نوفل سلامة يكتب: في فهم التطرف والعنف الديني…البدايات

كتب: نوفل سلامة
كيف تم تبني كتاب الجهاد في الإسلام وهو كتاب مجمّع صدر سنة 1970 وضم كتاب صغير في الجهاد للمفكر الباكستاني أبو الأعلى المودودي ورسالة في الجهاد لحسن البنا وفصلا من كتاب معالم في الطريق للمفكر سيد قطب عنوانه الجهاد في سبيل الله…
وقد كان سيد قطب متبنّ لرؤية المودودي الجديدة لفريضة الجهاد في الإسلام ونشرها في العالم العربي بعد ترجمة كتاب المودودي من اللغة الأردية إلى العربية وظهر هذا التأثير في الطبعة الثانية المزيدة والمنقحة لكتاب الظلال في القرآن الصادر سنة 1961 وكتاب معالم في الطريق..
معالم في الطريق
الفكرة الرئيسية التي يدور حولها هذا الكتاب ورؤية المودودي لمشروعيّة الجهاد والتي عُدت أنذاك رؤية جديدة تعتبر أن البلاد الإسلامية في السياق التاريخي والمجتمعي والسياسي التي كُتبت فيها هذه النصوص الثلاث دار حرب وليست دار إسلام وهذا ما يفترض حسب المودودي استئناف فريضة الجهاد التي تعطلت لفترة و يجب أن يبدأ بها وذلك بالانقلاب على حكومتها لتكون دار إسلام وبعد أن تكون دار إسلام يمتد الجهاد إلى أنحاء المعمورة.
يقول الكاتب السعودي ” علي العميم ” في مقال له بعنوان ” أسلمة حرب ماركسية ” المنشور بجريدة الشرق الأوسط الصادرة بتاريخ 4 أوت 2024 ” حين صدر هذا العمل التجميعي لما كتبه المودودي وحسن البنا وسيد قطب عن فريضة الجهاد ومشروعيته الواقعية وراهنيته في السياق الذي كتبت فيه، كانت تلك الرؤية متخمرة لدى الشباب المسلم بفضل كتاب معالم في الطريق الواسع الانتشار في ستينات القرن الماضي وكتاب واجب الشباب المسلم اليوم للمودودي وكتاب ” ردة ولا أبا بكر لها ” لأبي الحسن الندوي وهي كتب تزامنت مع صدور كتاب معالم في الطريق.”
نقد الغرب
حين صدرت هذه الكتب ونشرت هذه الرؤية على نطاق واسع كانت البيئة العربية والإسلامية مهيئة لاستقبال فكرة الجهاد على الدولة القطرية والشعوب الإسلامية مستعدة لتبني هذا الخيار للخروج على السلط المحلية قبل التوجه إلى العالم وقد زادها متانة وصلابة نشر جملة من الكتب الأخرى باللغة العربية والأجنبية تناولت نقد الغرب ونقد التجارب العربية في التحديث وتحقيق التنمية، منها كتاب المفكر الإسلامي محمد المبارك ” الفكر الإسلامي الحديث في مواجهة الأفكار الغربية وكتاب المفكر اليساري نايف حواتمة ” أزمة الثورة في الجنوب العربي : نقد وتحليل ” مع كتب أخرى جميعها انتهى إلى الإقرار بإخفاق التجربة الليبرالية في العالم الإسلامي وفشل منوال التنمية الليبرالي في تحقيق النهضة والتقدم للشعوب التي وثقت في النخبة الليبرالية العربية التي قادت عملية التحديث العربي وعملية الانتقال من الحالة الاستعمارية إلى وضع الاستقلال وراهنت على هذه النخبة لبناء دولة عصرية حديثة بعد أن عرف العالم الإسلامي حالة من التخلف والتراجع الحضاري عمقها انهيار الخلافة العثمانية وسقوط الحكم الإسلامي وفك كل ارتباط مع فكرة الخلافة الإسلامية الدعامة الوحيدة الضامنة لوحدة المسلمين و المعبر عن قوتهم وتماسكهم وما حصل إثر ذلك من الانتقال إلى تبني التجربة السوفياتية ونهجها الاشتراكي والشيوعي الذي روج حينها لنموذج الدولة القوية القائمة على حكم الحزب الواحد والسلطة الشمولية.
خيار ثالث
فبعد مرحلة الليبرالية وتعثرها في العالم الإسلامي وخيار الذهاب نحو الاشتراكية والشيوعية بعد صعود الاتحاد السوفياتي كقوة عظمى بعد الحرب العالمية الثانية وتعويل دول الجنوب عليها للحصول على المساعدات الغذائية والاقتصادية والتقنية والعسكرية لصالح قضيتهم .. كل هذه التطورات التي عرفها العالم الإسلامي رشحته إلى تبني رؤية أخرى وخيار ثالث مختلف على التجربتين السابقتين ورشحت كذلك تبني بعض الجوانب في النظرية الماركسية الوافدة على العالم الإسلامي ومحيطها من بوابة الحكم والاقتصاد وتم التعرف على الأفكار الماركسية والقبول ببعضها في الحقل المعرفي الإسلامي ونعنى هنا تبنى مفهوم حرب التحرير الصيغة العصرية للجهاد رغم التباين في المفردات والمصطلحات والمنطلقات الأيديولوجية الماركسية من حيث التعارض بين الفلسفتين والتناقض الواضح بين المشروع الإسلامي ورؤيته للجهاد والمشروع الماركسي ورؤيته لحرب العصابات وفكرة العنف الثوري ودولة البروليتاريا.
فشل النخبة العربية
فالنظرية الإسلامية ‘الجهادية’ التي تشكلت في سبعينات القرن الماضي مع هذه الكتابات الحاضة على الجهاد ومقاومة السلط العربية التي تنكرت لوعودها والمستعيدة للروح الثورية الجهادية والحلم باستعادة وحدة المسلمين وحكمهم بعد سقوط الخلافة العثمانية، قد استفادت من فشل النخب العربية الحاكمة ومن تبنيها لخيارات ليبرالية وشيوعية لإنجاز عملية التحديث وتحقيق التنمية واستفادة كذلك من التجربة الماركسية النضالية للتنظيمات الشيوعية المسلحة المقاتلة التي واجهت الأنظمة التسلطية في دول أمريكا الجنوبية وبلدان أوروبا الشرقية واستنسخت من أدبياتها وتجربتها فكرة حرب التحرير الصيغة العصرية للجهاد وتصور هذا الشباب المسلم الغاضب على الأنظمة العربية أن ما يقوم به من خروج على السلطة العربية وحكوماتها هو عملية تحرير شعبية وطنية للبلدان الإسلامية من هذه الأنظمة ونخبها الموالية للغرب سواء كان غربا أو شرقا.
فما حصل مع الانفتاح على النظرية الثورية الماركسية أن تحول الكثير من الشباب المسلم المتشبع بأفكار المودودي وحسن البنا وسيد قطب إلى حالة ثورية بالمفهوم الماركسي وبدأ يتبع في أسلوب وسلوك الثوار الماركسيين في قتالهم للأنظمة التسلطية ولكن بحمولة دينية أيديولوجية جهادية إسلامية بما يعني أن المناخ والسياق التاريخي الذي كان موجودا في تلك الفترة كان مؤهلا للتغيير باستعمال القوة، ومن خلال الثورة على الأنظمة العربية العائقة والمانعة من إحداث التغيير الصحيح طالما ارتمت هذه الأنظمة في أحضان الغرب وتبنت نظرياته في التقدم والديمقراطية والنهضة والتنمية…
حالة ثورية شبابية
ومن هنا تكونت حالة ثورية شبابية تقوم على معارضة الحكومات القائمة وارباكها والخروج عليها في عملية حرب طويلة الأمد وكفاح شاق ينتهي في النهاية إلى خلق حالة من تغيير الحكم والسلطة هذه الحالة الثورية يقول عنها الكاتب السعودي علي العميم بأن الجنرال الفيتنامي “جيات” قد عبر عنها بأنها ” تحول مستمر وتدريجي يتبع خطا مستقيما من حرب العصابات المتحركة مرورا بمرحلة انتقالية على حرب المواقع »…