صالون الصريح

هادي دانيال يكتب: مَن يُريدُ بالعلاقات التونسيّة ـ الجزائريّة شَرّاً؟ ولِماذا؟

adanille
كتب: هادي دانيال

تونس والجزائر شقيقتان يَجمَع الواحدةَ منهما إلى الأُخرى أنَّ لهما ذات الأب التاريخيّ وتَخَلّقَتا في ذات الرحم الجغرافيّ، وشَبّتا في المناخ السياسي نفسه إلى أن أصبحتا كيانين مُستقلّين لكلٍّ منهما واقعُه المُختلِف نسبيا ومشروعُه الخاصّ، لكنّ أواصرهما الوجوديّة غير قابلة للقطْع أو النكران.

منذ نيْل استقلالهما بَعْدَ كفاحٍ دامٍ ضدّ المستعمِر الكولونيالي نفْسه (المُستَعْمِر الفرنسي) عاشتا جنْباً إلى جنب دولَتَين مُسْتَقِلّتَيْنِ كلاهما تراعي المصالح الوطنيّة لشقيقتها وتحترم سيادتها واستقلالها، على الرغم من أنّ الدولة التي كانت تستعمرهما معا لم تتوقّف يوماً عن مُحاوَلةِ ليس فقط التدخُّل في الشؤون الداخلية لكُلٍّ منهما بل وأيضاً لم تكفّ عن السَّعْيِ إلى تعكير العلاقات بين هاتين الدولتين الشقيقتين بَعْدَ أن فَرَضَتا على باريس استقلالهما بملاحمِ الدمِ والدّموع.

الجزائر سند لـ تونس

ليس خّفِيّاً أنّ الجزائر كانت دائما سَنَداً لتونس في أزمات الأخيرة الاقتصاديّة، ولكنّها كانت حذرةً من علاقات الحكومات التونسية مع الغرب بشقّيه الأوربي والأمريكي، هذا الغرب الذي كانَ في حالة صراع دائم مع معظم الحكومات الجزائرية منذ استقلال الجزائر التي بدورها صارت قُبْلَةَ حركات التحرر الوطني ضد الاستعمار الغربي عَبْرَ العالَم.

ثورات الفوضى الخلّاقة

وعلى الرغم مِن أنّ هذا الحذَر الجزائري خَفّ كثيراً في فترة حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، الذي لم يكتفِ بِرَفْض التعاوُن مع واشنطن في التآمر على الجزائر بل حذّرَ القيادة الجزائرية مما كانت تدبّره ضدّها الولايات المتحدة الأمريكية كما تحالف مع الرئيس الراحل معمّر القذافي الذي قصفت القاذفات الأمريكية مقراته بأمر من الرئيس رونالد ريغن، وفرضت عليه واشنطن عقوباتٍ وحظْراً، إلّا أنّ هذا الحَذَر الجزائري عاد إلى الصدارة بعد أن عُوقِبَ الرئيس بن علي باختيار بلاده مختبراً لسيناريوهات “الربيع العربي” و”ثورات الفوضى الخلّاقة”، خاصة عندما فاخرَ الرئيس التونسي الراحل “الباجي قائد السبسي” بأنّه حِينَ كان رئيس حكومة مؤقتة جَعَلَ من تونس محطة عبور للأسلحة القادمة من الخليج إلى “ثوار الناتو” في ليبيا لإطاحة العقيد القذافي…
وكذلك بعد أن أعلن المنصف المرزوقي ذي الولاء المُعْلَن ليس فقط للغرب بل والعواصم العربية التابعة لواشنطن تحديدا، والذي في هذا السياق قَطَع العلاقات مع دمشق واستضاف ما سمّي “مؤتمر أصدقاء سورية” بحضور هيلاري كلينتون، الأمر الذي فتَح الباب على مصراعيه لتجنيد وإرسال المسلحين للقتال ضد الدولة السورية، وفي ذات الوقت كانت الجبال التونسية المحاذية للجزائر “تستضيف” إرهابيين تكفيريين بعضهم جزائري…

على حافة الفوضى

دامت هذه الحال عشر سنوات تقريبا، كانت خلالها الجزائر تبذل جهدها لاستيعاب الواقع التونسي الجديد الذي يترنّح على حافة الفوضى التي يدرك القادة الجزائريون أنها، أي الفوضى التونسية، خَطَر مُحدق بالأمن القومي الجزائري، ولذلك كانت تتكيّف مع جميع السلطات التي تتالت على قصري قرطاج والقصبة، حريصة على أن تقدم كل دعم تطلبه هذه الحكومات طالما يحول دون انهيار الدولة التونسية وتحوُّل تونس إلى خاصرة رخوة قد تعْبُر منها السيناريوهات الغربية المُعَدّة مُسبقاً ضد الجزائر إلى التنفيذ، كما سبقَ وأنّ هدّدَ أحد المسؤولين في أحد اجتماعات جامعة الدوَل العربية بالقاهرة.

ما بعد العشرية..

بعد عشر سنوات سوداء تخلّصت تونس مِن سيطرة حركة النهضة على السلطتين التشريعية والتنفيذية، وظهر في المشهد السياسي الجزائري التونسي تناغُمٌ بين الرئيسين التونسي “قيس سعيّد” والجزائري “عبد المجيد تبّون”، تجلّى خاصة في استقبال تونس مسؤولا من البوليساريو وإعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع دمشق والموقف المشترك في مساندة الحقّ الفلسطيني ورفض التطبيع مع الكيان الصهيوني في وقت أعلنت فيه الرباط إقامة علاقات دبلوماسية وعسكرية مع تل أبيب.

حادثة أميرة بوراوي

هذا التطوّر الجديد في العلاقات التونسية – الجزائرية أثار حفيظة الغرب الأوربي والأمريكي، وباتت سفاراته في الجزائر وتونس تتحرّك لكي تهزّ الثقة المُتبادَلَة بين قيادتيّ الدولتين الشقيقتين فَحَصَلَت حادثة تهريب المُعارِضة الجزائرية المدعوّة أميرة بوراوي عبر الأراضي التونسية إلى فرنسا، وفي الوقت نفسه حرّكت أجهزة باريس أدواتها المحليّة في تونس والمهجر الأوربي لإثارة الأحقاد بين شَعبَيّ البلدين ببثّ روايات تاريخيّة لا تصدر عن دبلوماسيين تونسيين سابقين إلّا بإملاءات تخدم مُشغّليهم الغربيين، لأنها روايات لا تخدم مصالح الشعبين الشقيقين في تونس والجزائر، ناهيك عن زجّ وسائل الإعلام المسموعة والمرئية وشبكات التواصل الاجتماعي في حملات تحريضية مُسْتَغلّة سلوكاً بشريا لسائح جزائري أو تصريحات حمقاء لبعض الأفراد الجزائريين الذين يُسَمّون أنفسهم “خبراء”، تصريحات يمكن تنزيلها في خانة “التَنَمُّر الأبله”.

لا يخالجني شكّ في أنّ الذي يقف وراء محاولات تعكير العلاقات بين تونس والجزائر هو ذاته نفسه “مهندس مؤامرة الربيع العربي” كما تسميه زعيمة المعارضة الوطنية في تونس الأستاذة “عبير موسي” الذي يريد أن ينطلق الآن أو في المستقبل القريب من تونس أيضا في استئناف ذلك “الربيع الصهيوني الأسود” في شمال أفريقيا ضدّ الجزائر تحديدا، بينما يستأنفه في بلاد الشام على الصهوات الانفصاليّة الطائفيّة والعشائرية والعرْقيّة مِن مُحافَظة السويداء جنوبا ومُحافَظة دير الزور شمالا ضد الدولة السورية.

مخطط ‘الدويلات الفاشلة’

إنّ تونس والجزائر دولتان مستقلتان كاملتا السيادة، ولكلٍّ منهما سياستها الإقليمية والدولية المستقلّة التي تخدم مصالحها الوطنية، هكذا كانتا وهكذا يجب أن تَبقيا الآن ومُستقبلاً، و كما كان كفاح شعبيهما وقواهما الوطنية مُشتَرَكاً نأملُ أن تتصدّى قيادتا البلدين والقوى الوطنية فيهما لكلّ المحاولات والمكائد الاستعمارية والرجعية الظلامية الساعية إلى إبعاد تونس عن الجزائر للاستفراد بهما كلٍّ على حِدَة كي يستكمل المشروعُ الغربيُّ الصهيونيُّ حلقاته بتقسيم منطقتنا من البحرين حتّى مراكش إلى دويلات فاشلة تقوم على أسس دينية طائفيّة وعرْقيّة انفصاليّة تدور جميعها في فَلَكِ “دولة إسرائيل اليهودية الكبرى »، وذلك يكون عبْرَ تجهيل مجتمعاتنا وأجياله الشابّة خاصّة بشعوذات الدين السياسي والمخدّرات واستهلاك فيروسات الأنترنت التي تدمّر الأدمغة وتحويل وسائط الاتصال والإعلام إلى مخابر لتزوير الحقائق وغسْل الأدمغة الجماعي وبثّ الفِتَن وتتفيه المَنظومة القيميّة والأخلاقية وتسعير النزعة القطيعيّة عند المجتمع البشري وتشويش العقل وإفساد الوجدان وتنويم الضمير وخَصْي النّخَب ولَجْمِها بالجوائز الأدبية والفنّية البترودولارية لِتمرير جرائم التطبيع وغيرها، والحؤول دون تحقُّق الشروط الحيوانية للبقاء بالتجويع والترويع، وُصولاً إلى تدمير الدولة الوطنية وإشاعة “الفوضى الخلّاقة” التي هي أحَد أسماء العَوْلَمَة الأمريكيّة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى