يوسف الرمادي يكتب/ إلى وزيرة التربية: ما لا يدرك كلّه لا يترك جلّه..

كتب: يوسف الرمادي
لقد استمعت إلى حديث إذاعي مع السيدة وزيرة التربية سلوى العباسي عن استعدادات وزارتها لامتحان الباكالوريا حيث سيتوجّه آلاف من التلاميذ التونسييّن لاجتياز هذا الامتحان المصيري…
وشهادة الباكالوريا تعتبر المفتاح الذي يمكّن التلميذ من مواصلة تعليمه في مختلف شعب التعليم العالي، وحيث أنّ الحديث ذو شجون ـ خاصة عندما يكون مع وزيرة التربيّة في مثل هذا الظرف، ـ فقد كانت فرصة للمنشّط لفتح الحوار حول العديد من المواضيع التي تُعَبِّر عن مشاغل المواطنين..
أموال ‘التابلات’..
وما شدّ انتباهي في هذا الحوار هو ما جاء فيه حول “التابلات” أي اللوحات الالكترونيّة، إذ عمدتْ السيّدة الوزيرة وبجرّة قلم فسخ برنامج كامل لاقتناء اللوحات بما يساوي تقريبا ( 30 مليون دينار؟) لأنّها انتبهتْ أنّ العديد من المدارس الابتدائيّة في حالة سيّئة جدا وليس بها الماء الصالح للشراب.
وإنّي أتساءل إن كانت هذه الأموال متأتّية من قروض كيف أمكن للسيّدة الوزيرة إعادة برمجتها في غير ما اُقْتُرِضَتْ من أجله؟
وهل هذا القرار هو قرار فردي من الوزيرة أم هو نتيجة تشاور مع المصالح المهتمّة بهذا الموضوع؟ والتي كانت وراء هذا القرض الذي برمج لهذه الوسيلة التربويّة.
وكما لا يخفى على أي مهتمّ بالتربيّة والتعليم أنّ ظروف الدراسة في العديد من مدارسنا تستحقّ أكثر عناية لتحسين هذه الظروف وقد شرع وزير التربيّة الأسبق ناجي جلول في مشروع سماه التضامن التربوي، وقد تمكّن من العديد الإمكانيات من أصحاب الخير الذين تغيّرت نظرتهم لفعل الخير فبعد أن كانوا لا يقبلون إلّا على بناء المساجد التَفَتوا لبعض المدارس ووفّروا للتلاميذ ظروفا أحسن…
ولا أظنّ إلا أن هذا الملف بين يدي السيّدة الوزيرة وأنّ مصالحها على علم بما أنجز منه وما لم ينجز، والمحيّر فعلا لماذا لم تواصل الوزيرة ما بدأه سابقها في سياق التواصل لمصلحة عمليّة التربيّة وذلك بمواصلة حثّ رجال الأعمال وأصحاب المشاريع على تبني بعض المدارس الابتدائيّة في جهاتهم لتوفير الحدّ الأدنى من الظروف الحسنة للدراسة لهؤلاء التلاميذ أم أنّ عمليّة الغاء اللوحات الالكترونية التربويّ أسهل، وهي عمليّة فيها كثيرا من الـ ‘شو’ خاصة عندما نربطها بتوفير الماء الصالح للشرب في المدارس المحرومة…
حرمان للتلاميذ؟
لكن هل من المنطق أن نحرم تلاميذ المناطق المحرومة من أن يلتحقوا بـ ‘أندادهم’ من المدارس الأخرى الذين تتوفّر عندهم “التابلات” وما توفّره لهم من مساعدة وترفيه، وذلك لتوفير آبار للشرب أو لتغيّر صهاريج المياه؟ فهذه العمليّة يمكن أن تساهم فيها الكثير من الوزارات والمقاولات المهمّ أن نجتهد ونقوم بحملة للعثور عليهم لا أن نذهب للحلول السهلة وهي حرمان التلاميذ المحرومين من أصلهم من أهمّ وسيلة تربويّة بدعوى القضاء على العطش في بعض مدارسنا وهي قبل كلّ شيء عمليّة من واجبات الدولة…
فهل السيّدة الوزيرة ومصالحها وكلّ القائمين على العمليّة التربويّة يرضون بهذا الحلّ الذي سيعمّق الهوّة بين أبناء الوطن الواحد في عمليّة أرادتها تونس منذ دولة الاستقلال أن تتوفّر فيها نفس الحظوظ لكلّ تونسي أينما كان على هذه الأرض الطيّبة.
الدروس الخصوصية
ثمّ ومن باب الصدفة ومباشرة بعد مداخلة السيّدة الوزيرة تدخّل المسؤول على جمعيّة لأولياء التلاميذ ليعطي أرقاما مهولة يصرفها الأولياء في الدروس الخصوصيّة، وهو امتياز لا أظنّ أنّ تلاميذ المدارس العطشى يتمتّعون به فـ التلميذ من هذه الفئة إذا لم يفهم الدرس في القسم ـ وغالبا ما يقع هذا لأسباب معلومة ـ فمن المستحيل بالنسبة له تداركه إذ لا دروس تدارك ولا عائلة قادرة على إعانته على التدارك ولا ظروف في المنزل تساعد على المراجعة…
فهل السيّدة الوزيرة فكّرتْ في رفع هذا الحرمان على تلاميذ المدارس المهمّشة عند التراجع على شراء اللوحات الالكترونيّة لفائدة حفر الآبار وتغيّر الصهاريج؟
خوفي من الفشل..
السيّدة الوزيرة: إنّ عمليّة التربيّة موجّهة لكلّ التونسييّن مهما كانت ظروفهم على قدم المساواة والوزير مطالب من الاستفادة من كلّ التجارب التي سبقته ومن حقّه تعديلها إن رأى فيها ما يجب إصلاحه لكن سياسة الإلغاء والانطلاق من صفر قد جرّبتْ و أضرّتْ بكثير من الميادين وخاصة ميدان التربيّة الذي لا نزيد ولا نقبل أن يبقى ميدانا للتجارب غير العلميّة حتّى وإن كانت عن حسن نيّة إذ حسن النيّة لا يغفر للمسؤول إن كانت النتائج
– لا قدّر الله- سيّئة ولو كان ذلك على المدى البعيد خاصة بالنسبة للمسؤولين الذين لا يهمّهم إلّا اللحظة التي يتحمّلون فيها الأمانة…
أين العدل؟
وبالمناسبة ونحن هذه الأيام في خضمّ اجتياز أهمّ امتحان مصيري في حياة الإنسان وهو شهادة الباكالوريا فإنّي أسأل السيدة الوزيرة فهل تلاميذ الآبار والصهاريج بعد سنوات سيدخلون هذا الامتحان سيكونون على نفس المستوى وتكون لهم نفس الحظوظ مع غيرهم من التلاميذ، والسيّدة الوزيرة تقزّمهم من البداية بحرمانهم من وسيلة لا يستهان بها للمساعدة على اكتساب المعرفة؟
وهل ستكون الدولة قد وفّرتْ لهم نفس الظروف وهذا صميم العدالة أم أن التلاميذ الذين يتمتّعون بـ »التابلات “سيكون تميّزهم ملحوظ إذ أنّ هذه الوسيلة توفّر ظروفا أحسن وفرصا أكثر للنجاح لهذه الفئة من التلاميذ؟..
بعد أن استمعتْ للسيّد الوزيرة تذكرت المثل الشعبي الذي يقول “جِيعَانْ فِي كِرْشُو وفي صُبْعُو خَاتم” وشعرتُ أنّ السيّدة الوزيرة تريد أن تعمل بهذا المثل أي أن تتنزع الخاتم وتطعم البطن…
لذلك أقول للسيّة الوزيرة دعي الخاتم في إصبع هؤلاء التلاميذ وفتّشي بالتعاون مع المجتمع المدني على إشباع هذه البطون…