صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب: اليوم أمريكا تتحرر؟!

slama
كتب: نوفل سلامة

في خطوة اعتبرت مقوضة لقواعد التجارة العالمية التي تم وضعها بعد الحرب العالمية الثانية لإرساء نظام تجارة عالمي يحكم العالم وتحتكم إليه الدول لتجنب ما من شأنه أن يؤدي إلى اندلاع حروب تجارية واقتصادية…

أفكار ترامب الجديدة!

وفي خروج إعلامي ألقى خلاله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطابا من البيت الأبيض كشف فيه عن أفكاره الجديدة في تحديد علاقة بلاده التجارية مع بقية دول العالم وخاصة الدول التي ترتبط معها أمريكا بعلاقات تجارية مكثفة، وأعلن عن إجراءات حمائية للاقتصاد الأمريكي بفرضه رسوما وتعريفات جمركية جديدة على البضائع والسلع الموردة من كافة دول العالم…

ضربة كبرى

هذه القرارات اعتُبرت في العواصم الأوروبية وفي الكثير من دول العالم بمثابة الضربة الكبيرة للاقتصاد العالمي، وإعلان حرب من جانب واحد على منظومة العولمة التجارية وتقويضا للنظام العالمي الذي تقوده أمريكا نفسها وتحكم به العالم، وهي اليوم على لسان رئيسها الحالي تخرج عنه وتتنكر له وتعمل على تقويضه رافعة شعار ‘تحرير أمريكا’ من القيود والقواعد التي وضعتها منظمة التجارة العالمية لتنظيم المبادلات التجارية والمعاملات الاقتصادية بين الدول…

قواعد ظالمة!

قواعد يصفها اليوم ترامب بأنها ظالمة ومضرة بأمريكا وتكرس خيارات استعمارية حان الوقت لمقاومتها والتحرر منها وتوجب على أمريكا خوض معركة مصيرية لتقويض هذا النظام العالمي المتحكم وتعويضه بآخر يكون أكثر عدلا وانصافا و يكون في خدمة أمريكا وشعبها يقوم على قاعدة عدم إغراق الاقتصاد الأمريكي بـ سلع وبضائع لا تخضع لنفس التعريفات الجمركية المفروضة على الصادرات الأمريكية.

‘حماية’ الصناعات الأمريكية

حرب التحرير التجارية التي أعلن عنها ترامب ويخوضها اليوم من خلال إعلانه عن حزمة من الإجراءات والتعريفات الجمركية الجديدة على البضائع والسلع الموردة إلى بلاده تهدف حسب قوله إلى حماية الصناعات الأمريكية التي تراجعت واستعادة إشعاعها الذي فقدته بفعل تضخم الصناعات الأخرى القادمة من خارج الحدود الأمريكية ومن أجل مواجهة السياسات التجارية العالمية غير العادلة المطبقة ومن أجل تعزيز الموارد الضريبية والتصدي إلى الهجرة غير الشرعية وخاصة شبكات وعصابات الاتجار بالبشر و كارتلات المخدرات التي اغرقت أمريكا بشتى أنواع المخدرات التي أفسدت الشعب ودمرت شبابه.

زلزال كبير

العالم اليوم على وقع زلزال كبير بعد التصريحات التي صدع بها ترامب والتي تهدف إلى الزيادة في التعريفات الجمركية المتفق عليها عالميا وتسهر عليها المنظمة العالمية للتجارة واقرتها اتفاقيات تجارية ثنائية وهي مفاهمات لا يمكن تجاوزها والخروج عليها بصفة فردية ومن جانب واحد ومن دون نقاش وحوار من أجل الحفاظ على السلم العالمي في مجال المبادلات التجارية.

أمريكا أوّلا!

اللافت للانتباه أن الإجراءات الجديدة التي فرضها ترامب على العالم تقوم على فكرة مُهمة وهي أن الرئيس الأمريكي أمام مصالح بلاده وأمام بقاء أمريكا القوة الاقتصادية الأولى في العالم غير عابئ بما نعتبره نحن شعوب ودول الجنوب نظاما عالميا يفرض الاحترام والانصياع لقواعده المنظمة للعلاقات بين الدول ولا يولي قيمة ولا احتراما للسياسات الدولية التي وضعت لتنظيم المبادلات التجارية حول العالم.

الحاكم الوحيد للعالم

اللافت أن الرئيس الأمريكي ينطلق من مقاربة راديكالية ومن رؤية جذرية تقوم على فكرة جوهرية وهي أن النظام العالمي الذي ارساه الأقوياء وأمريكا واحدة منهم لحكم العالم وتقرير مصيره لا يعني ترامب ولا يهمه طالما وأنه اليوم قد أصبح مضرا بالمصالح الأمريكية وهو في هذا لا يكترث بتداعيات قراراته على السلم العالمي وغير خائف من ردود فعل الآخرين ولا من اندلاع حرب تجارية تقوم على اتخاذ الدول المتضررة إجراءات حمائية مضادة لإجراءاته قد تتحول إلى حرب حقيقية تُستعمل فيها الأسلحة الثقيلة، وهو في ذلك كله لا يقدر أحدا ولا يولي بالا للدول والحكومات فهو يتصرف من وراء قناعة أنه الحاكم الوحيد للعالم يقرر ما يراه مناسبا من سياسات ويضع القواعد للعلاقات الدولية في كل المجالات والميادين من تجارية وسياسية واقتصادية وما يقوم به في غزة وتأييده المطلق لإسرائيل ومباركته لإجرامها بحق الشعب الفلسطيني ما هو إلا صورة من هذه الغطرسة و’الأنا المتعالية’ وهذا الاستعلاء الذي يعطيه الحق في فعل وقول ما يريد في مصير العالم.
اللافت أن ردود فعل الدول والحكومات وزعماء العالم تجاه القرارات الأخيرة التي اتخذها من يظن نفسه يحكم العالم وفرضها على الجميع أنها لا تخرج عن موقفين الأول اكتفى بالاستنكار اللفظي والرفض بالقول من دون أن تتحول هذه الخطابات إلى خطوات وإجراءات عملية جريئة لإيقاف هذا التيار الخطير والموقف الثاني يطالب أصحابه بالتهدئة وعدم التسرع في رد الفعل في محاولة لامتصاص الأزمة واحتواء قرارات ترامب والتكيّف معها نحو القبول بها وهكذا نجنّب العالم حسب ظنهم حربا الكل في غنى عنها.

تحسين وضع الأمريكيين

اللافت في الإجراءات الجمركية التي اتخذها ترامب أنه سوّقها للداخل الأمريكي وحاول أن يقنع بها الشعب الأمريكي على أنها في مصلحته وأن التعريفات الجديدة التي فرضها على البضائع والسلع الموردة من شأنها أن تحسن الوضع الاقتصادي والاجتماعي أن تحقق الزيادة في الثروة والإنتاج وقوة العمل، وتخلق المزيد من مواطن شغل للشعب الذي صدّق وأيد هذه القرارات.

تداعيات كبرى قادمة

اللافت في إجراءات ترامب الجمركية أنها تقوم على فكرة أن النظام العالمي الحالي بهياكله ومنظماته ومؤسساته وأفكاره لم يعد صالحا للبشرية ولا عادلا وهو ظالم وغير منصف لأمريكا التي عليها أن تقاومه وأن ما يقوم به هو في هذا السياق من المعركة التي تخوضها بلاده من أجل إرساء نظام عالمي آخر.
اللافت أن خطاب مناهضة العولمة ومقاومة أشكال الاستعمار الجديد وما يسمى بخط الديكولونيالية لم يعد اليوم مقولات يسارية تنتمي إلى اليسار الثوري وإنما أصبحت مع ترامب مقولات تتبناها الأنظمة الشعبوية القادمة من رحم الحداثة الغربية وعصر أنوارها التي يتم اليوم تجاوزها من داخلها وعلى أيدي أبنائها ومن انتجتهم .. اليوم العالم يعرف طريقا آخر بأفكار كان عالم الجنوب يطالب بها وكانت ترفض بدعوى أنها أفكار رجعية، فوضوية وعدمية ولا تصلح واليوم الشعبوية تفرضها بدعم وقبول من الشعوب.
اليوم ‘أمريكا تتحرر’ شعار سوف يكون له تداعيات في قادم الأيام على كل شعوب العالم …

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى