ووزراء خارجيتها كانت زيارات مكوكية لم نشهدها من قبل. ومد الكيان بالسلاح والمعدات والقنابل الذكية والغبية والمليارات من المليارات بل وتأييده الكامل لما يأتيه هذا الكيان، كانت بكل سخاء وكرم تغدق على الاسرائيليين، و في المقابل، تحاول هذه الدول الغربية -الظهور كلاميا – بموقف معتدل عبر بعض التصريحات. ولكن في الأصل كل الغرب قلبا وقالبا مع تل أبيب.

بل الخطير، وأنّ هذا الغرب يتبنى السردية الاسرائيلية وخاصة المتعلقة بتقسيمه العالم بين عالم إرهابي (ويضم العرب والدول الإسلامية و الآسيوية) و عالم متحضر يؤمن بالقيم الإنسانية و العدل و الديمقراطية (ويضم دول العرب). هذا خطير جدا على الاستقرار الدولي. بل ويذهب الغرب في تصنيف بعض المقاومين بالقتلة والمجرمين والإرهابيين، وبذلك تنقلب القيم والمفاهيم، لدى الغرب. ويصبح يكيل بمكايلين، فيصبح الكيان المجرم الصهيوني من حقّه الدفاع عن نفسه، متناسيا هذا الغرب وأن هذا الكيان هو كيان محتل لدولة فلسطين. وفي الشق الآخر يصبح من يدافع عن وطنه لـ تحريره من الاستعمار مجرما وإرهابيا؟

الطابور الخامس والمقاومة والنفط العربي

الطابور الخامس أو جحافل الخونة الذين يبيعون ذممهم للعدو، بأشكال المختلفة، نقول لهم وأنّ مصير كلّ خائن معلومة ومعروفة، مهما حزتم رضاء الأعداء، ومهما أغدقوا عليكم من أموال. ولكم في الخائن لحود أسوة سيئة. وأتوقف عند هذا الحد من الحديث عن الخونة لأنّ الكلمات أرقى منهم وأرفع وأغلى من أن نبددها في إطالة الحديث عنهم.

أما كلامي للمقاومة وللشرفاء الوطن العربي، يقول، إنّ العدو، لا يتمثّل فقط في هذا الكياني السرطاني، بل يتجاوز ذلك إلى من يقف وراء هذا الكيان لدعم مواصلة اجرامه وقتله للشعب الفلسطيني الأعزل، وذلك عبر تسليح هذا الكيان ومدّه بالعتاد من قنابل ذكية وغبية وطائرات وصواريخ وتقديم كل الدعم له، المالي والاستخباراتي.
صحيح أنّ الكيان هو رأس الحربة الظاهرة، ولكن العدو المتخفي هو أخطر وأشرس. فكم تمنيت شخصيا، على الدول العربية، وخاصة المنتجة منها للنفط، أن تلوح فقط باستعمال هذا السلاح من أجل أن يعي الغرب عموما وأمريكا على وجه التحديد ما ينتظرها إن هي واصلت دعمها لهذا الكيان؟ ولكن للمفارقة وأن الغرب يقدم كل الدعم للكيان وهو يعلم أن بأنه مستعمر وعنصري ومجرم. وفي المقابل تبخل دولنا العربية، وهي تعلم جيدا مشروعية وعدالة قضية فلسطين في دولة حرّة بعيدا عن براثن الاستعمار ولكنها لا تتحرك حتى بالتلويح باستعمال سلاح النفط في وجه أعداء الأمة العربية والإسلامية؟

وأخيــــــرا

وأخيرا علّمنا التاريخ وأن الاستعمار، مهما طالت مدّته، نهايته حتمية وإلى زوال. وخير دليل نستلهمه من الاستعمار الفرنسي للشقيقة الجزائر وتونس وليبيا وأيضا فيما حصل في جنوب افريقيا.
فالكل اليوم يذكر البطولات الجزائرية والتونسية والليبية وتضحيات أبناء جنوب افريقيا وذلك عبر ما خطّه المؤرخون. ولكن التاريخ أهمل المستعمر والخائن والطابور الخامس وأفعال المجرمين والقتلة بل رمى ” بمنجزاتهم” في مزبلة التاريخ. وبالتالي الأكيد وأن فلسطين لا ولن تستثنى من هذه الحقيقة التاريخية.
وسيأتي اليوم – طال الزمن أو قصر – وتحصل فيه على استقلالها من هذا المستعمر المجرم. ولعلّ بوادر هذا الانفراج بدت واضحة في وجود رجال شرفاء ومقاومة باسلة وصمود الشعب الفلسطيني رغم كل المعاناة. وسيذكر التاريخ كلّ هؤلاء بخير ـ حتى وإن كان البعض منهم في عتاد الشهداء ـ والخزي والعار للمستعمر المجرم ولمن خان وطنه واصطف وراء الأعداء…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى