صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب: الأهم من الرد الإيراني المركّب أن نعلم أن هزيمتنا في داخلنا…

slama
كتب: نوفل سلامة

كما كان متوقعا ردت إيران على الاعتداء الذي حصل لها منذ أسبوعين وتعرضت له سفارتها في العاصمة السورية دمشق وكما كان منتظرا لن تقف طهران هذه المرة مكتوفة الأيدي، كما فعلت في السابق ولن تكتفي بالتنديد والوعيد كلما تعرضت إلى اعتداء إسرائيلي وخاصة عمليات الاغتيال التي تتعرض لها قيادتها العسكرية والأمنية والاستخباراتية…

وجاء الرد هذه المرة حقيقيا بتوجيه حوالي 300 صاروخ من نوع كروز وصواريخ بالستية لم تسقط كلها في الأراضي المحتلة حيث تم اعتراض قرابة 90 بالمائة منها في الجو بفضل الدفاعات الأمريكية والبريطانية وحلفائهما، وما سقط من الصواريخ الإيرانية تضررت منه قاعدتان عسكريتان إسرائيلية مهمتان.

الرد المركّب

المهم أكثر من معنى الرد المركب الذي صرح به الحرس الثوري الإيراني في وصفه للهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل والذي استبشر به الكثير من المتابعين للصراع في المنطقة والمناصرين لـ غزة في حرب إسرائيل الظالمة على الشعب الفلسطيني والرأي العام العالمي المعارض لما تقوم به إسرائيل وحليفتها أمريكا، والذي توقع ردا أكثر قوة وردعا واندلاع حرب ضد إسرائيلي توقف العربدة الصهيونية في الشرق الأوسط وفي العالم.

رسالة إلى أمريكا

الأهم أكثر من البحث عن مفهوم الرد العسكري المركب الذي شغل بال الشارع العربي الذي على ما يبدو خاب ظنه بعد إعلان الخارجية الإيرانية أن ردها ضد إسرائيل توقف وانتهى واكتفى بإرسال ذلك العدد من الصواريخ التي لم تحقق ضررا كبيرا لإسرائيل في منشآتها المدنية أو العسكرية، الأهم من ذلك هو معرفة أن فتح جبهة حرب مع إسرائيل ليس بالأمر السهل ولا الهين على اعتبار أن أي حرب مع إسرائيل هي حرب ضد أمريكا وبريطانيا وألمانيا ومنظومة الاتحاد الأوروبي المتحالف والمتضامن مع إسرائيل ورؤيتها للأحداث..
خاصة وأن التواجد الأمريكي في المنطقة مكثف بوجود العديد من القواعد العسكرية في الكثير من دول العربية التي تحتوي على آلاف الجنود والكثير من العتاد العسكري والحربي والطائرات الحربية والصواريخ العابرة للقارات المتطورة، بما يعني أن التجرؤ وإعلان الحرب على الدولة العبرية هو موضوعيا واستراتيجيا إعلان الحرب على أمريكا وحلفائها بما يجعل أن ما أقدمت عليه إيران رغم هذا المشهد العسكري وهذه التحالفات هو عمل جريء وغير مسبوق أن توجه دولة بمفردها آلاتها الحربية وصواريخها نحو إسرائيل حتى وإن لم يكن ردا قويا مدويا فيكفي أن تعلم إسرائيل أن هناك دولة رادعة لها رغم كل الاكراهات والمحاذير الموجودة في المنطقة وأن هناك قوة تشابك جديدة ممكن أن تهزمها.
إيران تعلم جيدا أن أي مواجهة مباشرة مع إسرائيل هي مواجهة مع أمريكا التي لها اتفاق استراتيجي ومبدئي للدفاع عن إسرائيل مهما كانت الظروف وفي كل الأوقات فهي تزود الكيان الصهيوني بحوالي 75 بالمائة من العتاد العسكري فيما تزودها ألمانيا بقرابة 20 بالمائة من احتياجاتها الحربية في غزة…

الأهم من معنى الرد الإيراني المركب هو معرفة أن ما حصل هو خرق لأول مرة للأمن الإسرائيلي الاستراتيجي حينما تتعرض إسرائيل إلى تهديد عسكري مباشر وجدي من دولة واحدة لم تسندها في ردها أي دولة أخرى رغم الدعم الكبير من القوى العظمى في العالم لدولة الاحتلال الإسرائيلي.

لولا الدعم الامريكي…

الأهم هو معرفة أن إسرائيل كما صوروها لنا لا تقدر أن تخوض حربا بمفردها ومن دون دعم أمريكي وغربي وما يحصل منذ عملية طوفان الأقصى خير دليل على ذلك فلولا الدعم المادي والمعنوي والعسكري من حلفائها الغربيين لما صمدت إسرائيل أمام المقاومة الفلسطينية، وقد تأكد هذا الأمر وانكشفت حقيقة البعبع اليهودي بعد الرد الصاروخي الإيراني فلولا الوقوف العسكري الأمريكي البريطاني الأوروبي لما أمكن لإسرائيل بمفردها أن توقف الرد الإيراني بما يعني أن القبة الحديدية الإسرائيلية التي روجوا لها على أنها الجهاز المانع من أي اعتداء جوي على دولة الاحتلال مسألة مبالغ فيها وأن القبة الحديدية الحقيقية هي الدعم العسكري الغربي وأن إسرائيل من دون هذا الغرب المتحالف والمنحاز عن عمى هي أضعف بكثير مما كنا نعتقد.

قادرة على منازلة اسرائيل

إيران استطاعت أن تفرض معادلة ردع جديدة من خلال ما قامت به على الرغم من محدودية ضرباتها الصاروخية وما حصل من اعتراض لها واستطاعت أن توجه رسالة للعالم مفادها أنها قوية وأنها قادرة على منازلة إسرائيل في أي وقت رغم كل الحماية التي تتمتع بها من القوى العظمى فالهدف لم يكن إعلان حرب طويلة ولا فتح جبهة قتال في المنطقة قد تطول وإنما الهدف الإيراني كان ردع إسرائيل وجعلها تقرأ ألف حساب في المستقبل قبل القيام بأي اعتداء على الأهداف الإيرانية.

نكبتنا في داخلنا!

الأهم من الرد الإيراني المركب هو الوقوف على حقيقتنا نحن العرب والاعتراف بأن ضعفنا وهزيمتنا ونكبتنا في داخلنا وفي ذواتنا وأنفسنا المهزومة التي لم تقدر أمام الغطرسة الإسرائيلية في المنطقة وما قامت به من تدمير لغزة لأكثر من سنة أشهر وتجويع شعبها وتهجيره بالكامل أن تفتح معبرا واحدا للسماح بمرور المساعدات الغذائية والطبية نحو غزة وأن الدول العربية وخاصة دول الجوار والطوق الفلسطيني وجيوشها مجتمعة لم تقدر أن تخيف إسرائيل بل على العكس فقد كانت حارسة للدولة العبرية وفي خدمتها في حربها مع المقاومة الفلسطينية ومساندة لها في حين استطاعت إيران بمفردها أن توجه آلاتها الحربية نحو أهداف إسرائيلية في الداخل الإسرائيلي هو الثاني من نوعه بعد الرد العراقي في عهد الرئيس صدام حسين.
فهل كان الرد ناجحا؟ وهل كان كافيا؟ هل كان مناسبا ومواتيا أمام ما تقوم به إسرائيل من عربدة وغطرسة وتهور؟ بالتأكيد هو ليس كذلك بالنسبة للشارع العربي الذي تحمس كثيرا للتصريح الإيراني بأن ردها سوف يكون ردا مركبا بما فهم منه فتح حرب واسعة ومعقدة وطويلة تشارك فيها وتتداخل فيها عناصر كثيرة حربية وبشرية لكن سرعان ما تهاوى هذا التحمس للحرب ضد إسرائيل بإعلان الخارجية الإيرانية من مقر الأمم المتحدة ساعات قليلة بعد إطلاق صواريخها صوب تل أبيب بأن ردها قد انتهى وتوقف.

قواعد اللعبة تغيّرت

ولكن من منظور حربي استراتيجي وواقعي ومن منطلق القراءة الموضوعية وحقيقة الواقع العالمي والتوازنات الإقليمية وحقيقة دول الجوار الفلسطيني التي تحولت إلى قوى وظيفية داعمة للرؤية اليهودية الصهيونية، فإن ما قامت به إيران وما حصل من توجيه مئات الصواريخ نحو دولة الاحتلال رغم اسقاط معظمها فإن المطلوب قد حصل وأن أهم نتائج الرد هو الإعلان على ميلاد معادلة عسكرية جديدة وأن قواعد اللعبة قد تغيرت بعد أن أصبحت الأراضي الإسرائيلية هدفا للصراع ومجالا للمعركة على عكس ما كان في السابق من أن الحرب مع إسرائيل تقع خارج أراضيها وفوق الأراضي العربية وأن الجانب التقني العسكري قد تغير و أصبح من الممكن اختراق المنظومات الدفاعية الإسرائيلية رغم المساندة التقنية الامريكية للوصول إلى العمق الإسرائيلي بعد أن تمكنت بعض الصواريخ أن تضرب مواقع في الأراضي المحتلة بكل دقة وهذا هو الجديد الذي وجب الخروج به من هذا الرد الإيراني.
في اعتقادنا فإن هذا الرد الصاروخي منذ البداية كان محدودا وأن إيران لم تسع إلى أكثر من تلقين درسا للصهاينة وإحداث إرباك في الداخل الإسرائيلي ولا كان هدفها فتح حرب إقليمية وتوترا في المنطقة ولا الانجرار إلى حرب في المنطقة لأن التوازنات العسكرية غير متكافئة والتحالفات ضد إسرائيل وأمريكا غير مضمونة فـ حسابات إيران من الواضح أنها معقدة جدا وصعبة لكن الثابت أن الهجوم الإيراني كان واضحا وهو أن إيران لن تسكت بعد اليوم عن أي اعتداء إسرائيلي مهما كان نوع التحالف المتكون حول إسرائيل فالمهم هو استعادة الردع ضد إسرائيل بعد أن تخلى عنه العرب وخاصة دولة مصر التي كانت هي دولة المواجهة القوية ضد إسرائيل.

منعرج استراتيجي

نحن اليوم بعد الهجوم الصاروخي الإيراني أمام انعطافة حربية ومنعرج استراتيجي مؤثر لواقع اقليمي جديد وأن حدث طوفان الأقصى يوم السابع من أكتوبر 2023 وأن الرد الصاروخي الإيراني ليوم 14 ماي 2024 قد أوضحا أن إسرائيلي غير قادرة على حماية ظهرها وأمن شعبها من دون مساعدة خارجية وتدخل من القوى العظمى وأن ما تروج إليه إسرائيل بأنها تتمتع بالأمن المطلق لم يعد كذلك بعد أن نجح جانب من الصواريخ الإيرانية في الوصول إلى أهدافها بكل دقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى