صالون الصريح

محمد الحبيب السلامي يحب أن يفهم/ علم عاش في صفاقس ثم ودع: امحمد النفاتي

sallami
كتب: محمد الحبيب السلامي

هم ثلاثة…امحمد والقايد وزهرة رأيتهم كبارا في صغري ثم عرفتهم وتعرّفت عليهم قيل إنهم نزحوا من نفات ولا أعرف أنهم نزحوا من نفات قابس أو من من نفات صفاقس…

عرفت زهرة قوية طويلة تلبس لباس الريف، صوتها كأنه يخرج من أنفها هي المسؤولة عن رعاية أخويها في إعداد الطعام وغسل اللباس وعند فراغها قد تُعين ربات البيوت في البيوت المجاورة… ولها في ذلك أجر…
وعرفت القايد هكذا يسمونه ويحب بذلك الاسم ينادى طويل نحيل يلبس كدرونا يملك حصانا نحيلا عليه وبه يحرث أراضي الجيران بأجر يقبض، ولا يحيي ولا يشكر فهو غضبان دائما ولا يعرف أحد سبب غضبه…عاش أعزب وقد يكون ذلك سببا من أسباب غضبه…

أقواهم وأشهرهم..

وأصل بكم إلى ثالث الثلاثة هو امحمد وهو أقواهم وهو أشهرهم، وهو الذي أحبه الناس وهو الذي جمع حوله وحول مجلسه الناس، يُقال إنه كان قوي البنية طويل القامة وكان عاملا فلاحيا كما كان خبيرا بحفر الآبار والمواجل كلما دعاه داع من الناس…
ويروى وقد رويت ما رويت عن صديقه (عمي موسى الافريقي الأجير الدائم المستقر في بيت جدي) فقد أخبرني أن محمد النفاتي دُعي لحفر بئر فأقبل ووافق وأخذ يحفر وكانت الأرض وعرة والمياه فيها بعيدة وصدفة ولأسباب لا يعرفها امحمد النفاتي سقط في البئر في دائرة ضيقة، فما أخرجوه منها إلا بعد يوم وليلة وقد التصق أسفله بصدره وتحول من يديه ورجليه إلى معاق يزحف على الأرض بعد أن كان يسابق الأرنب في الجري فيسبقها…

بنى كوخا

ويروى أنه لذلك صار يدعى (امحمد العايب)، ويُروى أنه لذلك قرر النزوح نحو مدينة صفاقس بحث عن أرض يبني فيها كوخا فوجدها في مكان يسمى العالية بطريق العين بصفاقس تجاورها سطحة بها مواجل وتجاورها مقبرة بنى الكوخ، واستقر فيه مع أخته وأخيه سنوات…
ولما ظهر صاحب الأرض يطلب الأرض انتقل إلى أرض أخرى خلف مركز العالية تطل على المقبرة بنى بيتا وكوخا وصار يقضي نهاره مجاورا بيته مطلا على طريق العين وبيديه المعاقتين يصنع من أجود زعف النخيل القفة والمروحة، وكان أغلب الصفاقسيين لا يدخلون المدينة إلا وبيد الواحد منهم قفة يقضي فيها حاجاته التي تطلبها زوجته وأجود قفة ما كانت من صنع يدي (امحمد العايب)…

الدرجية والمروحة

كما كان الصفاقسي يستعد للصيف بشيئين درجية جربية لشرابه البارد من ماء الماجل ومع الدرجية مروحة لمطاردة العرق وجلب الهواء البارد، والمروحة قد تكون من قابس أو جريدية ولكن أجودها مروحةً خرجت من بين أصابع امحمد العايب. كان في مجلسه على حافة الطريق يحادث جُلاّسه ويرش بالشعير دجاجة التي تجمعت حوله وقد يقاطع مجلسه مصاب بشوكةً من الهندي الشوكي سقطت في عينه فآذته يجلس المصاب بين يدي امحمد العايب كما يجلس المريض بين يدي الطبيب يأخذ امحمد الملقط الذي علقه في صدره، وبأصابع معاقة وعينين واسعتين ونظر قوي يلتقط الشوكةً ويشفي المصاب من الألم…

غاب ومات

ويرفض الأجر بضحكة كما ضحك في وجهي بعد أن التقط من عيني الشوكة عاش امحمد النفاتي المعاق عالي الهمة معتمدا على نفسه ضحوكا لعوبا ففي لعبة (الخربقة ) لا يغلبه أحد وبقي في مكانه والبيت الذي بناه حتى جاء من اشترى منه الأرض باع وهاجر…
وكنت أواصل الدراسة في جامع الزيتونةً ولم أعرف عنه شيئا حتى بلغني أنه توفي كما توفيت أخته ولحق بهما أخوه وبقي الثلاثة يذكرون بالرحمة وحسن الذكر فبماذا سيذكره الأصدقاء لنزداد به معرفة وفهما وأنا أحب أن أفهم؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى