صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب/ على خلفية تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة ‘أنطونيو غوتيريش’: أهمية الكلمة وقيمة الموقف ..

slama
كتب: نوفل سلامة

‘من المهم أن ندرك أن الهجمات التي تقوم بها حماس لم تحدُث من فراغ لقد تعرض الشعب الفلسطيني طيلة سنوات طويلة بلغت 56 عاما إلى احتلال خانق رأوا فيه أراضيهم وهي تلتهم بشكل مطرد، وعانت أجيال من هذا الشعب من العنف المتواصل وتم خنق اقتصادهم وتهجير أهلهم وتهديم منازلهم…

وجراء هذه السياسة الاستعمارية تلاشت أمالهم في التوصل إلى حل سياسي لمحنتهم، ولكن مظالم الشعب الفلسطيني لا يمكن أن تبرر الهجمات المروعة التي تشنها حماس كما لا يمكن أن تبرر العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني « ….

انتقال نوعي

هذا مقتطف موجز من الكلمة التي ألقاها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يوم الثلاثاء 24 أكتوبر الفارط أمام أعضاء مجلس الأمن في جلسة طارئة خصصت لتدارس الوضع الملتهب في الشرق الأوسط والتطورات الخطيرة التي يشهدها الاعتداء الغاشم على قطاع غزة من طرف الآلة الحربية الصهيونية في ردة فعل وعمل انتقامي من العملية العسكرية التي قامت بها كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس يوم 7 أكتوبر الماضي…
والتي اعتُبرت من طرف المحللين السياسيين نقلة نوعية في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي ومرحلة جديدة يعرفها مسار تسوية الملف الفلسطيني بعد التحول الكبير الحاصل في نقل ميدان المعركة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإلى قلب المستوطنات اليهودية بعد أن كانت المعركة مع المحتل الاسرائيلي تُدار في السابق خارج حدود الكيان الغاصب وحدود الأراضي المحتلة.

مفاجأة مزلزلة

أهمية هذا التصريح الذي شكل مفاجأة مزلزلة لكل العواصم الغربية المنخرطة بالكلية فيما تقوم به إسرائيل من قتل للمدنيين من سكان غزة وهدم لمنازلهم وكل المنشآت الحيوية في كونه قد قال بكل يسر كل الحقيقة التي طمسها الغرب المنحاز والمتنكر لقيمه وأفكاره وقال الكلام الذي يجب قوله دون خوف و الذي عجز عن قوله الكثير من قادة العرب .. تحدث بكل وضوح وصراحة وجرأة عن أصل الصراع وحقيقة المأساة الفلسطينية، وكل التاريخ والذاكرة المنسيين والذي فشل جل العرب في الدفاع عنها بل أكثر من ذلك فقد تنكروا لكل القضية في سلوك مهين ومواقف مشينة سوف يلعنها التاريخ لا محالة.

خطاب واضح

أهمية هذا التصريح الذي سوف تخلده الذاكرة الإنسانية بأحرف مضيئة في كونه يمثل مادة علمية تستحق أن تُدرّس في الجامعات في كيفية صياغة خطاب واضح ومقنع من خلال استعمال جمل قصيرة وكلمات بسيطة ومعجم لغوي ألفاظه مباشرة منتقاة بكل دقة وقصد ليصدع بحقيقة كانت غائبة في كل الخطابات العربية التي لا تقول شيئا ولا تنتج أي معنى وتنتهي إلى الثرثرة الفارغة…
بجمل قصيرة وبألفاظ بسيطة فضح الأمين العام للأمم المتحدة كل التواطؤ الغربي وعرى كل جرائم الاحتلال الاسرائيلي وسمى الأشياء بمسمياتها، وقال ما لم يستطع العرب قوله فوصف الكيان الغاصب بالكيان المحتل واعتبر المقاومة عملا مشروعا تقتضيها الحالة الاستعمارية المتحكمة وتفرضها حق الشعوب في الدفاع عن أرضها وتاريخها وذاكرتها ..

كسّر السردية الإسرائيلية

أهمية التصريح الذي أربك العدو الصهيوني الذي طالب بإقالة أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة في كونه قد أفشل الاستراتيجية الإعلامية الصهيونية و كسّر السردية الإسرائيلية التي حاول اليهود إقناع العالم بها والتي تقوم على فكرة أن اسرائيل دولة مسالمة حداثية وديمقراطية وترنو الى الحرية و العيش في سلام وهي اليوم تتعرض إلى اعتداء من طرف شعب همجي ومتطرف ومتخلف ويبحث على القضاء على اليهود ويستعمل الإرهاب…
أهمية التصريح في كونه أعاد القضية الفلسطينية إلى مسارها الحقوقي الأصيل ورفع الغشاوة عن صورة المقاومة التي حاول الاعلام الغربي تشويهها بل زادة التصريح أن اعتبر المقاومة المسلحة عملا مشروعا تفرضه حالة الاحتلال و له أسبابه ومبرراته في ما تقوم به إسرائيل لأكثر من نصف قرن من احتلال للأرض وتهجير للسكان وتدمير للمباني وبناء المستوطنات فوق الأراضي المغتصبة.

حقيقة على الأرض

قيمة هذا التصريح الجريء في كونه عبر بكل حرية عن حقيقة ما يدور في أرض غزة ولم يصطف كما فعل الكثير من قادة الغرب وراء الجلاد وتنكر للضحية ولم يتأثر بالضغط القوي الذي تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيين من أجل ‘سكات كل صوت معاد لما تقوم به اسرائيل من جرائم حرب مدانة بكل القوانين والشرائع والديانات ولم يخش من ردة فعل القوى التي تتحكم في العالم وتدير خيوط اللعبة السياسية ولم يحسب حسابا لتداعيات تصريحه على مستقبله السياسي ومكانته على رأس الأمم المتحدة في الوقت الذي شاهدنا فيه الكثير من القادة العرب فضلوا المحافظة على المناصب والكراسي على حساب المبادئ والقيم والروابط الانسانية والمصير المشترك…

درس بليغ

لقد لقن هذا المسؤول الأممي القادم من بلد البرتغال درسا بليغا لكل العالم وخاصة القادة العرب في كيفية الدفاع عن الحق الواضح وفي كيفية نصرة المظلوم وفي كيفية الوقوف مع الضعيف وفي كيفية انصاف القضايا العادلة بكلمات بسيطة وجمل قصيرة وخطاب مباشر من دون تنميق لغوي ولا ثرثرة كلامية لا تغني ولا تسمن من جوع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى