نوفل سلامة يكتب: هل يمكن أن نعيش بمعزل عن العالم؟

كتب: نوفل سلامة
عرف العالم يوم الجمعة 19 جويلية الحالي أزمة تكنولوجية عالمية أحدثت رجة كبرى في كل أرجاء العالم وإرباك ومخاوف جمة في عواصمه المهمة من إمكانية توقف الحياة بعد العطب التقني الذي أصاب أنظمة ‘مايكروسوفت’ نتيجة عملية التحيين التي قامت بها الشركة باستعمال برمجية جديدة استعملتها لأول مرة من دون تجربة تكون سابقة..
هذا العطل تسبب في شلل تام لعمل نظام الخدمات الطبية والسكك الحديدية وخطوط الطيران العالمية ومختلف البورصات المالية، وعمل الحكومات والشركات الاقتصادية الكبرى التي يتوقف عملها على ما توفره التكنولوجيا الحديثة من خدمات سريعة وتقنيات عالية الجودة، بحيث أن العالم كله اليوم يعمل بفضل هذه التقنيات الحديثة والعطب الذي حصل قد أدخل كوكب الأرض في أزمة مخاوف كبرى مسّت حياة الأفراد العاديين وأثرت على السير الطبيعي لتصرفات البشر وحياتهم رغم أنها لم تدم طويلا قبل أن تتدخل شركة مايكروسوفت وتعلن عن حصول عطب في منظوماتها وأنها بصدد إصلاحه…
أين نحن؟
المشكل الذي أثاره هذا العطب التقني وفتح نقاشا في الفضاء العام بالرغم من أن بلادنا لم تتأثر به كثيرا، ومرّ من بيننا مر الكرام ولم ننتبه إليه إلا من خلال الاشعارات التي صدرت عن عواصم العالم ومختلف الدول المرتبطة فعليا وحقيقة بشبكة التواصل العالمية وتناقلتها بسرعة مختلف وسائل الإعلام العالمية، وهو موضوع آخر يحتاج منا مقالا لفهم كيف أن بلادنا لم تتأثر من هذا العطب كسائر دول العالم؟
ولفهم هل فعلا نحن منخرطون في هذه المنظومة العالمية للتقنيات الحديثة المتشابكة؟ وللإجابة على سؤال هل فعلا أن بعض التخلف ومنه التخلف التكنولوجي مفيد في علاقة بعدم تضرر تونس من هذا العطب؟
شلل تكنولوجي
المشكل فيما حصل من شلل تكنولوجي عالمي فيما يطرح من سؤال حول أهمية التقنيات الحديثة في حياتنا ودور هذه الشبكات من المنظومات التكنولوجية المتطورة والتي ربطت العالم بعضه ببعض وجعلت منه قرى مترابطة أو قرية صغيرة كما يُقال، وتأثير ما صنعه الانسان من معرفة وعلم وتقنية حديثة ومن ذكاء اصطناعي ومن برمجيات عالية الجودة لتسهيل حياته وتوفير راحته وتمكينه من ربح الكثير من الوقت.. وفي الأخير إسعاده وتقليل المخاطر من حياته من خلال جعله يتحكم في كل شيء بفضل الآلة وهذه الأجهزة التي سخرها…
فإذا بكل هذا الجهد الذهني قد اتضح اليوم أنه إلى زوال في ثوان معدودات وأنه من الوارد جدا أن يخسر الإنسان حياته ومستقبله نتيجة عطب تقني قد يحدث في إحدى البرمجيات التي صنعها العقل البشري لخدمته…
المشكل اليوم والذي اتضح بكل جلاء بعد هذا العطب التقني وما ترتب عنه من شلل تام في حياة أغلب الشعوب، أن الافراط في استعمال هذه التقنيات الحديثة وعدم التنبه إلى ضرورة التحكم في هذا الذكاء الاصطناعي وعدم المراقبة المتواصلة والدقيقة لهذه التقنيات فإنه من المحقق أن تنفلت من الانسان وتنقلب فيه الآلة على من أوجدها، وأن تتمرد على من صنعها خاصة وأن هذا التطور العلمي قد نقل الإنسان إلى عالم آخر…
عالم جديد الحركة فيه سريعة للغاية، وكل شيء فيه متحول ويسير بسرعة مفرطة غير عادية ما جعل السيطرة على الحياة سوف تكون إمكانية صعبة في المستقبل وتجعل الإنسان غير قادر على أن يعيش حياة عادية، ويصعُب عليه السيطرة على كل هذه التقنيات الحديثة وهذه التكنولوجيا المتطورة وما انتجته من آلات خاصة قدرة هذا التطور العلمي والتقني على التأثير في السلوك وقدرته على تعديل التصرفات وتشكيل العقول والمعرفة وتشكيل الوعي والخيارات وحتى نمط العيش وطريقة الحياة.
حياة طبيعية؟
فهل بعد أن تحكمت هذه التقنيات وهذه التكنولوجيات وهذه البرمجيات التي يطلق عليها الذكاء الاصطناعي وهذه الآلات التي نجدها منتشرة في كل مكان وعوضت الإنسان في الكثير من الوظائف، هل من الممكن أن نعيش بمعزل عن هذا العالم وخارجه؟ وما هي إمكانيات أن يسترد البشر حياتهم العادية الطبيعية من دون مخاطر لهذا التطور التقني الذي أنتجه الإنسان بإرادته وبوعي منه؟
الوعي الجديد
وتزداد صعوبة السؤال وصعوبة التوقي من هذه المخاطر التي تنتجها هذه التقنيات الحديثة حينما نطرحها في سياق الوعي الجديد الذي نمر به والذي بدأ يتشكل بعد عملية طوفان الأقصى وحتى قبلها بقليل من ضرورة التخلص من الهيمنة العالمية ومنظمتها للعولمة وسياق مقاومة الهيمنة الغربية وحداثتها المسيطرة واسترجاع الشعوب لاستقلالها الحقيقي والدول لسيادتها المستلبة..
يصعب السؤال حينما نتذكر أننا شعوب إرادتها مستلبة وسياستها متحكم فيها وأننا في كل شيء نخضع للأجنبي والآخر المتفوق والمهيمن معرفيا وفكريا وسياسيا وعسكريا وماليا واقتصاديا وحتى ذوقيا وفنيا، وهو يتدخل حتى في طبيعة عيشنا ونوعية اللباس ونحن نعيش ونحيا بفضل ما ينتجه ويصنعه ويوفره بجهد العقل الغربي المبدع..
يصعب السؤال حينما نتذكر أننا نعيش حداثة الغرب في كل شيء و نحيا على ما يروجه من معارف وأننا محكومون بالنماذج التي وضعها للعالم وأننا نعيش على فكرة النمذجة الغربية وعلى مجموعة المعايير والقيم التي قررها الغرب لنا المرتبطة بفهمه هو للواقع وللحياة وتصوره لكيفية تطبيق معاييره وتمثل هذا الواقع وتطبيقاته المسيطرة على كل مجالات حياتنا…
رغما عنّا..
يقول المرحوم عبد الوهاب المسيري ” إن الحداثة التي بدأت غربية أصبحت اليوم يهودية وفي خدمة المشروع الصهيوني بعد أن سيطر اليهود على كل العالم وأصبحوا مؤثرين في كل شيء وفي جميع المجالات والميادين، علومه و صناعته أمواله و معرفته وإعلامه و تجارته وتكنولوجياته ونجدهم في كل المنظمات والهيئات والمؤسسات العالمية المؤثرة في صنع القرار هذه الحداثة اليهودية نحن نعيشها رغما عنا وقد دخلت حياتنا وبيوتنا وتحكمت في أدق تفاصيل حياتنا وأثرت فينا وقد جعلوا لها موظفين في خدمتها من مثقفينا و علمائنا ومفكرينا يدافعون عنها وينشرونها و يتبنونها.
عالم هذه حقيقته وعالم يسير على هذه الشاكلة وعالم متحول ومعقد ولا حضور فيه للعرب والمسلمين ولا تأثير لنا في متغيراته المتسارعة كيف يمكن التحلل منه والعيش على حافته أو الاستغناء عنه في الوقت الذي بإمكان هذا الغرب بنزلة زر وحيدة من آلة في مكتب في أصقاع الدنيا أن يوقف حياتنا وحياة كل البشرية بفضل جنونه وفوضى العلم والمعرفة التي يمتلكها…