صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب/ عرض إيطالي واضح لتونس والأفارقة: هذا ما نريده منكم!

slama
كتب: نوفل سلامة

التصور الايطالي اليوم أكثر من الواضح فيما يتعلق بملف الهجرة غير النظامية.. واليوم موقف رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني من الوضوح الذي يجعله بمثابة البياض الناصع في علاقة بموضوع التدفقات المتزايدة من المهاجرين جنوب الصحراء ومن ‘الحرقة’ القادمة إليها من الشواطئ التونسية…

قوارب هائمة في المتوسط حاملة إلى ايطاليا الشباب التونسي العاطل عن العمل المُشبع بمشاعر اليأس والإحباط وضياع الحلم في مستقبل ممكن في بلاده، وأبناء إفريقيا جنوب الصحراء الهاربين من التهميش و الفقر والمجاعة والنزاعات المسلحة والحالمين بواقع أفضل في أوروبا، يرونه حقا لهم وليس منّة من أحد بعد أن استغلت أوروبا بلدانهم زمن الإستعمار الأوروبي للقارة السمراء، وما حصل من سرقة ثرواتهم واليوم هم في شراكات اقتصادية نافعة للغرب الأطلسي الذي عليه أن يتحمل عبء الواقع المأساوي للفرد الإفريقي…

أرقام مضاعفة من المهاجرين

الأرقام الرسمية القادمة إلينا من العاصمة الإيطالية التي كادت في يوم ما أن تلحق بالإمبراطورية القرطاجنية وتصبح أرضا تونسية حينما وطأت أقدام جيش حنبعل أرضها صحبة الفيلة الإفريقية وكسر شوكة وغطرسة حُكّام روما تقول بأن الوافدين إلى السواحل الإيطالية من المهاجرين الأفارقة قد تضاعف هذه السنة، وأن جزيرة لامبيدوزا أصبحت في وضع الأزمة التي ليس لها من حل بعد التدفقات الكبيرة من المهاجرين غير النظاميين القادمين من الشواطئ التونسية…

فرغم تقلص الحارقين التونسيين وانخفاض أعدادهم هذه السنة بنسبة 20 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، فإن أعداد المهاجرين الأفارقة قد تزايد في العدد وفي جنسيات ‘الحارقين’ بعد وصول قرابة 120 ألف مهاجر منذ بداية السنة إلى السواحل الإيطالية وهو رقم كبير يساوي ضعف العدد المسجل في نفس الفترة من السنة الماضية والذي بلغ حدود 64 ألف مهاجر حسب وزارة الداخلية الايطالية.

جهد أمني كبير

كما تقول المعطيات الوافدة علينا من الجهات الرسمية أنه خلال خمسة أيام فقط وتحديدا خلال أيام 14 و 15 و 16 و 17 و 18 سبتمبر الفارط تمكنت الوحدات التابعة للحرس البحري التونسية من إفشال 130 عملية حرقة وهجرة غير نظامية وهو عدد كبير رغم الاجراءات الصارمة لمراقبة صنع السفن وتحرك المهاجرين المقيمين بيننا والجهد الأمني المبذول في ترصد الجهات والشبكات التي تقف وراء تنظيم عمليات هجرة سرية..
هذا فضلا عن عمليات الإنقاذ اليومية للغارقين في عرض البحر من الذين تسللوا بعيدا عن أعين القوات البحرية الإيطالية والتونسية والذين بلغ عددهم إلى حد الآن 2507 حارق إفريقي من بينهم عدد من المهاجرين التونسيين.

المنعرج الكبير..

اليوم أمام التطورات الأخيرة في ملف هجرة الأفارقة غير النظامية والمنعرج الكبير الذي حصل في معضلة التدفقات والتسللات الضخمة نحو السواحل الإيطالية بعد بلوغها أرقاما تساوي ضعف أرقام السنة الماضية، والوقوف على ضعف نتائج الرقابة البحرية رغم الجهد المبذول من الجهة التونسية والايطالية فإن الموقف الإيطالي واضح وضوح الشمس..
وقد قالها الإيطاليون بكل صراحة نحن لن نقبل بكم بيننا ولا نريدكم فوق أراضينا وبلادنا ليست أرض استقبال للمهاجرين الأفارقة، ولن نقبل بأي كان على أراضينا ولن نتحمل إكراهات وعبء خيارات وسياسات حكوماتكم حتى لو لزم الأمر باستدعاء القوات العسكرية الثقيلة لحماية حدودنا البحرية فإننا سنفعل ذلك…
وهو الأمر الذي سوف تعرضه جورجيا ميلوني حيث من المنتظر أن تطلب من الإتحاد الأوروبي مساعدتها على حماية سواحلها ونشر قوات عسكرية أوروبية لمنع تدفقات المهاجرين الأفارقة.

عرض واضح

العرض الإيطالي ومقترح جورجيا ميلوني المقدم للأفارقة واضح جدا وهو نفس العرض المقدم للحكومة التونسية لوقف الهجرة غير النظامية، وهو عرض يقوم على فكرة أن إيطاليا لن تقبل بمهاجرين لا تحتاجهم ومهاجرين من دون كفاءات مهنية ومن دون إتقان لمهن وصنائع يحتاجها المجتمع الإيطالي، وهي لا تحتاج إلى أفراد من دون خبرات ولا مهارات يدوية يتحولون إلى عبء على اقتصادها ومجتمعها وهو عرض سوف تبدأ بتنفيذه إيطاليا في النقاط الساخنة في القارة الافريقية التي تأتي منها أكبر التدفقات للمهاجرين…

المطلوب: يد عاملة ماهرة

العرض المقدم من إيطاليا لتونس يتحدث عن موظفين وليس عن مهاجرين ويركز على الزيادة في عدد العمال والموظفين التونسيين الذين يمكنهم أن يقدموا الإضافة للاقتصاد الايطالي ويمكنهم العمل في مجالات وقطاعات يحتاجها المجتمع الايطالي…
جورجيا ميلوني تتحدث عن مساعدات إضافية ومكملة لوثيقة التفاهم حول الشراكة الاستراتيجية الموقعة بين تونس وإيطاليا في 16 جويلية 2023 والتي تضمنت خمسة محاور أساسية منها تنظيم عملية الهجرة والتنقل وتوفير فرص العمل والتشغيل لليد العاملة التونسية في الفضاء الأوروبي وهي اليوم وبعد الكارثة التي حلت بإيطاليا خلال المدة الأخيرة نتيجة الاكتساح الكبير لأعداد المهاجرين للسواحل الايطالية إذ شهدت إيطاليا خلال 48 ساعة فقط قدوم قرابة 7000 مهاجر، فإنها تعلن عن برنامج تشغيل كبير ينفذ مرحليا على ثلاث سنوات لاستقدام أكثر من 452 ألف عامل أجنبي من المهاجرين النظاميين بعقود عمل قانونية في عدة اختصاصات مهنية للعمل في مجال الكهرباء والتركيب واللحام الصحي والزراعة والبناء والسياحة والفندقة والاتصالات والأغذية وبناء السفن وقطاع الرعاية الأسرية والصحية والاجتماعية، وفي مجال نقل الركاب بالحافلات والعمل في مجال الصيد البحري ودون هذه الاختصاصات فان ايطاليا لن تقبل بأي مهاجر لا يتوفر على هذه الاختصاصات ولا بقدوم أي مهاجر لا تحتاجه إيطاليا في غير المهن المطلوبة والتي تشهد نقصا في اليد العاملة.

4000 عامل

العرض الإيطالي للحكومة التونسية يحتوي على الزيادة في عدد الموظفين وعدد العمال التونسيين ليصل إلى حدود 4000 عامل تتوفر فيهم الخبرات المهنية المطلوبة والقادرين على تقديم خدمات صغرى يحتاجها المجتمع والزيادة في عدد عقود العمل في وظائف محددة لذوي الكفاءات من أصحاب الشهائد المهنية سيتم حسب الاتفاق مع الجانب الإيطالي تدريبهم في تونس قبل مجيئهم إلى إيطاليا وفي مقابل هذا العرض يتعين على الحكومة التونسية بذل المزيد من الجهود لمكافحة ظاهرة الهجرة غير النظامية والتصدي للتسللات البحرية والتعهد بمزيد من ضبط الحدود في اتجاه إيقاف العبور إلى السواحل الايطالية لأي مهاجر غير نظامي لم يتحصل على رخصة للقدوم للعمل في إيطاليا ضمن عقد شغل قانوني.

هذا المقلق في المسألة..

المقلق في المسألة أن العرض الإيطالي للأفارقة وراءه مقاربة لا ترى في معالجة مشكلة الهجرة غير النظامية إلا في الحل الأمني .. المقلق أن الموقف الإيطالي يقوم على فكرة نقبل بكم ولكن ماذا تقدمون لنا من منافع ؟ المقلق أن جورجيا ميلوني تنظر إلينا حراس حدود لسواحلها الإيطالية..
علّق مقدم الأخبار على قناة فرانس 24 الفرنسية على مشاهد الهجرة غير النظامية المفزعة للأفارقة جنوب الصحراء بقوله: ‘إنهم يواجهون قارة غير قابلة بهم ولا قادرة على استقبالهم’…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى