صالون الصريح

هادي دانيال يكتب: حذار مِن خبائث ’الطيّب’!

HEDI DANIEL ce
كتب: هادي دانيال

بَعْدَ ثلاثة أسابيع تقريبا يستفيق طيّب رجب أردوغان من الغيبوبة المؤقّتة التي أسقطتْه فيها ضَرْبةُ عملية “طوفان الأقصى” التي قادتها “كتائب عز الدين القسّام” الجناح العسكري لحركة “حماس” (الإخوانيّة) إلى جانب “سرايا القدس” الجناح العسكري لحركة “الجهاد” (المنشقّة عن حركة “حماس”) وكتائب أبي علي مصطفى” الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (اليسارية)…

هذه الضربة التي أصابت في مقتل ليس فقط قادة العدو الصهيوني في فلسطين المحتلة بل أيضا أصابت قادة الغرْب والشرْق من حلفاء “تل أبيب” وبينهم الرئيس التركي “أردوغان” الذي كان بصدد خطوات إضافية لتعزيز العلاقات الاستراتيجية بين الكيانين العثماني والصهيوني اللذين يسوّقان سياساتهما الاستعمارية التوسّعيّة على أجنحة خرافات الدين السياسي الإسلامي واليهودي! وأجنحة قاذفات القنابل التي تزوّدهما بها واشنطن خاصة، هذه الخرافات التي جعلت “أردوغان” يقود الحرب الإرهابية على سورية بعزمه على “الصلاة في الجامع الأموي” لكنها لم تُوظَّف لجعْل “أردوغان” يقود مقاومة “إسلامية” كي يصلّي في المسجد الأقصى.

“البابَ العالي”

فُوجئ “أردوغان” الذي يعدّ نفْسَه “البابَ العالي” لحركة “الإخوان المسلمين” في العالم بأنّ الجناح العسكري لحركة “حماس” الإخوانية تقود حرباً على حليفه الصهيوني (مِن وراء ظهره) وربما بتنسيق مع منافس إقليميّ على حدوده الشرقيّة، فكان أوّل ردود فعْل هذا القائد الانكشاري طرْد قادة حركة “حماس” السياسيين المستظلين بجناحه من الأراضي التركية وكأنّه لم يُصَدِّق أيْمانَهم التي أقسموها بأنهم مثله تماما لم يعلموا شيئا عن عملية “طوفان الأقصى” إلّا بعد وقوعها والإعلان عنها بصوت “محمد ضيف” عبر وسائل الإعلام المختلفة.
وردة فعْل السلطان “أردوغان” هذه جرّدَتْه من ميزة “الوسيط” التي كان « يتمتّع” بها من خلال احتضان “الإخوان” ومدّ جسور الودّ مع الكيان الصهيوني في آنٍ مَعاً.

غضْبة الشارع التركي

كما فوجئ “أردوغان” بغضْبة الشارع التركي الذي استفزتْه جرائم تل أبيب في غزّة، فكان على السلطان التركي مسايرة رعيّته وامتصاص غضب بعضها الكثير وخاصة حليفه القومي فضلا عن أحزاب المعارضة وجماهيرها، فأعلن عن إجراءات من نوع تأجيل زيارة وزيره الفلاني إلى تل أبيب والدعوة إلى مظاهرة “مليونية؟” بقيادته مساندة لغزة وصولا إلى خطابه الذي تضمّن تهديدا بإمكانية الظهور عسكريا في غزة كما ظهر عسكريا في ليبيا (التي لجأت إليه وزير خارجيتها هروبا من العقاب الشعبي الليبي على خطوتها التطبيعية مع الكيان الصهيوني) أو كما ظهر في أذربيجان (أكبر مصدريّ النفط إلى الكيان الصهيوني).

والذي بات مفروغا منه أنّ “أردوغان” الذي لم يجرؤ على طرد السفيرة الإسرائيلية وإغلاق سفارة تل أبيب في أنقرة (مثله في ذلك مثل بقيّة الزعماء العرب والمسلمين الذين يرفرف العلم الصهيوني في عواصمهم) لن يظهر عسكريا في غزة إلّا إلى جانب قوات الاحتلال الإسرائيلي تماماً كما ظهر في ليبيا وأذربيجان في خدمة المصالح الإمبريالية الأمريكية والأوربية، وضد المصالح الروسية والصينية وحلفاء موسكو وبكين من دول وشعوب العالم المتضررة من سياسة النهب والهيمنة والغطرسة الغربية والأمريكية تحديدا، والتي ترى في الاتحاد الروسي وجمهورية الصين الشعبية ضامنين للشرعية والقانون الدوليين ولحقوق الشعوب في ثرواتها وتقرير مصائرها القومية والوطنية.

مشروع استعماري

وأردوغان الذي لم يعبأ بـ الغضب الروسي عندما استفزّ موسكو بالموافقة المبدئية على انضمام السويد إلى حلف الناتو منتظرا من “ستوكهولم” مساعدته في تحقيق حلمه بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي (وهو أشبه بحلم إبليس بالجنة)، أردوغان هذا لا يجد إمكانية لتحقيق مشروعه العثماني الاستعماري بعيدا عن الغرْب الامبريالي ومشاريعه الاستعمارية عبر العالم وأولها “الكيان الإسرائيلي” الذي هو مشروع غربي وظيفته الأولى إضعاف العرَب دولا وشعوبا وإنهاكهم ليتمكن الغرْب من نهْب ثرواتهم ومقدّراتهم وصولا إلى انقراضهم، فضلا عن مشاريع هذا الغرْب المستمرة ضدّ روسيا والصين وكوريا الشمالية ودول أمريكا اللاتينية.

قواعد أمريكية

لقد سبق للطيّب أردوغان أن خدع القيادة السورية تحت الشعار التركي “صفر مشاكل مع الجوار” لدرجة أنّ دمشق أبرمت معه اتفاقيات أمنية واقتصادية كانت جميعها لصالحه ومع ذلك ضرب عرض الحائط بالشعار المزعوم وبالاتفاقيات التي أبرِمَت في ظلّه، وكان المنفّذ الأول لمؤامرة الربيع العربي الصهيو أمريكية ضد الدولة السورية وجيشها وشعبها ومِن حدود بلاده مع سورية وبرعايته السياسية ثم تدفّق الإرهابيون التكفيريّون والمرتزقة القادمون من شتى أصقاع العالم ليدمروا الدولة السورية مؤسسات مدنية وعسكرية، مدنا وقرى، بيوتا ومرافق صحية، مصانع وحقولا زراعية، إلخ، ليعتدوا على السوريين ذبْحاً و تقتيلا ويكون من نتيجة ذلك رفْع العلَم التركي على أراضٍ سورية جديدة بعد لواء اسكندرونة، وفي الوقت نفسه انتشار قواعد أمريكية في المناطق التي تسيطر عليها القوات الانفصالية الكردية أعداء أردوغان المزعومين. وفي الحالتين القوات التركية والقوات الأمريكية قوات أطلسية من الحلف ذاته، حلف الناتو.

هذه الحقائق، إضافة إلى مناوراته مع موسكو التي كافأها على إنقاذه من الانقلاب الذي دبرته ضدّه جماعة “فتح الله غولن” القريبة من الإدارة الأمريكية، كافأ “أردوغان” موسكو بإسقاط إحدى طائراتها على الحدود السورية وغياب الحماية على سفيرها في أنقرة مما أدى إلى اغتياله… وإرسال قواته إلى أذربيجان للقتال ضد حلفاء روسيا، وتزويد الحكومة الأوكرانية بالطائرات المسيّرة التي تستهدف القوات الروسية في الحرب التي يخوضها الغرْب كله ضدّ روسيا على الأراضي الأوكرانية وانطلاقا منها.

مصالح استعمارية

هذه الحقائق، التي يضاف إليها أيضا الوجود التركي في خدمة المصالح الغربية شرق آسيا (خاصة دول الاتحاد السوفياتي السابق ذات الأغلبية الإسلامية) و أفريقيا وشمال الأخيرة خاصة، والتي تكيّف أنقرة مصالحها معها لكونها جميعا مصالح استعمارية، وتحاول تركيا أن تجعل من الإسلام السياسي حصان طروادة لدخول الغرْب ومصالحه إلى هذه الدول في القارتين المذكورتين، وإن كانت المصالح الغربيّة قد سبقتها إلى شمال أفريقيا مثلا، فالدور التركي دَمَجَ مصالح أنقرة مع مصالح الغرْب وخاصة دول حلف الناتو في مواجهة المصالح الوطنية لهذه الدول، خاصة عندما تستقوي الدولة الوطنية بالأصدقاء الروس أو الصينيّين أو غيرهم في مشهد سياسي دولي جديد تعددت فيه الأقطاب على الرغم من السعار الأمريكي لاستعادة المشهد السياسي الدولي وحيد القطب، وفي هذا السياق مثلا جاءت الاتفاقيات التي أبرمتها أنقرة مع تونس في ظلّ حكم حركة “النهضة”، والتي جميعها، وخاصة الاقتصاديّة، تنصّ على امتيازات تركية على حساب المصالح الاقتصادية التونسية، والخطير في الأمر أنّ هذه الاتفاقيات لا تزال سارية المفعول، وستؤثر سلْباً على الجانب الاقتصادي من سيادة تونس، وستكون لها تداعياتها السلبية جدا إذا لم تسارع الحكومة التونسية إلى مراجعة هذه الاتفاقيات وصولا إلى إلغائها أو تعديلها بما يضمن التوازن الكفيل بحماية الحقوق التونسية.

تغلغل اقتصادي

إنّ التغلغل الاقتصادي التركي في بلاد وضْعها لا يزال هشا، لا يمكن إلا أن يفضي إلى تغلغل سياسي وأمني وعسكري رافد للتغلغل الغربي الذي هو في نهاية المطاف داعم للمشروع الصهيوني في المنطقة. وسيرة هذا “الطيّب” التركي تؤكّد أنّ شيمته الغدْر وإذا كان له خلاف جزئي مع الكيان الصهيوني فهذا الخلاف يندرج في سياق المنافسة لا في سياق العداء، فطموحه أن تكون منزلته عند الغرْب الاستعماري الأمريكي والغربي بموازاة منزلة الكيان الصهيوني عند هذا الغرْب إن كان ليس بالإمكان الوصول إلى منزلة أعلى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى