نوفل سلامة يكتب/ الانتخابات الفرنسية: ثلاث قضايا كبرى تشغل بال الفرنسيين..

كتب: نوفل سلامة
كما هو معلوم ألقت للانتخابات التي شهدها الاتحاد الأوروبي مؤخرا لتجديد عضوية أفراده بكل ظلالها الثقيلة على الفضاء الأوروبي وخاصة على الداخل الفرنسي…
وأجبرت الرئيس إيمانويل ماكرون على الإسراع باتخاذ قرار وصف بالمفاجئ والجريء يقضي بحل البرلمان الفرنسي والإعلان عن إجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها يوم الأحد 30 من جوان المنقضي معتبرا أن التحول السياسي الذي طرأ على تركيبة البرلمان الأوروبي بعد صعود الأحزاب الشعبوية ذات التوجه اليميني والنزعة القومية يقتضي إجراء انتخابات محلية سابقة لأوانها لإكساء برلمانه شرعية وحكمه مشروعية بعد هذا الزلزال الذي أصاب الاتحاد الأوروبي.
انعكاسات على تونس
ما يهمنا نحن أبناء الضفة الأخرى من المتوسط وأبناء الجنوب المتعب والمرهق بهذه الحداثة وهذا العالم الديمقراطي الحر الذي تقوده أمريكا وحلفاؤها من الغربيين، هو القضايا التي تم إثارتها خلال الحملة الانتخابية الفرنسية والمواضيع التى تشغل بال الفرنسيين وكانت مدار نقاش عام وحوار في المنابر الإعلامية لما لها من انعكاس مباشر على المشهد التونسي، باعتبار أن بلادنا تتأثر وتتبع بالضرورة ما يحدث في فرنسا وأن المسار الفرنسي يرمي بظلاله وثقله على وضعنا وحالنا نتيجة الارتباط الثقافي الذي ورثناه منذ الحقبة الاستعمارية وما زال متحكما حتى بعد الاستقلال وإلى اليوم وهذه قضية أخرى من قضايا التبعية للآخر ليس الآن محل مناقشتها…
قضايا حارقة
نعود إلى الفكرة الأولى التي يدور حولها هذا المقال وانطلق منها و المتمحورة حول معرفة أهم القضايا التي شغلت بال الفرنسيين وكانت محل دعاية سياسية لمختلف الأحزاب المتنافسة خلال حملتهم الانتخابية لنقف على ثلاث قضايا أساسية كبرى نجدها تقريبا تُعاد في كل برامج الأحزاب التي تقدمت إلى الشعب الفرنسي لإقناعه بالتصويت لفائدتها، وهي قضية المقدرة الشرائية لغالبية الشعب الفرنسي التي لم تعد تكفي لتوفير الحاجيات الأساسية وشراء المستلزمات اليومية من مواد غذائية وغيرها، ولم تعد تكفي لتوفير عيش كريم وحياة مريحة دون خوف من الوقوع في وضعية العجز المالي او حالة الفقر والاحتياج…
الأجور والضرائب
ما يشغل الفرنسيين ويطالبون به الأحزاب والحكومة هو تحسين الرواتب والأجور والتقليل من الضرائب التي تكبل الأسر والأفراد وتجعلهم يعيشون ويعملون من أجل تسديد ما تُطالب به الدولة مقابل الحصول على الخدمات العامة…
وفي هذا الصدد كان موضوع مراجعة معلوم الاستفادة من الطاقة وخاصة الكهرباء قد سجل حضوره بقوة في كل النقاشات التي عرفتها الحملة الانتخابية حيث اعتبر الفرنسيون أن معلوم الاستفادة من الكهرباء والغاز هو معلوم مرتفع لا تقدر عليه الطبقة المتوسطة ناهيك عن الفقيرة والفئات ضعيفة الدخل.
الموضوع الثاني الذي ظهر في الحملات الانتخابات وفرض نفسه بقوة في برامج الأحزاب المتنافسة موضوع مراجعة قانون التقاعد ومراجعة سن العمل حيث اتضح من النقاشات العامة أن الشعب الفرنسي مرهق ومتعب وهو غير مستعد للعمل إلى حدود سن 62 سنة فما فوق، وهو القانون الذي مرره الرئيس ماكرون رغم المعارضات الشديدة للنقابات وموجة الاحتجاجات الشارعية التي دامت لأسابيع تطالبه بالعدول عن مشروعه ولكن دون جدوى..
وتم تمرير القانون بالقوة وتم المرور إلى تطبيق الإجراءات الجديدة دون احترام للرأي المخالف وهي قضية تجد معارضة شديدة من شريحة كبيرة من العمال والموظفين الذين يعتبرون أن الانسان اليوم لم يعد قادرا على العمل إلى ما فوق سن الستين، وأن الحياة ليست منحصرة فقط في الذهاب كل يوم إلى مصنع أو شركة أو مقر عمل رغم ما بررت به الحكومة هذه الزيادة في سن التقاعد لأسباب مالية تقتضيها جرايات المتقاعدين وإلى الكلفة المالية التي لا تتحملها الصناديق الاجتماعية حينما يحال الكثير من العمال والموظفين على التقاعد…
ملف الهجرة والسيادة الوطنية
القضية الثالثة التي شغلت الرأي العام الفرنسي وكانت مدار نقاش حاد بين مختلف الكتل الحزبية وبرز بها تيار اليمين المتطرف وأحزابه المصنفة اقصائية و شعبوية قضية السيادة الوطنية لفرنسا التي يراها الكثير من الفرنسيين منتهكة وحصل لها ضعف كبير وفقدت الكثير من قوتها وإشعاعها نتيجة السياسات المتبعة من طرف الحكومات المتعاقبة، نتيجة سياسات الاتحاد الأوروبي التي أضرت كثيرا بكل ما هو هوية فرنسية وخصوصية وتاريخ للشعب الفرنسي وموضوع استعادة السيادة الوطنية للدولة الفرنسية له علاقة ورابط كبير بموضوع الهجرة والمهاجرين ووضعية الأجانب من غير الفرنسيين مهما كانت جنسياتهم وخاصة القادمين من الدول الإفريقية والمغرب العربي أساسا…
حيث ترى أحزاب اليمين ويؤيدها في ذلك الكثير من الشعب الفرنسي أن فرنسا تكون أقوى من دون مهاجرين وأن فرنسا فقدت هويتها وثقافتها وتاريخها وجذورها المسيحية جراء سياسات الهجرة الأوروبية وقوانين الهجرة التي سنها الاتحاد الأوروبي وفرضها.
فأحزاب كحزب ” الاسترداد ” و حزب ” الجبهة الوطنية ” وهي أحزاب من أقصى اليمين المتطرف تدافع عن فكرة القطيعة مع الاتحاد الأوروبي وترفع شعار ” أوروبا كفا ” وشعار ” فرنسا أقوى دون أوروبا ” وتحمّل أحزاب وسط اليمين والشيوعيين والاشتراكيين المسؤولية فيما آل إليه حال فرنسا من اختلاط عرقي مضر بنقاوة العنصر الفرنسي وقضى على هوية فرنسا المسيحية بعد أن اكتسح الدين الإسلامي فرنسا وأصبح هناك خوف من أسلمة فرنسا إذا لم يقع التصدي لهذه السياسيات المنفتحة والمتسامحة مع الأجانب ّ.
اليوم موضوع الهوية والتاريخ والثقافة هي قضايا لها الأولوية في النقاش العام في فرنسا واليوم الأحزاب اليمينية المتصلبة المرشحة للفوز في هذه الانتخابات حسب نتائج سبر الآراء تعد بإنهاء العلاقة مع الاتحاد الأوروبي وتعتبر أن فك الارتباط مع هذا الكيان الوحدوي هو الطريق و الخطوة الأولى لاستعادة السيادة الوطنية المنتهكة واستعادة السيطرة على المصير والإرادة المسلوبة والدفاع عن الهوية المسيحية للمجتمع الفرنسي وكل المجتمعات الأوروبية التي تتعرض إلى تهديد من الوافد الهووي والوافد الديني وتعتبر أنه من دون الدفاع عن مسيحية فرنسا ومسيحية أوروبا فإن القادم سوف يكون أسوأ…
صعود التطرّف
الذي يهمنا ونراه مفيدا في هذا النقاش العام الذي يشهده المجتمع الفرنسي هذه الأيام على خلفية الانتخابات التشريعية أن جزءا كبير من الشعب الفرنسي قد تخلى عن الأيديولوجيات وطلّق الأحزاب التي مازالت تؤمن بفكرة التعدد والعيش المشترك والحقوق والحريات الكونية، وترك الخوض في القيم الديمقراطية لفرنسا وبات يقرر مصيره من خارج القيم وحقوق الجمهورية الفرنسية وعلمانيتها التي اشتهرت بها…
اليوم الشعب الفرنسي مال إلى خيارات أحزاب أقصى اليمين والتيارات الموصوفة بالتشدد والتطرف القومي التي رأى فيها المدافعة عن هويته وتاريخه وثقافته التي تميزه عن غيره من المجتمعات والتي كانت تاريخيا سبب قوته ويرى فيها مستقبله بعد أن تسترجع فرنسا هويتها وسيادتها التي فقدتها نتيجة ما حصل من انصهار في منظومة الاتحاد الأوروبي التي أغرقت البلاد بالمهاجرين وجرتها الى حروب لا تحتاجها ولا تقبل بها وفرضت عليها قوانين هجرة ونظام تقاعد ونظام أجور وعمل اضرت بها وجعلت أبناءها يتقلص وجودهم أمام حضور المكثف للأجنبي…
نحن أولى بأموال فرنسا!
اليوم الشعب الفرنسي بتصويته لصالح أحزاب اليمين المتطرف يحلم بالعودة إلى فرنسا توفر لأبنائها أجرا ومقدرة شرائية تليق به وتمكنه من العيش بكل هدوء وراحة ونظام تقاعد يليق بكل المتقاعدين يضمن لهم حياة دون متاعب بعد انقطاعهم عن العمل، ويريد دولة لا تثقل كاهل شعبها بالضرائب والاتاوات دولة مرافقة للفئات الضعيفة وتعتني في المقام الأول بطبقاتها الفقيرة والمتوسطة وتنفق أموال دافعي الضرائب في مصلحة الشعب الفرنسي بدل صرفها في خدمة الأجانب والمهاجرين والدخلاء والوافدين، فهذه أموال الشعب الفرنسي الأصيل و هم أولى بها وما على الدول الأخرى إلا أن تتكفل بأبنائها المهاجرين فـ بلدانهم أولى بهم وفرنسا لا تحتاجهم.
‘فرنسا للفرنسيين’
اليوم الشعب الفرنسي تذكر أنه شعب مسيحي وأن لديه ديانة هي حصنه من الوافد الديني المهدد لـ تاريخه وثقافته، وهي واقية من الاكتساب الإسلامي الذي يشهده المجتمع الفرنسي الذي ازداد وانتشر بعد حرب غزة جراء التعاطف الكبير مع القضية الفلسطينية وما يحصل من حرب إبادة لسكان غزة على يد الآلة الحربية الصهيونية ومن التعرف على الدين الإسلامي والاهتمام بالقرآن كتاب المسلمين المقدس الذي عادت أوروبا تقرأه.
اليوم الشعب الفرنسي أمام فكرة استعادة الهوية والتاريخ والثقافة المحلية لم يعد تهمه الديمقراطية وقيمها ولا الحريات الفردية ومنظومة حقوق الإنسان ولا الاتحاد الأوروبي والاندماج في كتلة اقتصادية قوية تضمن له الازدهار والتفوق وإنما الذي يعنيه في المقام الأول هو طرد المهاجرين وانهاء الوجود الافريقي في شوارع باريس وإيقاف الزحف الإسلامي وتمدد الثقافة الأجنبية .. اليوم أولوية الشعب الفرنسي في هذه الانتخابات هو تحقيق الشعار الذي ترفعه أحزاب اليمين “ فرنسا أولا وفرنسا للفرنسيين ”