صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب/ أولمبياد باريس: جدل المنشطات الجنينية ومشاركة المتحولين جنسيا..

slama
كتب: نوفل سلامة

يبدو أن الألعاب الأولمبية التي تُقام حاليا في العاصمة الفرنسية باريس من الدورات التي أثارت الكثير من الجدل وعرفت جملة من المشاكل التي لم يستطع العرض الفرجوي الافتتاحي على قيمته الفنية حيث لاقى استحسانا من الكثير من المتابعين أن يحجب ويغطي عن كل النقائص والإخلالات التي رافقت هذه الألعاب…

مشاكل بالجملة

فبعد مشكلة الأكلات التي احتج عليها الرياضيون والتي فرضت على المنظمين التدخل بسرعة لتحسين نوعية الأكل التي لم تكن في المستوى واعتبرت أكلات ناقصة وغير مرضية، وبعد فضيحة اللوحات الفنية التي صاحبت العرض الافتتاحي والتي قدمت رسائل صادمة في علاقة بالترويج للشذوذ الجنسي وبممارسة الجنس الجماعي، وموضوع فوضى الغرائز وفوضى الحواس وهي لوحات قدمت عرضا أيديولوجيا حاول من كان وراءها من النخبة المالية والسياسية والمثقفة أن يقدموا صورة العالم والبشرية في المستقبل غارقة في حالة من التحلل والفوضى والشذوذ واللامعنى…

جدل كبير

بعد ذلك طفح على السطح جدل ونقاش من نوع آخر أثارته هذه الدورة من الأولمبياد تعلق باستعمال نوع جديد من المنشطات يستعملها الرياضيون لتحقيق نتائج وانتصارات وبسببها يتم اقصاؤهم ومعاقبتهم وجدل آخر حول حالة جديدة من المشاركة تخص الرياضيين المتحولين جنسيا.
أما الجديد الأول فيخص استعمال نوع جديد من المنشطات يعرف بالمنشطات الجينية ظهر لأول مرة في الألعاب الأولمبية التي أقيمت بيكين 2008 حيث صرح بعض الخبراء وعلماء الجينات أنهم تلقوا دعوات من العديد من الرياضيين لتنشيطهم جينيا، وذلك من خلال استعمال تقنيات التعديل الجيني لإعادة هندسة الجينات الأصلية للرياضي وذلك باستعمال الحقن لنقل جينات شخص آخر يكون أكثر قوة وجاهزية، وبذلك يتم نقل الخاصية المطلوبة إلى الشخص الذي تلقى الحقنة…
كما يمكن أن يكون التنشيط الجيني باستخراج بعض الخلايا من الشخص الراغب في التنشيط وحقنها بالأحماض النووية الخارجية وإعادتها من جديد في جسمه، ويقول الخبراء بأن الهدف من هذا التنشيط الجيني هو تعديل الخلايا التي لها القدرة على تحسين مستوى اللياقة البدنية ومستوى الجاهزية وقدرة على إنجاز الأعمال…

مشكل التنشيط الجيني

فـ وفق بحث أجرته جامعة رايس في ولاية هيوستن في الولايات المتحدة الامريكية فإن الرياضي الذي يتحصل على تنشيط جيني تصبح له القدرة على التفوق على منافسيه من الرياضيين الآخرين الذي حافظوا على نفس جيناتهم الأصلية، وهذا يعني أن تقنية التعديل الجيني تطور القدرة البدنية بنسبة قد تصل إلى مائة بالمائة أو مائتان بالمائة…
والتنشيط الجيني لا يقتصر فقط على تعديل أو تحسين القدرات البدنية وإنما يمكن أن يغيّر أشياء أخرى كتصميم منشطات بدنية للتحكم في البروتينات التي تؤثر في نفسية الرياضيين مثل الانتروفينات والبروتينات التي تؤثر على استجابتهم للألم والتعامل مع حالات التوتر.

المشكل الذي تثيره هذه المنشطات الجديدة التي دخلت عالم الرياضة وانتقلت من عالم الفلاحة والزراعة المجال الذي عرف أولى تجارب التعديل الجيني للنباتات والمحاصيل الزراعية للحصول على إنتاج أوفر وذو جودة عالية في صعوبة إثبات خضوع الرياضي إلى عملية تشيط جيني باستعمال تقنية التعديل الجيني، حيث لا تزال التشريعات في هذا المجال شحيحة، ولم تعرف اهتماما ما عدا الحالة اليتيمة الوحيدة التي عرفتها فرنسا في السنة الماضية مع الاعداد للألعاب الأولمبية حيث صوّت البرلمان الفرنسي لأول مرة على نص قانوني يسمح بإجراء مثل هذه الاختبارات داخل مختبر مرخص فيه من قبل منظمة مكافحة المنشطات الدولية..

يبقى الإثبات صعبا

المشكل الآخر الذي تثيره عملية اللجوء الى التعديل الجيني للحصول على قدرة أكبر على الفعل وتحسين اللياقة البدنية يتعلق بمسألة الاختبار أو التحليل الذي يمكن من خلاله التأكد من مدى خضوع الرياضي إلى تنشيط جيني من عدمه، حيث جرت العادة في استعمال المنشطات العادية أن يتم إجراء اختبار من خلال أخذ عينة من البول أو الدم من الرياضي المشتبه به، لكن في حال التنشيط الجيني فإن عملية التثبت تتم باستخدام وسائل أخرى كالقيام بمسح أنف الرياضي وإجراء اختبار حول العينة المستخرجة مثلما كان يحصل مع اختبارات فيروس كورونا او كوفيد 19 والقيام بتحليل هذه العينات للتعرّف عما اذا كانت هناك معلومات وراثية أجنبية قد أدخلت أو أضيفت الى جينات هذا الرياضي..

لكن في بعض الحالات و حينما يتم تعديل المادة الوراثية كليا وليس إدخال تعديل جزئي على الجينات فقط ففي هذه الحالة يصعب اثبات هذا التنشيط الجيني.

أنثى أم ذكر؟!

القضية الثانية التي أثيرت في هذه الدولة من الألعاب الأولمبية تخص مشاركة اللاعبة الجزائرية ” إيمان خليف ” التي تمكنت من اقصاء منافستها الإيطالية انجيلا كاريني بعد 46 ثانية فقط من بداية المباراة التي جمعتهما في مسابقة الملاكمة النسائية، حيث توقفت اللاعبة الإيطالية عن اللعب بعد أن تلقت ضربة قوية من اللاعبة الجزائرية وصفتها بـ ‘الوحشية’ معتبرة أن اللكمة الموجهة إليها لا يمكن أن تصدر من لاعبة أنثى…

ومن هنا انطلاق نقاش واسع حول معايير الأهلية الجنسية للرياضي وقانونية مشاركة الرياضيين المتحولين جنسيا والسماح للذكور المتحولين للمشاركة في مسابقات رياضية خاصة بالعنصر الأنثوي، علما وأن نفس هذه اللاعبة الجزائرية قد تم إبعادها من بطولة العالم في السنة الماضية بسبب ما اعتبر ارتفاعا في مستويات هرمون التستوستيرون المسؤول عن تنشيط عضلات القوة ورغم المساندة التي لقيتها اللاعبة إيمان خليف من اتحاد الجزائري للملاكمة، فإن الكثير من الأوساط الإعلامية والرياضية قد اعتبروا أن اللاعبة الجزائرية هي شخص متحول جنسيا.
المشكل في هذه القضايا التي أثارتها هذه الألعاب الرياضية في مساءلة العلم حول الحدود التي يمكن أن يصل إليها وفي المخاطر التي يمكن أن تتسبب فيها الأبحاث العلمية المتحللة من كل رابط أخلاقي أو ديني، فالثورة العلمية التي أحدثتها الأبحاث المتعلقة بتحولات الجنس أو أبحاث التعديلات الجينية تفرض علينا محاولة فهم العلم الحديث فهما صحيحا بعد أن ظهر في السنوات الأخيرة نقاش واسع حول الطريقة التي يعبر به العلم عن الحياة والاتجاه الذي يسلكه لفرض طرق جديدة لعيش الانسان، وخاصة في الإمكانيات والتقنيات الكبيرة التي يوفرها علم الوراثة والأبحاث المتعلقة بالتطور الجيني في التلاعب بالحياة وما ينتج عنها من تحولات عميقة وجذرية من خلال فكرة التحرير الجيني…
فما يحصل اليوم في مجال الأبحاث الجينية والإمكانيات المتاحة لإجراء عمليات لتحويل صورة الأفراد من أنثى إلى ذكر أو العكس في الرغبة الجامحة التي نجدها في تعديل الحياة وتطوير الإنسان وقلب كل شيء وكل المعايير وكل القيم وكل الصورة التي عليها الانسان وفي طبيعته التي خلق عليها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى