صالون الصريح

هادي دانيال يكتب: المُسْتَهْدَف أمريكيّا في سورية نموذج الدولة الوطنية المكتفية ذاتيا…

danille
كتب: هادي دانيال

عندما وَضَعوا الجمهورية العربية السورية على قائمة أهداف مؤامرة الربيع العربي وثورات “فوضاها الخلّاقة”، لم يكونوا مهتمّين بتخليص الشعب السوري من حكم “استبدادي” وتمتيعه بالديمقراطية الأمريكيّة المزعومة خاصة وأنّ أدوات تصدير هذه الديمقراطية إلى الشعب السوري كيانات طحلبية مشلوحة إما على شواطئ الخليج العربي وبحر العرب والبحرين الأحمر والميت وإمّا على المحيط الأطلسي….

وجميعها محكومة بأوليغارشيّات عائلية معظمها لم يعرف إلى الآن دستورا أو حياة برلمانية، ولم يسمح منذ نشأته لأنوف محكوميه أن تشمّ روائح الحرية والديمقراطية اللتين تشبّع بهما الشعبُ السوري قبل أن ترتسم تلك الكيانات على خرائط الجغرافيا السياسية، ومن مهازل القدَر أن تتحوّل الدولة السورية العريقة في عُرْفِ هذه الكيانات المصطنعة إلى “صيدة” تمكنت من الإفلات عندما اختلف ‘الصيّادان’ على كيفيّة الإجهاز عليها…

أمريكا تُشعل الحروب

أمّا الديمقراطيّة الأمريكيّة فكلما دارت أسطواناتُها في بلدٍ من البلدان سالت دماء شعبه في الشوارع إلى أن يرزح بقوّة المارينز سليلِ عصابات اليانكي ورعاة البقر وصيّاديّ الجوائز، تحت نير استعباد الشركات الاحتكارية الإمبريالية، وهذا واقع شهده العالم المعاصر منذ النصف الأوّل من القرن العشرين الأمر الذي حدا بالقائد الوطني الفيتنامي هوشي منه إلى أن يقول: ” لا يوجد بيت مدمَّر أو حجر مُبعثَر أو يَدٌ مبتورة أو أمّ ثكلى أو أمّة مُشوّهة ..إلّا وستجد للولايات المتحدة الأمريكية أثراً فيه »…
وقد صدقت مقولة “هوشي منه” ليس في حرب الفيتنام فقط بل وفي الحروب الأهلية التي أضرمتها السي آي إي في دول أمريكا اللاتينية والحروب الخارجية التي شنتها واشنطن أو قادتها على أفغانستان و يوغسلافيا السابقة والعراق وليبيا واليمن وسورية…

وإذا كنّا نتوهّم أنّ النسخة التي يتمّ تصديرها من الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان الأمريكية إلى خارج الولايات المتحدة والتي تجلّت في سجون أبي غريب وغوانتنامو وقتل المدنيين وخاصة الأطفال (مستقبل الشعوب المُستهدفة) وتدمير البنى التحتية في أفغانستان والعراق وغيرهما فرضتها حماية المصالح الأمريكية العليا لصيانة نمط الحياة اليومية للمواطن الأمريكي فإنّ قسوة وشراسة العنف الذي تُسلّطه أدوات القمع الأمريكية على طلبة الجامعات الأمريكية (مستقبل الشعب الأمريكي) الذين يخوضون معركة تحرير شعبهم ومجتمعهم ودولتهم من نير استعباد الصهيونية المسيحية/اليهودية المسيطرة على الشركات الاحتكارية الإمبريالية الكبرى، والتي لا تبزّ مشاهدها وحشيّة إلّا مشاهد عنف جيش الاحتلال الإسرائيلي ضدّ الشعب الفلسطيني الباسل في قطاع غزة والقدس والضفة الغربية التي باتت جميعها محتلة، هذا العنف يؤكّد أنّه وسيلة الليبرالية الأمريكية المتوحشة الوحيدة في الحوار مَع مَن يخالفها داخل الولايات المتحدة أوخارجها وأنّ مقولة “جورج بوش الابن” رمزهم الأول (جمهوريين و ديمقراطيين): “مَن ليس معنا فهو ضدنا” هي المعادل لأكذوبة “حرية التعبير” غربيّاً وليس أمريكياً فقط.

فجر الحرية المزعومة

إذن من المغالطات شَخْصَنَة ما حدث في سورية منذ مارس 2011 وعدّه ثورة باركتها (كي لا نقول قادتها السفارتان الأمريكية والفرنسية في دمشق) لتخليص الشعب السوري من ظلمات حكم الحزب الواحد والانتقال به إلى فجر الحرية وشمس الديمقراطية وحقوق الإنسان.
ومن المغالطات أيضاً أنّ العداء الأمريكي للدولة السورية ورمزها الوطني الرئيس بشار الأسد سببه رفض الأخير طلبا حمله إليه في دمشق الوزير “كولن باول” يتضمّن طرد “قيادة حركة حماس” من دمشق، وواقع الحال أن الحكومة الأمريكية لم تتوقف منذ العام 1979 إلى هذه اللحظة عن فرض عقوبات غير شرعية على الاقتصاد السوري بذرائع وهمية تتعلق بمكافحة الإرهاب الذي تمارسه واشنطن بمختلف أشكاله الأمنية والعسكرية والاقتصادية…
كما أنّ انخراط حركة “حماس” في الحرب الإرهابية التي شنتها واشنطن عبْر أدواتها من التكفيريين والمرتزقة على الدولة السورية رفع جدارا من الدم بين الرأي العام السوري وقيادة “حماس”. والشيء بالشيء يُذكر فإنّ “حماس” ليست وحدها مَن غَدَر بدمشق من بين حلفاء الحكومة السورية المقربين عشية أحداث 20 مارس 2011 بدءاً من درعا، فقد كانت أنقرة التي تقيم علاقات رسمية أو واقعية غير رسمية مع تل أبيب والقريبة أيديولوجيا من “حماس” وفي الوقت نفسه في علاقات متشابكة سياسية واقتصادية وإعلامية مع الحكومة السورية وعائلية حميمة مع قادتها، كانت الأشدّ شراسة في إدارة ظهر المجن للدولة السورية ورئيسها.

نموذج الدولة الوطنية مستهدف

إذن كان الدافع الأساس لاستهداف الدولة السورية التخلّص من نموذج الدولة الوطنية التي حققت أمنها الاقتصادي والمالي (ففي أوائل شهر مارس 2011 لم تكن الدولة السورية مديونة بسنتيم واحد لأي طرف خارجي عبر العالم)، كما راكمت كمّاً ونوعاً متطلبات أمنها في مواجهة أي خطر خارجي.
فالدولة الوطنية التي تحقق اكتفاء ذاتيا يمكّن مواطنيها من إنتاج طعامهم وشرابهم ولباسهم ومن تأمين حاجات المواطن الأساسية الأخرى كـ السكن والتعليم والصحة مجانا تقريبا، و بتصدير الفائض عن الحاجة من منتوجهم الزراعي والصناعات التحويلية، والثروات الطبيعية تحصل على احتياجات الدولة من العملة الصعبة، هذه الدولة الوطنية نموذج ليس فقط غير مرغوب به بل ومطلوب رأسه منذ أعلنت واشنطن بعد انهيار الاتحاد السوفياتي سياسة القطب الواحد التي روّجت لها بمصطلح العولمة الذي يعني شيئا واحدا هو أمْرَكة العالم.

وبهذه الاستقلالية كانت الدولة السورية تلعب دورا إقليميا فاعلاُ دائما وحاسما أحيانا كثيرة. وهذا النموذج السوري ربما ألهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإعادة موسكو إلى لعب دورها الدولي الفاعل والحاسم بعد تحقيق برنامج بدأ تنفيذه فور تسلّمه دفّة الحكم فبدأ بتسديد روسيا جميع ديونها لتعزيز استقلال وسيادة الدولة الوطنية بالاعتماد على الاكتفاء الذاتي وتحقيق الأمن الاقتصادي والمالي جنبا إلى جنب الأمن العسكري، وقد كان الرئيس بشّار الأسد قد عطّل مشروع العولمة الأمريكي عندما رفض أن تمرّ أنابيب الغاز القطري من الأراضي السورية إلى تركيا في طريقها إلى الاتحاد الأوربي لتعويض الغاز الروسي وتجفيف مصادر العملة الصعبة التي تحصل عليها موسكو من إيرادات الغاز الذي تصدره إلى دول أوروبا، وهذه التدابير الأمريكية سبقت بسنوات التحرُّش الغربي بالاتحاد الروسي من الخاصرة الأوكرانية.

ولهذا الهدف الأمريكي كان “ثوّار الفوضى الخلاقة” في سورية يفككون مصانع حلب ويبيعونها في الأسواق التركية، ويهاجمون بطاريات المدافع المضادة للطيران الحربي، ويظهرون تارةً في الكنيست الإسرائيلي وتارة على القنوات الإسرائيلية وتارة في المستشفيات الإسرائيلية إما على “الحدود” مع الجولان السوري المحتل أو في مستشفيات تل أبيب.

مثلما ظهر سفيرا واشنطن وباريس مبكرا في “مظاهرات” مدينة حماة ، باشرت الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم الوجبات الغذائية والشاحنات الصغيرة للجماعات المسماة ” الجيش السوري الحر”، بل وسارعت إلى توفير التدريب والمال والاستخبارات لقادة هؤلاء الخونة السوريين الذين تمّ تجنيدهم لعسكرة “الحراك” وشنّ الحرب الإرهابية التكفيرية ، التي بدأت عام 2011. لقد حاول برنامجان أمريكيان استثمار الفوضى المنظمة، أحدهما برنامج عسكري تم به التخطيط لتدريب وتجهيز 15 ألف متمرد سوري لكنه ألغي في عام 2015 بعد أن أنفق 500 مليون دولار ولم ينتج عنه سوى تجنيد عشرات من المقاتلين، بينما نفذت وكالة المخابرات المركزية برنامجا سريا قيمته 1 مليار دولار حقق نجاحا أكبر، ولكن دمره القصف الروسي وألغته إدارة الرئيس “ترامب” في منتصف عام 2017.

عقارب تلدغ

ومرّة أخرى تُلْدَغ الحكومة السورية من العقارب التي تخبئها على مقربة من القلب، أعني هنا عقابيل القائد الماركسي “عبد الله أوجلان” زعيم حزب العمال الكردستاني في تركيا، والذي كان قريبا فكرياً ووجدانيا من الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد وكاد احتضان دمشق له ومناضلي حزبه أن يتسبب في مواجهة عسكرية بين الجيش التركي والجيش العربي السوري حرص أوجلان على تفاديها بمغادرته الأراضي السورية إلى إيطاليا فأفريقيا حيث اختطفته المخابرات الأمريكية والموساد الإسرائيلي ليُسَلّم إلى أنقرة التي بدورها أودعته سجناً في جزيرة بحرية.
أوجلان هذا كان يناضل من أجل استعادة حقوق المواطنين الأكراد المشروعة ضمن الدولة الوطنية التركية، وتأثرا به نشأ سنة 2003 حزب الاتحاد الديمقراطي PYD كفرع سوري لحزب العمال الكردستانيPKK، وهذا يفترض أنه أيضا يناضل من أجل حصول المواطنين السوريين الأكراد على حقوقهم المشروعة ضمن الدولة الوطنية السورية، أي أنه بالضرورة حزب غير انفصالي. لكن في أوّل امتحان حقيقي له في حربه مع “داعش” المدعومة من المخابرات الأطلسية التركية والأمريكية خاصة، همس في أذن قيادته “قباد” ابن جلال الطالباني زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني في العراق الذي ترعرع سياسيا في أحضان النظام السوري لكنه كان سنة2005 أول رئيس غير عربي للعراق بعد سنتين من احتلاله. و”قباد” ولد في دمشق سنة 1977 وتخرج من جامعة كينغستن البريطانية لكنه عمل رئيسا لمكتب حزب والده في الولايات المتحدة فتزوّج من سيدة الأعمال اليهودية الأمريكية شيري كراهام وربط علاقات وطيدة مع دوائر واشنطن، جعلت منه عرّابا لتجسير العلاقات غير المشروعة بين القوات الأمريكية التي تزعم أنها تحارب داعش التي ولدت في مخابر المخابرات الأمريكية وبين حزب الPYD، وبعد أن كان طعم العلاقة تقديم الدعم اللوجستي بالمظلات من الجو استقدم “الماركسيون الأوجلانيون ؟” الجيش الإمبريالي الأمريكي إلى شمال شرق سورية لترتفع نبرتهم الانفصالية ضد الدولة السورية، فلم يخونوا بهذا اللقاء مع الذراع العسكري للإمبريالية الأمريكية ماركسيتهم وأوجلانيّتهم فقط بل خانوا أيضا سوريّةّ الشعب والوطن، وألحقت هذه الخيانة بالدولة السورية ضررا أكبر بكثير من الضرر الذي ألحقته بها خيانات بعض القادة البعثيين وبعض مسؤولي الأجهزة الأمنية كرياض حجاب ورياض نعسان آغا ونبيل الدندل وغيرهم الذين تسربوا إلى مفاصل الدولة عبر ترهّل الحزب الحاكم منذ واحد وسبعين عاماً بدون أن يتمكن (مثله مثل توأمه في العراق) من تغيير البنى الاجتماعية في أفق تقدمي علماني كما يُفتَرَض بحزب قومي اشتراكي، فيغدو مشروعه الأساس الحفاظ على السلطة بإدارة التوازنات بين مكونات مجتمع ما قبل الدولة الحديثة (القبيلة والعشيرة والطائفة). إذن أصاب انصياع الPYD وتبعيته للمارينز والسياسات الأمريكية في المنطقة وشمال شرق سورية خاصة مَقْتلاً في الدولة السورية على عكس خيانات البعثيين العرب كالمذكورين آنفا، الذين حالهم حال “حنّون” الذي “ما زاد في الإسلام خردلةً ولا النصارى لهم شغْلٌ بحنّونِ”.

كما أشرنا في بداية هذا المقال، لم تُستَهدَف سورية إلّا لكونها نموذج الدولة الوطنية المستقلة ذات السيادة بحكم اكتفائها الذاتي وتأمين أمنها الاقتصادي والثقافي والصحي والمالي والعسكري. واستقدام القوات الأمريكية إلى المناطق التي تسيطر عليها الPYDو”قسد” حقق الهدف الأمريكي الأساس، لأنّ في هذا الحيّز الجغرافي من الأراضي السورية مصادر الأمن الغذائي والاقتصادي لسورية فهنا آبار النفط والغاز وحقول القمح والشعير والقطن، هنا مثلث الذهب السوري الأسود والأصفر والأبيض.

جرائمَ نهبِ

وبموازاة قانون “قيصر” الأمريكي/الأوربي ولتجويع الشعب السوري وتعريضه لبرد الشتاء القارس بلا تدفئة، ترتكِبُ قوات الاحتلال الأمريكي جرائمَ نهبِ محاصيل القمح والشعير و تنقِلُ النفط السوري المسروق بعشرات الصهاريج الأمريكية من ريف الحسكة برفقة العملاء “القسديين” الانفصاليين (من مفارقات أسماء الأضداد أنّ هؤلاء العملاء يطلقون على أنفسهم من الأسماء “قوات سورية الديمقراطية” بينما هم ليسوا ديمقراطيين ولم يعودوا سوريين!)، إذن تنقل النفط السوري المسروق عبْر معبر المحمودية غير الشرعي باتجاه قواعد الاحتلال الأمريكي شمال العراق. ولم يقتصر الإرهاب الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية على ذلك بل جاوزه إلى جرائم حرب من نوع حرق عشرات آلاف الهكتارات المزروعة بقمحاً وشعيراً برمي البالونات الحرارية عليها من طائرات الأباتشي الأمريكية وإلقاء مرتزقة الاحتلال التركي بدورهم قنابل الهاون على آلاف الدونمات من حقول القمح والشعير في ريف الحسكة وجنوبي المدينة، ناهيك عن تدمير ونهب محطات الطاقة الكهربائية والاستمرار بنهب الثروات الطبيعية بما فيها نفط سورية وغازها. ولا نعلم إلى متى يصبر عقابيل أوجلان من “قسد” على استخدامهم كغطاء لحماية وإبقاء قطعان الذئاب الداعشية في البادية السورية كذريعة لبقاء القوات الأمريكية تحت شعار مقاومة الإرهاب المزعومة في قواعدها الاحتلالية غير الشرعية على الأراضي السورية والتي تشكل انتهاكا لسيادة الدولة السورية على ترابها الوطني، وخرْقاً حادّا للشرعية والقانون الدوليين.

السيطرة على الموارد الطبيعية

وهذه الجرائم الهادفة إلى السيطرة على مواردنا الطبيعية وحرمان شعبنا السوري من سلته الغذائية هي تجسيد لقرارات أمريكية تنفذها خلايا نائمة على صلة بالموساد الإسرائيلي في كردستان العراق وتتلقى التعليمات منها ومن القاعدة الأمريكية بمنطقة “التنف” التي تقدّم لهؤلاء الإرهابيين الدعم اللوجستي أيضا. وهذه القاعدة التي تضم حوالي 2000جندي أمريكي تقع في منطقة تابعة لمحافظة حمص وتلتقي فيها الحدود العراقية والأردنية مع الحدود السورية وهي لا تُستخدم فقط لتجنيد التكفيريين السوريين وتدريبهم وإرسالهم للقتال في مناطق الصراع داخل سورية وخارجها، بل هي أيضا قاعدة لتنسيق الضربات مع حلفائها في فلسطين المحتلة وكيانات أخرى بالمنطقة ضدّ إيران والمقاوَمَتَين اللبنانية والفلسطينية في حال تفاقم الصراع بين القوى الإقليمية.

طرد الاحتلال

في تعليق لوكالة الأنباء الصينية (شينخوا) قبل أشهر أكّد فيصل المقداد وزير الخارجية السوري على أنّ “الاحتلال الأمريكي للشمال الشرقي من سورية سينتهي بفضل نضال الشعب في محافظتيّ دير الزور والحسكة جنباً إلى جنب مع الجيش السوري”. وفي سياق التثنية على هذا التصريح الرسمي يجب أن لا نستبعد اللحظة التي تتجنّد فيها قوى الشعب السوري الحية كافة ليس فقط في محافظتي دير الزور والحسكة، بل على امتداد الجغرافيا السورية وإلى جانب جيشنا الباسل في إطار مقاومة شعبية مُنَظَّمةٍ لتطهير ترابنا الوطني من الاحتلالات التركية والإسرائيلية والأمريكية من الجولان إلى ريف حلب وإدلب ومن التنف إلى الرميلان وتلال بيدر وأبيض والنور. وإن كنا ندرك أنّ بلادنا صارت ميدان صراعات ومكابشات إقليمية ودولية فإنّ الحلفاء الذين التقت مصالحهم مع مصالحنا خاصة في مواجهة العدو المشترك سيظلون حلفاء لهم أولوياتهم كما لنا أولوياتنا، نلتقي معهم في كلّ ما يتعلق باحترام القانون والشرعية الدوليين وباستقلالية القرار والسيادة الوطنيين فعلى هذا المستوى مكوناتنا في سورية وروسيا وإيران ولبنان والعراق والصين تتشابه بتنوّعها العرقي والديني في إطار وطني جامع، ونعدّ أنفسنا غير معنيين بأي مشروع ذي صبغة دينية أو عرقية ولا نسمح له بأن يكون عابراً للدول الوطنية المتحالفة أو المتنافسة فما بالك بالمشاريع التي يتأسس وجودها نظريا على أنقاض وجودنا. ولكن هذا لا يعني السماح لأن يتراجع التنسيقَ الندّيّ لحماية الدولة الوطنية ومقاومة العدو العولمي على سُلّم الأولويّات.

أخيرا، إنّ الاحتلال الأمريكي حقق هدفه الرئيس في سورية، ألا وهو ضرب النموذج الوطني المكتفي ذاتيا وذي الدور الفاعل إقليميا، فإذا استسلمنا لهذا الأمر الواقع، فإنّ أحلامنا أوهام، أمّا إذا نشطت المقاومة الوطنية شعبيا ورسميا نشاطا مؤسساتياً غير مُرتَجَل، في كل لحظة من حياتنا اليومية وعلى كل شبر من ثرى الوطن المُفدّى فإنّ الاحتلال الأمريكي بعدّه وعتاده سيتبخّر في وقت أقصر مما يتوقع الحليم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى