صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب/ قراءة في خطاب حسن نصر الله: أقول بكل وضوح وبكثير من الغموض إن كل احتمالات الحرب ممكنة…

slama
كتب: نوفل سلامة

في كلمة رأى فيها جانبا من المتابعين لما يدور في غزة أنها لم تعكس انتظارات الشعوب العربية المساندة للقضية الفلسطينية.. وفي خطاب خلف جدلا فكريا وسياسيا واسعا في صفوف النخبة المثقفة في الوطن العربي وحتى جانبا من المثقفين الغربيين المهتمين بما يدور في فلسطين من أحداث مؤلمة و مدمرة…

قدم الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله رؤيته للحرب الدائر رحاها في أرض غزة بين الآلة الحربية الاسرائيلية وفصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة و في مقدمتها كتائب عز الدين القسام وأجاب على كل الأسئلة التي كانت تدور في الشارع العربي وتشغله وفي حديث النخبة العربية بخصوص موقع حزب الله ودوره في هذه المعركة التي اندلعت على خلفية واقعة طوفان الأقصى.

خطاب عقلاني

اللافت في كلمة حسن نصر الله أنها كلمة تعمدت المنطق العقلاني الرصين البعيد كل البعد عن خطب زعماء العرب السابقين الذين كانوا يتوجهون إلى شعوبهم بخطاب مشبع بالمشاعر، ويستهدف عواطف الجماهير العربية أكثر من توجهه إلى عقولهم بالرغم من أن الظرف الحالي و الوضع في غزة يساعد على تقديم خطاب يدغدغ مشاعر الجماهير العربية المستعدة لسماع مثل هذه الخطب الحماسية…

فزعيم حزب الله على خلاف ما كان يتوقعه الكثير من الناس لم يدعو إلى فتح باب الجهاد ضد العدو الاسرائيلي ولا طالب بتوسيع وقعة الحرب كما لم يعلن النفير العام وفتح جبهات أخرى وإنما ركز على ضرورة الانتباه إلى حقيقة الوضع العالمي المساند في معظمه للكيان الصهيوني و منخرط كليا، وبصورة عمياء مع الموقف الاسرائيلي في هذه الحرب وحقيقة الوضع العربي الهش وطبيعة المشهد الإقليمي العاجز والتوازنات التي تحكمه والقيود التي تكبله والتي جعلت منه واقعا عربيا مشلولا مكبلا في مجمله غير قادر على فعل أي شيء للفلسطينيين وقضيتهم.

حديث المصارحة

اللافت في كلمة حسن نصر الله أنه صارح العالم العربي وقال بكل وضوح أن تحركاته العسكرية مقيدة بتوازنات لبنان الاقليمية، وأشار ولمح إلى أنه نتيجة لهذه الإكراهات التي تخص الداخل اللبناني فإنه لا يستطيع والوضع اللبناني على ما هو عليه أن يفتح الجبهة الشمالية لإسرائيل على مصراعيها…
أو أن يذهب في خيار الحرب المفتوحة كما لا يمكن له أن يذهب في معركة شاملة مع العدو غير مجدية لبنان، وربما لا تجني منها مكاسب سياسية ولا عسكرية ولكن رغم كل هذه الاكراهات التي قرأ لها حزب الله ألف حساب وهو يرسم طريقا لإعانة المقاومة الفلسطينية لم يمنعه من إعلان الدخول في الحرب والانخراط فيها منذ اليوم الموالي لعملية طوفان الاقصى..

خطة عسكرية

وقام بتسهيل التسللات لعناصر المقاومة من الحدود اللبنانية الى الأراضي المحتلة واستهداف الياته الحربية بصواريخ متطورة لم يستعملها في حرب 2006 وهذا التحرك على الجهة الشمالية للصراع الفلسطيني الاسرائيلي وإن لم يكن حربا مفتوحة وشاملة إلا أنه سمح بجلب أعداد كبيرة من الجيش الاسرائيلي وربع آلياته الحربية وثلث طائرات العدو إلى الحدود اللبنانية، ما مكن من تحييد جزء كبير من القدرات الحربية الاسرائلية…وقام بتعطيل فاعليته..
وبذلك يكون حزب الله قد خفف عن عناصر المقاومة الضغط العسكري وجعل إسرائيل تواجه كتائب القسام بجزء من جنودها وعتادها الحربي، وهذا في حد ذاته صورة من صور الحرب ونوع من أنواع المساندة للمقاومة حتى تستطيع أن تواجه تقدم العدو في أرض غزة.

منذ اللحظة الأولى

اللافت في كلمة حسن نصر الله أنه رد على كل المشككين من دور حزب الله في مساندته للمقاومة الفلسطينية وأعلن أنه منخرط في هذه الحرب منذ الوهلة الأولى لاندلاعها، وأنه يتحرك في سياق محور حربي أعلن عنه بكل وضوح يمتد من فلسطين إلى لبنان إلى اليمن إلى العراق وأن الحرب مع إسرائيل تتولاها المقاومة في هذه الجهات، وهو محور شيعي بالأساس خاصة إذا أضفنا إليه إيران الدولة الراعية للمقاومة والحاضنة لها بالعتاد الحربي وبما تقوم به من دور في دعمها في إشارة واضحة إلى تخلي المحور السني بكل دوله وجيوشه عن غزة وشعبها في هذه المحنة…

الخذلان العربي

وفي تلميح إلى الخذلان الذي لقيه الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة من الحكومات العربية وخاصة دول الخليج ومصر تحديدا التي بقيت عاجزة حتى عن فتح معبر يسمح بمرور شاحنات الأدوية والغذاء وعاجزة عن السماح لسيارة الإسعاف لنقل الجرحى والمرضى إلى دول الجوار الفلسطيني قبل أن تأخذ الضوء الأخضر من أمريكا..

أمريكا هي من تحارب

اللافت أن حسن نصر الله قد توجه خطاباه رأسا إلى الولايات المتحدة الأمريكية وخاطبها مباشرة وسماها بالإسم وغيب في خطابه إسرائيل التي اعتبرها خادمة للمشروع الأمريكي في الشرق الأوسط بل هي صنيعته وهي اليوم تقوم بحرب بالوكالة لفائدة ‘الشيطان الأكبر’ المصطلح الذي استعاره من المعجم الإيراني واستجلبه من كلام الخميني زمن الثورة الايرانية…
حمّل نصر أمريكا نتائج هذه الحرب الكارثية ومسؤولية فيما يحصل في غزة من قتل ودمار وتهجير للسكان ومسؤولية تعطيل قرار إيقاف الحرب، واعتبر أن الحرب اليوم هي بين المقاومة وأمريكا التي جلبت كل عتادها الحربي من جنود وآلات حربية وقال بأن كلامه موجه إلى قادة البيت الابيض وأن كل احتمالات الحرب مفتوحة وكل الفرضيات ممكنة وأن تحركاته تتحكم فيها مجريات الأحداث وتقدم المعارك وأن بارجات وطائرات أمريكا الموجودة في البحر المتوسط هي محل استهداف وأنه يتكلم بكل شفافية ووضوح وغموض الذي يحيل على وضعيات أخرى لا يتحملها مثل هذا الخطاب السياسي ويجعل كل التوقعات ممكنة ومتاحة وقابلة للوقوع.

خطاب منضبط

ما يمكن قوله في هذه الوقفة الموجزة مع كلمة أمين حزب الله حسن نصر الله أن خطابه كان منضبطا بالسقوف المتاحة له من حيث وضع لبنان و حالة الواقع العربي والتوازنات الاقليمية والعالمية والمخاطر المحدقة بالمنطقة والإمكانيات المتاحة للمقاومة وملتزما بالوضوح في تحديد الخصم مع استعمال شيئ من الغموض المربك للعدو… والذي يترك الباب مفتوحا على كل الاحتمالات الحربية والسلمية والتفاوضية ويجعل من الخطوات التصعيدية ممكنة..
وفي الأخير كانت كلمة لا يمكن أن تذهب إلى أكثر مما قالته في هذا الوضع العربي الرديء المحكوم بحالة العجز و الضعف من داخل الجسم العربي لا بسبب قوة العدو.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى