صالون الصريح

محمد الحبيب السلامي يحب أن يفهم/ أعلام من صفاقس (111): الشيخ الإمام المعمر حسن القرمازي 1915 ـ 2017

sallami
كتب: محمد الحبيب السلامي

وقفت على حياته فعرفت أنه تجاوز في العمر مائة سنة فقلت: إنه (معمر)…وسألت ابنه الأستاذ رضوان: هل عمي بعد أن كان بصيرا؟ فقال: عمي وهو لا يعرف الأشياء ولا الألوان فتذكرت قصيدا حفظناه في المدرسة وقيل لنا: إن الدكتور طه حسين ألفه يتحدث به عن نفسه وقد عمي وعاش وهو لا يعرف السماء ولا الألوان…

يا أمي ما شكل السماء وما الضياء، وما القمر؟ …بجمالها تتحدثون ولا أرى منها الأثر…وقد ثبت لديّ أن القصيدة ألفها الشاعر العراقي معروف الرصافي…وكم من كفيف كان يرددها فهل كان الشيخ حسن واحدا منهم؟

حافظ لكتاب الله

علمت أنه كان في صغره حفظ القرآن الكريم فلم يكن يردد غيره…وانضم إلى التعليم الزيتوني، وجلس في حلقات الدروس مع الطلبة الأسوياء المبصرين، وأعدّ دروسه واطلع في كل درس على ما جاء في كتاب من الكتب التي يدرسها الطلبة الزيتونيون…

فقد كان حسن القرمازي كغيره من الطلبة المكفوفين يستعين بطالب مبصر يقرأ عليه ما في الكتاب، هو يسمع ويفهم ويحفظ في ذاكرته، ويسأل في الامتحان كالأسوياء ومن الذاكرة يجيب…

وهكذا قطع مراحل التعليم الزيتوني بين صفاقس وتونس في عشر سنوات فاز فيها بشهادة الأهلية، ثم شهادة التحصيل وبعدها شهادة العالمية التي كانت تتويجا لنجاحه في التعليم العالي…وهكذا كان التعليم الزيتوني نورا وعلما ونعمة…

مناظرة واعظ

طرق الأبواب يبحث عن باب منه ينشر علمه ويكسب رزقا…شارك في مناظرة (واعظ) فنجح، وبأمر علي من الباي عُيـّن مدرسا واعظا في المكناسي…قضى فيها سنوات…انتقل واعظا في مدن أخرى، وعُيّن في كثير من المساجد إمام خمس وإمام جمعة حتى استقر به المقام مع زوجته وولديه، محمد ورضوان في صفاقس…

مقصد الباحثين

فيها اشتهر بعلمه الذي عاش يغذيه بما في كتب التفسير والحديث النبوي والفقه وغيرها، وكان ولد من ولديه يقرأ وهو يسمع..وقد علمت بما سرني وهو أن كنته المتعلمة كانت تقرأ له ما يريد من صفحات أي كتاب…وفق الله كل كنة للعلم ومساعدة حميها …

كان بيت الشيخ حسن القرمازي مقصد الباحثين، ومقصد المستفتين، يستقبل كل طارق، ويجيب عن أي سؤال فهمه وعرف جوابه فإن لم يعرفه يرجئ الجواب لموعد آخر أو يقول كما كان يقول الإمام مالك في بعض المسائل…(الله أعلم)…

سعة العلم..

كان لطيفا، خفيض الصوت، يقضي الوقت والجهد في العلم…قضيت معه شهر رمضان في سنة مضت، فكنت مع صديقي ورفيقي المرحوم عبد العزيز التركي نرافقه بعد القراءة في طريق عودته إلى بيته فكان يطرح علينا أسئلة في النحو ليفيدنا ويختبرنا، وقد كنّا تلميذين بالفرع الزيتوني بصفاقس فكانت أسئلته تدل على سعة علمه في اللغة العربية وقواعدها…
يوم جاء أجله وودع دنياه انتشر خبر موته فتسابق الناس إلى بيته، ويوم الجنازة صلى عليه خلق كثير، وترك زوجة وولدين وأحفادا يذكرونه ويترحمون عليه، كما تذكره صفاقس…فبماذا يذكره الأصدقاء؟

أسأل وأحب أن أفهم..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى