صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب: لماذا لم يأت رد إيران وحزب الله سريعا على الاعتداءات الإسرائيلية؟

slama
كتب: نوفل سلامة

بعد ما يزيد عن الشهر من اغتيال اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في إيران على أيدي الموساد الاسرائيلي، وقبله بأيام قليلة اغتيال القيادي العسكري في حزب الله فؤاد شكر في لبنان وتبني إسرائيل عملية الاغتيال وقبلها اغتيال محمد رضا زاهدي الضابط العسكري في الحرس الثوري في مبنى تابع للقنصلية الإيرانية في دمشق….

وكذلك تبجح إسرائيل أنها هي من كانت وراء العملية وكذلك توجيه التهمة إليها في سقوط طائرة الرئيس إبراهيم رئيسي منذ أشهر قليلة ..

رد متوقع؟

وبعد الكثير من الاعتداءات بالتصفية الجسدية التي طالت الكثير من القيادات في الجانب الفلسطيني واللبناني والإيراني والتي جميعها نسبت إلى كيان الاحتلال الذي لم يتنصل من كل ما نسب إليه، كان من المنتظر أن يأتي الرد الإيراني ورد حزب الله سريعا وفي حجم هذه الاعتداءات وظن الجميع أن الانتقام الإيراني سوف يأتي مدويا بعد انتهاك سيادتها الترابية وتجرؤ جهاز المخابرات الإسرائيلي على تنفيذ عملية نوعية أودت بحياة القائد إسماعيل هنية أحد أبرز قادة حماس المؤثرين والذين لهم وزنهم في معادلة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني…

وساد العالم حالة من الخوف والترقب من مغبة إقدام الجبهات المعادية لإسرائيل على عملية انتقامية قد تدخل كامل المنطقة في حرب الجميع غير مستعد لها.

عملية استباقية

كانت هذه الأجواء التي خيّمت على العالم و مشاعر القلق هذه وحرب الانتظارات التي سادت طوال الأسابيع الأخيرة حتى استفاق الجميع يوم 25 أوت الجاري على عكس هذه التوقعات بإقدام إسرائيل مرة أخرى على القيام بعملية عسكرية قالت عنها الرواية العبرية بأنها استباقية استهدفت بها الجنوب اللبناني و أحبطت بها هجوما واسعا كان حزب الله قد قرر القيام به ودمرت الكثير من منصات اطلاق الصواريخ التابعة له…
في حين يتحدث حزب الله في بيانه عن نجاح المرحلة الأولى من رده على اعتداءات إسرائيل المتكررة بإطلاق 320 صاروخ استهدفت أهدافا عسكرية إسرائيلية لم يقابله بما يوحي بحصول الهجوم اللبناني أو وجود حالة من الهلع و الخوف في الداخل الإسرائيلي وفي الأراضي المحتلة، وقد يفهم من تضارب الروايات بين حزب الله وإسرائيل بخصوص حقيقة ما حصل يوم 25 أوت هل هو بداية الرد الحربي لحزب الله ؟ أم هو عملية عسكرية استباقية لإسرائيل لإحباط مخطط الانتقام؟

لماذا تأخر الردّ؟

قد يفهم على أنه جزء من الحرب النفسية التي يشنها كل من الجانبين نحو الآخر ورسالة إلى الجبهتين الداخليتين اللبنانية والإسرائيلية على أن القيادتين ملتزمتين بالدفاع عن مصالح الشعبين إلا أن السؤال الذي بقي يراوح مكانه يخص الجبهة المعادية لدولة الاحتلال في معرفة لماذا بقينا كل هذا الوقت ننتظر الرد على إسرائيل؟
ولماذا تأخر الرد الإيراني ورد حزب الله في الوقت الذي نرى فيه إسرائيل ترد على كل فعل يستهدفها بكل سرعة ومن دون خُطب حماسية ولا شعارات تتوعد بالانتقام؟

موازين قوى

الجواب البديهي والواضح يذهب إلى أنه وإن كانت موازين القوى الداخلية في معادلة الصراع والحرب التي تدور اليوم بين إسرائيل وقوى المقاومة ليست في صالح إسرائيل وأن الحرب على الميدان بين الجيش الإسرائيلي وحركات المقاومة في كل من غزة والجنوب اللبناني هي في صالح المقاومة رغم الخسائر في الأرواح إلا أن موازين القوى الإقليمية والعالمية قد قلبت المعادلة لصالح إسرائيل ورجحت الكفة لصالح الدولة المعتدية المحتلة وهذا يتأكد في الصمت الرهيب لدول حزام الطوق الفلسطيني واللبناني والانخراط المفضوح لدول المنطقة في الحرب وتخليها عن المقاومة لصالح تأييد إسرائيل المعلن والخفي..
وقد تأكد التزام الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية في الذود عن إسرائيل في اعتبار أمن الدولة العبرية من أمن أمريكا، وهذا ما عبر عنه قادتها بكل وضوح في تصريحاتهم التي تعتبر أن أمريكا ملتزمة في هذه الحرب بالدفاع عن إسرائيل في كل الأوقات والأحوال وهذا يعني أن الوضع الإقليمي لا يشجع على إقدام كل من حزب الله وإيران على مجرد التفكير في رد شامل وقوي على إسرائيل لأنها سوف تجد نفسها حينها وحدها أمام اندلاع حرب إقليمية لا ينصرها فيها أحد…

حاملات طائرات

فـ استعراض القوة الذي قامت به واشنطن والذي تضمن نقل حاملات الطائرات والقوارب الصاروخية التي تستخدم الآن البحر الأبيض المتوسط كقاعدة لها لعب دورًا رئيسيًا في التأثير على تلك التداعيات المحتملة التي تحدث عنها محسن رضائي القائد السابق للحرس الثوري الإيراني، بالإضافة إلى التحذيرات العلنية التي وجهها الرئيس الأميركي جو بايدن لإيران وكذلك الجهود الدبلوماسية المكثفة التي بذلتها الإدارة الأميركية عبر لاعبين إقليميين آخرين مثل قطر والسعودية وعمان وتركيا والإمارات قد جعل إيران لا تتسرّع في توجيه ضربة عسكرية في حجم كل الاعتداءات التي تعرضت لها وتليق وتكون في حجم اغتيال إسماعيل هنية فوق أراضيها.

تداعيات خطيرة

إلى جانب هذا المعطى الإقليمي المهم فإن الوضع الداخلي الاجتماعي والاقتصادي لإيران وحزب الله لا يسمح للجهتين بالقيام برد عاجل قد يعود على البلدين بتداعيات سلبية وخطيرة ومسألة الحالة الاقتصادية للبلدين تمثل عائقا جوهريا مانعا من خوض حرب أو الإقدام على رد عسكري ظرفي تجاه إسرائيل فـ الظرف الداخلي اليوم ليس في صالح المقاومة حيث تعيش إيران على وقع أزمة مالية حادة نتيجة تراجع سعر بيع النفط العالمي الذي يكلفها نفقات باهظة لتزويد الطائرات بما تحتاجه من وقود هي اليوم غير متوفرة لديها حيث وصل سعر بيع برميل النفط في السوق العالمية حدود 79 دولارا وهو مرشح لمزيد الانخفاض في الوقت الذي تحتاج فيه إيران أن يباع بـ 121 دولارا من أجل الحفاظ على توازناتها المالية هذا فضلا على أنها تبيع نفطها إلى الصين بسعر خاص بمنحها خصم قدره 13 دولارا عن البرميل الواحد الأمر الذي تحتاج معه أن تجد حلولا غير متوفرة حاليا لتسد هذه الفجوة المالية التي تسبب فيها تراجع سعر النفط العالمي وانعكاسه على الداخل الإيراني.

مديونية عالية

هذا إلى جانب المديونية المرتفعة التي ترهق ميزانية الدولة فـ وفق البنك المركزي الإيراني فإن الديون المستحقة والتي على الدولة والشركات التابعة لها تسديدها في أوقاتها قد بلغت سقف 118 مليار دولار وهي في حاجة إلى مزيد من الاقتراض لتغطية حاجياتها الداخلية وتلبية نفقاتها والتزاماتها تجاه مزوديها واقتناء المواد الغذائية والمصنعة وخلاص أجور الموظفين وضمان الاحتياجات من الطاقة وخاصة من مادة الغاز لتوفير الكهرباء وتجنب الانقطاعات المتكررة التي بدأت تعرفها إيران الأمر الذي دفعها إلى الافراط في طباعة المزيد من الأوراق النقدية الحركة ولإن اعتبرت ضرورية أمام شح السيولة وتراجع قيمة العملة الإيرانية نتيجة حالة الحصار المضروب عليها والعقوبات المسلطة عليها ومن أجل مجابهة الأزمة المالية إلا أنها أغرقت السوق الايرانية بالريالات منخفضة القيمة بشكل كبير وتسببت في ارتفاع التضخم الذي يقدر رسمياً الآن بنحو 42%.
إذا أضفنا إلى ما سبق من مؤشرات ما توقعه تقرير للبنك الدولي صدر في شهر جويلية المنقضي من أن نسبة النمو الاقتصادي السنوي لهذا العام سوف لن تتخطى عتبة 3.2% فقط، مقارنة بـ 5% في العام الماضي ومن المتوقع أن يصل النمو في العام المقبل إلى 2.7% فقط وهي كلها عوامل سرّعت بحركة الهجرة خارج إيران بالنسبة للطلبة والمهنيين ورجال الأعمال والمستثمرين.
كل هذه المعطيات الاقتصادية عن الحالة الداخلية لإيران التي توضح أنها ليست في أحسن أحوالها وأن وضعها الداخلي وخاصة المالي لا يسمح لها بخوض حرب مع إسرائيل الدولة المدعومة ماليا وعسكريا من القوى العظمى قد تعود عليها سلبا وتفتح لها جبهات داخلية هي في غنى عنها وخاصة وأن المعارضة للنظام الإيراني تنتظر مثل هذه الخطوة وهكذا تجد إيران نفسها أمام عدو خارجي وعدو داخلي وأزمة مالية خانقة ووضع اقتصادي متعب.
لكل هذه الأسباب تأخر الرد الإيراني وبقي على مستوى الشعارات لا أكثر ولا اقل ولكل هذه الاعتبارات التي عدها رجل السياسة عقلانية حتى لا تغرق الدولة الإيرانية في مزيد من المشاكل الاقتصادية والاضطرابات الاجتماعية الداخلية ورآها رجل الشارع تأخرا في الرد على الإهانة التي تعرضت لها إيران من قبل إسرائيل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى