صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب/ محمد صبحي والشيخ الطاهر بن عاشور: جدل شكل الأرض من العلم الصحيح إلى نظرية المؤامرة

slama
كتب: نوفل سلامة

أحدث الظهور الإعلامي الأخير للممثل محمد صبحي الكثير من الضجيج وخلّف الحوار الذي أجراه في برنامج ” نظرة مع الإعلامي حمدي رزق ” على قناة “صدى البلد المصرية ” مساء يوم الجمعة 19 جويلية 2024 نقاشا فكريا وعلميا مازالت آثاره إلى اليوم وصل إلى حد انتقاده انتقادا لاذعا واتهامه بترويج الخرافة ومعاداة العلم وأنه مسكون بنظريات خطيرة لا أساس لها من الصحة..

شكل الأرض

وذلك بسبب مواقفه المثيرة في قضايا الدين والفن والعلم والسياسة ومن التصريحات التي جلبت له الكثير من المشاكل موقفه من شكل الأرض التي قال أن شكلها الحقيقي مسطحة لا مكورة، وقال بكل موثوقية إن القول بكرويتها هي نظرية مخادعة وزيف خضعت له البشرية من وراء مؤامرة كبيرة وراءها إخفاء حدودها الحقيقية التي لا يعلمها أحد ولم يصل إليها إلا من كان وراء هذه المؤامرة من أجل استغلال ثروات هذه الأماكن المخفية والمجهولة…
وأن القول بأن نهاية الكرة الأرضية هي القطبين الشمالي والجنوبي هراء وكذب مزيف بمسوح العلم ومغلف بنظرية ألبسوها ثوب الحقيقة العلمية واعتبر أن أحدث الأبحاث العلمية قد اثبتت أن شكل الأرض ليس كرويا وإنما شكلها الحقيقي مسطحة…

فكرة المؤامرة

المشكل الذي أثاره الفنان محمد صبحي المعروف ببرامجه الفكرية التلفزية التي تتناول قضايا حضارية ويقدم محتوى فيه وعي جديد بضرورة الانتباه إلى مخاطر العولمة على الأخلاق والمدرسة والأسرة والمجتمع ونقد للحداثة الغربية ومنجزاتها وتفكيك لمخططات الصهيونية واذرعها من نوادي الماسونية وجمعيات المجتمع المدني المنبثقة عنها كنوادي الروتاري والليونز كلوب وغيرها..
المشكل في كونه ينطلق في كل حواراته وحديثه من فكرة المؤامرة وفكرة أننا نعيش في عالم الأمور فيه لا تسير كما نظن وأوهمونا على شاكلة عادية منطقية طبيعية، وإنما كل ما يحدث لنا هو مدبر ومخطط له من أجل السيطرة وادامتها فهو مؤمن بنظرية المؤامرة أداة لتحريك التاريخ وتغير المجتمعات والتحكم فيها، وهو في كلامه الأخير عن شكل الأرض ورفض ما روجته المعرفة الغربية والعلم الغربي الثابت من أن الأرض شكلها دائري في شكل كرة تدور حول الشمس مع جملة من الكواكب هي الأخرى دائرية الشكل تمثل ما يعرف بالمجموعة الشمسية وأن كوكب الأرض وفق ما اتفق عليه العلم لها دورتان واحدة حول نفسها في مدة أربع وعشرين ساعة لتحديد الليل والنهار وأخرى حول الشمس في مدة 360 يوما وهي الحركة التي تحدد فصول السنة والفصول الأربعة المعروفة…
هذا ما اتفق عليه العلم الحديث وما استقرت عليه المعرفة العلمية منذ القرن السابع عشر ميلادي مع العالم الإيطالي غاليلي الذي خرج عن المعرفة القديمة وعلى المعرفة الدينية للإنجيل وخالف الكنيسة الكاثوليكية التي كانت تعتبر أن الأرض مسطحة وأنها ثابتة في السماء والشمس هي التي تتحرك وتدور حول الأرض فجاء هذا العالم وقلب العلم الفلكي رأسا على عقب وعارض المعرفة المسيحية واثبت بأبحاثه الفلكية أن الأرض كروية الشكل وأنها تدور حول قرص الشمس الثابت وحول نفسها وقد كلفته آراؤه هذه خضوعه إلى مساءلة و محاكمة عسيرة من طرف رجال الكنيسة وتم اتهامه بالإلحاد ومطالبته بالتراجع عن آرائه…

كل هذا الكلام المعروف عند الجميع والذي تم تأكيده فيما بعد لما تقدم علم الفلك وصعد الإنسان إلى القمر وجلب لنا صورا من الفضاء الخارجي عن كوكب الأرض والتي تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن كوكبنا الأرض كروي الشكل، هذه المعرفة العلمية التي أصبحت اليوم مشاعة وفي متناول الجميع، شكّك فيها الفنان محمد صبحي من وراء نظرية المؤامرة ومن وراء الخداع المعرفي الذي يمارسه الغرب المتفوق حسب قوله ويعود بالمعرفة العلمية إلى الوراء إلى عصور الظلام الأوروبية وإلى المعرفة القديمة التي تجاوزها العلم الصحيح بل تجاوزها علماؤنا القدامى الذين كانوا متقدمين على علم الكنسية…
وكانوا يقولون قبل غاليلي وقبل علماء الغرب المحدثين أن الأرض كروية الشكل وأن كوكبنا شكله دائري من ذلك أن العالم الخوارزمي كان يقول بأن الأرض ” وسط السماء والوسط هو السفل بالحقيقة والأرض مدورة بالكلية ومضرسة بالجزئية من جهة الجبال البارزة والوهدات الغائرة … ” وكان الإمام ابن حزم يقول بأنه ليس هناك أحد من أئمة المسلمين المستحقين لأسم الإمامة بالعلم ينكر أن الأرض كروية الشكل ولا يحفظ لأحد منهم في دفعة كلمة بل البراهين من القرآن والسنة قد جاءت بتكويرها..

موقف الشيخ بن عاشور

ولعل المفاجأة وأنا ابحث في أقوال علماء المسلمين لمعرفة رأيهم في قضية شكل الأرض وهذا الجدل الذي أثير في الآونة الأخيرة ويعود من حين إلى آخر ويرجع كل مرة ليفتح نقاشا قد لا يهم الكثيرين منا ما وجدته في الموقف اللافت للشيخ الطاهر بن عاشور في تفسيره لقوله تعالى ” وتَرى الجِبالَ تَحْسِبُها جامِدَةً وهْيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ ” النمل / 88 فبعد أن تمعن في تفسير المفسرين من قبله وناقش فهمهم لهذه الآية انتهى إلى رفض ما ذهبوا إليه من حشر هذه الآية ضمن الآيات التي تتحدث عن الأحوال التي تسبق حدث يوم القيامة والتي تناولت موضوع فناء الجبال وهو حديث تعرض له القرآن بمناسبة فناء العالم يوم القيامة ونهاية الكون واندثار كل المخلوقات وقال إن هذه الآية من سورة النمل لا يمكن اعتبارها من ضمن الآيات التي تسبق نهاية العالم كقوله تعالى “وتَكُونُ الجِبالُ كالعِهْنِ المَنفُوشِ” القارعة / 5 و قوله تعالى “ويَوْمَ نُسَيِّرُ الجِبالَ ” الكهف / 47 وإنما هي آية جاءت بإشارة علمية وبمعنى علمي وبمفهوم لا علاقة له بفكرة نهاية العالم وبما يحدث قبل يوم الحشر و يوم الحساب ويوم القيامة..
وقال كيف يمكن أن نفهم أن الجبال في هذه الآية المعروف عنها أنها صلبة هامدة ثابتة في مكانها وهي تتحرك وتسير سير السحاب وبسرعة السحاب الذي يتحرك في السماء ولماذا شبه الله الجبال بالسحاب في حين أن الجبال ثابتة فوق الأرض والسحاب يتحرك وله اتجاه وسرعة ؟ هذه الملاحظات التي توقف عندها الطاهر بن عاشور جعلته يقول بكل وضوح والكلام له بأن ” لِهَذِهِ الآيَةِ وضْعٌ دَقِيقٌ ومَعْنًى بِالتَّأمُّلِ خَلِيقٌ ”

الآيات العلمية في القرآن

يعتبر الشيخ الطاهر بن عاشور أن هذه الآية هي من الآيات العلمية التي أودعها الله في القرآن لتكون معجزة له من الجانب العلمي لا يدركها إلا أهل العلم بعد اعجازه البلاغي وهي آية تفيد أن الأرض كروية الشكل وتتحرك ولها دوران فقول القرآن بأن الجبال تمر مر السحاب بالرغم من أن الرؤية البصرية ورؤية العين تجعلها ثابتة هامدة له معنى واحدا وهو أن الأرض كروية وهي تتحرك وهذا الدوران، وهذه الحركة يفترض أنها دائرية الشكل وهذه الحقيقة التي يقرها القرآن عن شكل الأرض ودورانها هي عكس ما كان الناس يظنونه من أن الشمس هي التي تدور حول الأرض ومن أن الأرض ساكنة وهي الحقيقة التي اهتدى إليها بعض علماء اليونان القدامى ونظرية أن الأرض كروية الشكل لم تتحقق إلا في القرن السابع عشر مع عالم الرياضيات الإيطالي غاليلي والقرآن في هذه الآية وهو يتحدث عن مرور الجبال مر السحاب وهي جامدة من خلال رؤية العين قد رمز رمزا إلى عملية تكوين النور والظلمة..
وأشار إلى أن الأرض كروية الشكل وهي تتحرك وتدور واعتبر أن هذه مسألة لم يتناولها المفسرون من قبله ولا تفطنوا إلى كون معنى ” وهي تمر مر السحاب ” لا علاقة له بنهاية العالم وفنائه وإنما تتعلق بمسألة علمية واشارة كونية عن شكل الأرض وكونها كروية دائرية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى