صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب: الأمن المائي المهدد والحلول الممكنة

كتب: نوفل سلامة  

دخلت تونس في مرحلة حرجة للغاية في علاقة بقدرة الدولة على الإيفاء بالتزاماتها تجاه مواطنيها في موضوع توفير الماء الصالح للشراب عبر قنوات الشركة التونسية لتوزيع واستغلال المياه…
وفي حنفية المنازل بكمية وجودة مطلوبة وبالقدر الكافي والحد الأدنى المتفق عليه عالميا وفق المعايير الدولية بعد أن تراجع نصيب الفرد من الماء من 980 متر مكعب سنويا وهو المعيار الذي تعتمد عليه منظمة حقوق الإنسان لاعتبار الفرد يتمتع بالحق في الماء إلى حدود 400 متر مكعب وهي كمية في طريقها إلى التقلص بعد حالة الجفاف التي تمر بها البلاد منذ سنوات ..

وضعية خانقة

وإلى جانب هذه الأزمة المائية الخانقة تمر الدولة التونسية بوضعية صعبة في المحافظة على الأمن المائي للشعب وتوفير ما يحتاجه المواطن من قدر من الماء ما يسمح له بالعيش في ظروف طيبة ومريحة تجنبه الوقوع في حالة العطش وحالة العجز المانعة من الحصول على الماء اللازم للحياة ولتيسير استعمالاته في الأغراض الحياتية وذلك بعد أن أعلنت الحكومة رسميا وعلى لسان وزيرها للفلاحة أنه تقرر المرور الاضطراري إلى تطبيق نظام الحصص الظرفي في التزود بالمياه الصالحة للشرب والاستعمال المنزلي إلى حدود شهر سبتمبر من العام الجاري وذلك بقطع الماء من الحنفيات المنزلية لفترة قدرت بست ساعات تبدأ من التاسعة ليلا وتنتهي في حدود الساعة الرابعة صباحا…

وهي فترة غير ثابتة ويمكن أن تتغير من جهة إلى أخرى وحسب موقع كل منطقة من تراب الجمهورية وهذا الإجراء حتمته حالة الجفاف التي تمر بها البلاد وانحباس الأمطار وتراجع منسوب المياه في السدود والبحيرات بصورة كبيرة غير مسبوقة ما أثر بصفة ملحوظة على المخزون المائي الذي لم يعد قادرا على توفير الماء بصفة اعتيادية وطبيعية وكلما طلبه المواطن

أزمة شح مائي

وهذه الوضعية هي التي جعلت تونس تصنف من ضمن البلدان التي تعيش في السنوات الأخيرة أزمة شح مائي ومن البلدان التي تعيش حالة فقر مائي جراء التحولات المناخية السلبية المؤثرة التي تمر بها العديد من المناطق في العالم ومنها تونس وهي تداعيات جعلت الحكومة التونسية ولو بطريقة متأخرة نسبيا تصارح الشعب بالوضع المائي للبلاد وتتخذ الإجراء المكلف وهو تطبيق نظام الحصص في الحصول على الماء المنزلي والتخلي وقتيا عن الاستفادة المتواصلة من كمية الماء التي توفرها الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه.

منعرج خطير..

واليوم فإن السؤال المطروح بعد حصول هذا المنعرج الخطير الذي يعرفه موضوع الماء في تونس في علاقته بكيفية المحافظة على الأمن المائي أحد مكونات أمننا القومي وتراجع القدرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي من المياه التي توفرها الأمطار والتي يتم توظيفها في استعمالات شتى ومختلفة منها الاستعمال المنزلي المحدد نسبته بـ 14 بالمائة من مجموع المياه المخزنة وما يحتاجه الفرد من نصيب من الماء للحياة والعيش،

هذا السؤال يقول: إذا كان القرار الذي اتخذته الحكومة في تطبيق نظام الحصص للحصول على الماء قد أقر واجبات على المواطن وحمله المسؤولية في ترشيد استهلاكه واستعماله للماء ورتب عقوبات على كل مواطن لا يلتزم بالإجراءات الجديدة أو يثبت عنه إهداره للماء أو استعماله في أغراض ممنوعة بالقرار، فإن الغائب في هذه المعالجة للموضوع هو الحديث عن مسؤولية الدولة في إيجاد الحلول البديلة التي تجنب البلاد أزمة عطش قادمة كالذهاب وبصفة مستعجلة نحو إنجاز المشروع الكبير المعطل لإنتاج الطاقة الشمسية التي نحتاجها لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة و تحلية مياه البحر التي بدورها سوف توفر لنا كميات هائلة من المياه جزء كبير منها يستعمل في الفلاحة التي تستهلك سنويا حوالي 80 بالمائة من مخزوننا المائي وبهذا ننتهي مع معضلة المياه التي توظف في الأغراض الفلاحية والباقي يتم تخصيصه للشرب والاستعمالات الأخرى في المجال الصناعي 5 بالمائة والسياحي  1 بالمائة وهو مشروع بات اليوم متأكدا رغم ما يلقاه من معارضة من طرف البعض الذين يحترزون على كلفته المالية الباهظة وهي مسألة حتى وإن كانت محتملة فإنه لا مندوحة اليوم من الذهاب إلى هذا الحل وهذا الخيار و تحلية ماء البحر باستعمال الطاقة الشمسية لتفادي أزمة الماء وأزمة الجفاف التي تمر بها البلاد…

هدر كبير للماء

ما غاب في الخروج الإعلامي للحكومة ومصارحتها الناس بحقيقة وضعنا المائي هو الحديث عن مسؤولية الدولة في الحفاظ على الماء وفي القيام بما يتعين من أعمال الصيانة والإصلاح لقنوات الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه حيث أوضحت كل التقارير وكل المعاينات وجود هدر كبير لماء ” الصوناد ” بنسبة تصل إلى حدود 40 بالمائة نتيجة قدم القنوات مع غياب التعهد والصيانة لنقص العنصر البشري حسب تقرير أعده المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وحسب التقرير الذي أعده المقرر الخاص للأمم المتحدة للحق في الماء والصرف الصحي ” بيدرو أروخو غودو ” الذي زار بلادنا خلال الفترة الممتدة بين 18 و 28 جويلية 2022 في إطار إعداد التقرير النهائي الشامل الذي سيقدمه في شهر سبتمبر 2023 إلى مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان حول الحق في الماء والصرف الصحي في العالم شمل عدة بلدان منها تونس خلص فيه إلى عدة ملاحظات في غاية من الأهمية منها ضرورة القيام بتدخلات عاجلة لإصلاح القنوات والبنية التحتية للشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه  حيث اتضح أنه نتيجة غياب صيانة شبكات نقل المياه وضعف الرقابة لهذه القنوات فإن حوالي 60 بالمائة من الماء الصالح للشراب يتم هدره ويضيع في الطبيعة…

مسؤولية من؟

ما أردنا قوله هو أنه بقدر ما هو مهم توعية المواطن بالوضعية الحرجة التي تمر بها البلاد في علاقة بتراجع مخزوننا من الماء الصالح للشراب جراء التغيرات المناخية ما يحتم على الجميع تغيير عوائدهم اليومية وترشيد استعمالهم واستهلاكه للماء، فإنه من المهم كذلك أن نوجه جانبا من المسؤولية إلى الدولة في جهر الكثير من السدود الملوثة بالأتربة والتي لم تعد صالحة لتجميع المياه وتحتاج إلى صيانة وتعهد وعملية إزالة الأتربة والأوحال وخاصة مسؤولية الشركة التونسية للاستغلال وتوزيع المياه فيما يحصل من ضياع كميات لا بأس بها من الماء نتيجة قدم قنواتها وعدم تعهد بنيتها التحتية التي تهرأت .. ما أردنا قوله هو غياب الحلول الجماعية لمشكل كبير يحتاج حلول الدولة ومؤسساتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى